عاجل
الأربعاء 18 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
أبو طرطور والباشا هندي!
بقلم
محمد نجم

أبو طرطور والباشا هندي!

بقلم : محمد نجم

أحزنني جدًا اختفاء مئات الكيلو مترات من خط السكة الحديد الذي كان ينقل خام الفوسفات من حقل أبو طرطور في الوادي الجديد إلى ميناء سفاجا على شاطئ البحر الأحمر.



فقد تمكن بعض معدومي الضمير من سرقة القضبان والفلنكات باستخدام الجرافات في الفترة التي غابت فيها الدولة بعد أحداث يناير 2011، ومع ذلك فقد عاد هذا المشروع القومي للحياة مرة أخرى بعد إسناد تبعيته إلى وزارة البترول، حيث تغير نظام استخراج الخام من الحفر العميق باستخدام الأنفاق إلى التعامل مع الطبقات السطحية ومعالجتها والاستفادة من كل الخامات الناتجة عن عمليات الفرز والغربلة، مع إقامة مصانع للمعالجة لتصنيع السماد بدلًا من تصدير الفوسفات كخام للخارج.

نعم لقد دبت الحياة في هذا المشروع من جديد، خاصة أننا نمتلك مخزونًا ضخمًا من هذا الخام «الفوسفات»، مع رجاء للجهات المسؤولة بسرعة إقامة المصانع المكملة لنشاط الاستخراج.

من جهة أخرى أذهلني حجم التطور والتغيير الذي يجرى في تلك المحافظة التي كانت بعيدة عن القلب وبالتالي بعيدة عن العين، مع أنها كانت أول ما يتم استهدافه من الغزوات الخارجية أو القبائل المهاجمة من جهة الغرب أو الجنوب، ويزداد الحزن عندما تعلم أن هذا الوادي الضخم من المساحة يعوم على بحيرة من الآثار لجميع العصور القديمة بداية من الفرعونية، إلى الرومانية، ثم القبطية، والإسلامية، والفارسية، وأخيرًا البطالمة.

ويكفي أن تعلم أنه على أرضه وفى بحر الرمال العظيم دفن جيش القائد الفارسي «قمبيز» والذي كان يبلغ تعداده أكثر من 40 ألفًا، عندما تجرأ وحاول هدم معبد آمون الذي تنبأ كهنته بهلاكه!، ومازال الجيش بكامل معداته مدفون تحت الرمال.

وتجدر الإشارة أن الأثري المصري د. أحمد فخري قد نجح في اكتشاف العديد من المواقع الأثرية في محافظة الوادي الجديد، ولذلك يحبه أهل الوادي ومازالوا يذكرونه بكل الخير.. حيث كان سببًا في توجه الكثير من البعثات الأجنبية للعمل في واحات الوادي المختلفة وخاصة البعثة الألمانية التي اكتشفت مقابر الأسرة الفرعونية السادسة، وقد شيدت البعثة بيت حديث «منزل سنورس» والذي يحكى كيف كانت الحياة في العصور القديمة.

وهناك أيضا مدينة «القصر» والتي تشبه القرى العادية في الريف المصري قبل أن تزحف عليه المباني الخرسانية، وتتميز بضيق شوارعها وانخفاض سقفها كإجراء أمني ضد القبائل المغيرة من الغرب، وقد استقبلت هذه القرية القبائل الإسلامية بداية من العام خمسين للهجرة..، وظهرت حديثًا في فيلم سينمائي قام ببطولته كريم عبد العزيز ومنى ذكى وطلعت زكريا، وغنى فيها أحد مطربي الواحات أغنية «مريم» الشهيرة!

أما أطرف ما شهدناه في الوادي، فقد كان وادى الجمال، حيث تسببت الرياح الشديدة المحملة بالرمال في تحول صخور الوادي إلى ما يشبه الجمال بجميع أوضاعها، وهذا الوادي يقع في مدخل قرية بشندي التي لها قصة طريفة، فقد استقر فيها أحد الشيوخ الهنود، وتمكن بعد فترة من تشكيل جيش محلى لمحاربة الروم المحتلين وانتصر عليهم وأشهر إسلامه وسمى نفسه محمد الباشا هندي، وبمرور الأيام حور الاسم إلى البشندي وسميت القرية به، والطريف أن هذا الباشا كان يجمع خمسة قروش من الأهالي كل شهر يستخدمها في توفير البنية الأساسية وتجهيز الجيش وبعد وفاته استمر أهل القرية في تجميع المبلغ وأقاموا جمعية تعاونية تمكنوا من خلالها من إنشاء مصنع بسيط لصناعة السجاد والكليم والتوب الفرعوني باستخدام أصواف الأغنام، ويحرص كل من يزور الوادي على المرور على تلك القرية النموذجية التي تتمتع بالاكتفاء الذاتي في كل شيء وبها جميع المرافق والخدمات الأساسية.

وكل ما تقدم تضمه واحة الداخلة، أما واحة الخارجة فحدث ولا حرج عن التطور السريع الذي تشهده والحجم الضخم من الآثار تحت ترابها!

ويكفي أن بها معبد هيبس، ومقابر القبوات ومعبد دوش، ومعبد الزيان، ومنطقة الرمال الناعمة.. وغيرها الكثير مما يحرص زوار الوادي على مشاهدته، بخلاف الصناعات الحديثة لتعبئة التمور، وعصر الزيتون، وتعبئة عسل النحل.. والفواكه المختلفة ولكن لفت نظرنا اكتمال القرى النموذجية الجديدة بمشروع الألف فدان والتابعة لشركة الريف المصري، فالطرق ممهدة ومرصوفة والمساكن بها جميع الخدمات من مياه وكهرباء وصرف صحى، وقد افتتحها الرئيس منذ عامين أو يزيد، ومع ذلك فمازالت فارغة تقاوم الرياح المحملة بالرمال العاصفة.. ولست أعلم إلى متى ستستمر على هذا الحال.. ولماذا لا يتم التوزيع على المستحقين الذين تقدموا بطلباتهم منذ أكثر من عام ونصف؟!

تبقى الإشارة إلى الفنون في الوادي، حيث لديهم نماذج مبهرة من الرسامين الموهوبين باستخدام الرمال والمواد الطبيعية المتوفرة من صخور وأحجار وغيرها، ومنهم الفنان عادل الذي حول منزله إلى متحف مفتوح، وكذلك الفنان أحمد وهبة الذي تميز برسم لوحات بيئية بالرمال الطبيعية مختلفة الألوان، ونظرًا لجودتها فقد وصل سعر بعضها إلى أكثر من 10 آلاف جنيه للوحة الواحدة، كما فاز أحد الشباب بجائزة مسابقة «إبداع» في الرسم والتي تنظمها وزارة الشباب والرياضة على مستوى الجمهورية.

ويبدو أن الذي يحتضن هؤلاء الموهوبين هي مراكز الشباب، حيث لم نلحظ دورًا مؤثرًا لقصور الثقافة بالمحافظة، وقد نظم لنا القائمون على مراكز الشباب في كل من واحتي الداخلة والخارجة حفلين فنيين في غاية الروعة، حيث استمعنا لآلة «المرغونة» التي يشتهر بعزفها أبناء الوادي، وكذلك التابلوهات الراقصة التي عرضتها الفرقة الفنية الخاصة بمركز شباب الخارجة، ومطربها الموهوب ذو الصوت الصوفي المعبر وقدرته الهائلة على الارتجال بأشعار جميلة.

فكل الشكر لوزارة الشباب والرياضة لتنظيمها هذا البرنامج «أعرف بلدك» وكل التحية لأبناء الوادي الجديد الطيبين المتسامحين وخاصة الأصدقاء بهاء وجمعة والصيني وغيرهم.

نعم.. نحن نحتاج إلى إن نعيد اكتشاف بلدنا والتعرف على كنوزنا الظاهرة والتي مازالت مخبأة تحت ترابها.. فنحن أمة ذات تاريخ وحضارات متعاقبة ولم ينتشر تعبير «مصر أم الدنيا».. من فراغ!

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز