عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
تلك الأيام

تلك الأيام

بقلم : محمد دويدار

حين أتم ابني الأكبر شهرين من عمره كان دائم البكاء كثير الصراخ، بدرجة لا تطاق، فكنت يوميا قبل أذان الفجر بقليل أحمله في حقيبة الأطفال وأضعه على المقعد الخلفي بالسيارة وانطلق إلى حيث لا أعلم لأمنح أمه بعض الوقت كي تخلد للراحة والنوم.



كنت أجوب شوارع القاهرة وضواحيها بلا هدف سوى أن اهتزاز السيارة بتلك السرعة يجعله أكثر هدوءا يشعر بالطمأنينة والسكينة فينام بسلام، وبعد ساعة أو ساعتين أعود للمنزل لآخذ قسطا قليلا من النوم قبل الذهاب لعملي، في حين تبدأ أمه يوما جديدا من المعاناة معه.

ولما اشتد الشتاء وبات النزول ليلا أمرا محالا تفطن ذهني لحيلة أخرى، حيث أصبحت أنا من يقوم بدور السائق والسيارة معا فكنت أحمله على يدي وأركض به في أرجاء المنزل مسرعًا كي يهدأ ويستكين.

بلا شك كانت فترة مرهقة جدا لكنني أبدا لم أكن أشعر بالتعب فقد كنت أفعل ذلك عن حب كما أنني تعلمت حينها أن تحمل المسؤولية له كلفة كبيرة من العناء والتضحية والمشاركة.

وتمر السنون ويكبر الأبناء وتتسع دائرة اهتماماتهم وما زلت داخل تلك الدائرة بشكل أو بآخر، نعم لم أعد في بؤرتها كما كنت سابقا ولكنني ما زلت داخلها أزاحم بقوة الأصدقاء والأحباء والهوايات وأشياء أخرى كثيرة باتت تمتلئ بها دائرتهم الخاصة، والأدهى من ذلك أن الصراخ والبكاء لم يتوقف بعد، لكن تغير شكله وتغيرت طريقة إسكاتهم، فلم يعد في مقدوري الآن أن أحملهم وأجري بهم، بل لم يعد في مقدوري أن أحتضنهم علنا أمام أصدقائهم كي لا أسبب لهم إحراجا، فقد بت أشعر أنني أصبحت أشبه بآلة تعمل في صمت كي تجني المال اللازم لجعلهم أكثر رضاء وهدوء وسلامًا، ولا ألوم عليهم أبدا، فهذه سنة الحياة، وكلما تألمت من قسوة العمل تأملت وجوههم فهانت عليّ الصعاب وتحملت أمورا أبدا لم أكن أطيقها لولاهم، وكلما جلست وحيدا تذكرت الأمس فشعرت بشوقِ ليوم كنت أحملهم فيه على يدي وأركض سعيدا فرحا، وتفكرت أيضا في الغد فملئت رعبا من يوم أجد نفسي قابعا خارج دائرة اهتماماتهم، أراهم من حيث لا يرونني أو يشعرون بي.. كم هي سريعة خطى الأيام وكم هي كثيرة تقلبات الزمن وكم هي رائعة ومؤلمة معا مشقة الحياة من أجل من نحب.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز