عاجل
الخميس 19 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
قصة غرام «قاسم أمين» فى باريس!

قصة غرام «قاسم أمين» فى باريس!

بقلم : رشاد كامل

لا يكاد يذكر اسم الأستاذ قاسم أمين إلا ويذكر معه كتابه الأشهر «تحرير المرأة»، الذى أقام الدنيا وأقعدها الذى نشره فى البداية على هيئة سلسلة من المقالات فى جريدة المؤيد لصاحبها ورئيس تحريرها الشيخ «على يوسف».



صدر كتاب «تحرير المرأة» سنة 1899 وبعدها بعام أصدر كتابه «المرأة الجديدة» الذى أهداه إلى سعد زغلول، قائلا: إلى صديقى سعد زغلول، ففيه وجدت قلبا يحب ومعقلا يفكر وإرادة تعمل، أنت مثلت إلىَّ المودة فى أكمل أشكالها، فأدركت أن الحياة ليست كلها شقاء، وأن فيها ساعات حلوة لمن يعرف قيمتها، من هذا أمكننى أن أحكم أن هذه المودة تمنح ساعات أحلى إذا كانت بين رجل وزوجته، ذلك هو سر السعادة الذى رفعت صوتى لأعلنه لأبناء وطنى رجالا ونساء».

كان من الطبيعى وقتها أن تثور الدنيا ضد قاسم أمين فهو يقرر منذ البداية اعترافه وإيمانه بما يكتبه قائلا :  «المرأة وما أدراك ما المرأة، إنسان مثل الرجل لا تختلف عنه فى الأعضاء ووظائفها ولا فى الإحساس ولا فى الفكر ولا فى كل ما تقتضيه حقيقة الإنسان من حيث هو إنسان اللهم بقدر ما يستدعيه اختلافهما فى الصنف، فإذا فاق الرجل المرأة فى القوة البدنية والعقلية، فذلك إنما لأنه اشتغل بالعمل والفكر أجيالا طويلا كانت المرأة فيها محرومة من استعمال القوتين المذكورتين ومقهورة على لزوم حالة من الانحطاط تختلف فى الشدة والضعف على حساب الأوقات والأماكن».

ويكتب أيضا عن تربية المرأة والزواج والأمومة  والطلاق وغيرها من الموضوعات، بل يخوض فى مناقشة الحب بين الزوجين وضرورته لسعادة الطرفين واللذة الجسمانية ويقول: «الحب الشريف من أكبر السعادات فى هذه الدنيا، فإن كان المال زينة الحياة فالحب هو الحياة بعينها، فهذا الحب لا يمكن أن يوجد بين رجل وامرأة إذا لم يوجد بينهما تناسب فى التربية والتعليم» .

وهكذا واجه «قاسم أمين» حربا وهجوما لا هوادة فيه ضد كتابه هاجمه الزعيم الشاب «مصطفى كامل» فى جريدة اللواء، وهاجمه رجل الاقتصاد الشهير «طلعت حرب» فى أكثر من مقال جمعها فى كتاب «تربية  المرأة والحجاب» وغيرها من المقالات والقصائد راحت تهاجمه!!

لكن أغرب ما واجهه  «قاسم أمين» فى تلك المعركة عندما عاد إلى منزله يجد أحد الغرباء واقفًا أمام باب منزله ويقول لقاسم أمين أنا عاوز الست بتاعتك».

 وإزاء صدمة قاسم أمين إلا تمالك نفسه وكظم غيظه وسأله : عاوزها فى إيه؟!

قال الرجل الغريب عاوز اختلط معاها.. أخرج معاها.. ألست تدعو إلى سفور المرأة واختلاطها بالرجال ومساواتها لهم!! أليس هذا ما قلته فى كتابك؟!

رد قاسم أمين : نعم هذا كتابى ولكنك أسأت فهم أفكارى التى كتبتها!!

•••

إن كتابات وآراء قاسم أمين عن الحب والزواج والصداقة لا يمكن فصلها عن تأثره واحتكاكه بالمجتمع الفرنسى الذى سافر إليه لدراسة القانون لمدة أربع  سنوات وشاهد عن قرب حياة أخرى غير التى تركها فى مصر!

 فى باريس تعرض الشاب قاسم أمين -18 عاما- إلى تجربة عاطفية ربما كان لها بعض أو كل الأثر فى تغيير نظرته للمرأة عقب عودته من باريس.

كانت بطلة هذه التجربة فتاة فرنسية اسمها «سلافا»!!

عن هذه الفتاة كتب كل من الدكتور «محمد عمارة» فى كتابه «قاسم أمين الأعمال الكاملة» والأستاذ الكبير «أحمد بهاء الدين» فى تقديمه لكتاب «تحرير المرأة» فى طبعته الخاصة لمكتبة الأسرة!!

 فماذا كتب كل منهما؟!

الحوادث السياسية، فكان موقفنا من السياسة كموقف الذى ينوى الاستحمام فى البحر مدفوعا برغبة شديدة فيلبس لباس البحر ثم يتقدم إلى الموج، فإذا غمر الماء قدميه تراجع واكتفى من السباحة بالبطبطة «وغسيل الوجه ورش الماء على الرأس ثم قراءة الفاتحة والرجوع إلى الكابين»!!.

 أما أنا فمازلت أذكر أول عمل قمت به فى الصحافة السياسية وكان ذلك بمناسبة حادث من أبرز حوادث التاريخ المصرى الحديث، وفى العدد 25 الذى صدر بتاريخ 21 أبريل سنة 1926 ظهر أول مقال سياسى له وعنوانه «محكمة الجنايات ملاحظات ممثلة وصحفية، ومحكمة الجنايات هنا فى المحكمة  التى عقدت محاكمة «أحمد ماهر» و«محمود فهمى النقراشى» وكانا فى عداد المتهمين بمقتل السردار، وكانت ملاحظاتى ملاحظات فنانة لها عين متفحصة، وتعليقات صحفية تعودت أن تدس بأنفها فى كل شق!!

 وأسرع بتسجيل عاطفة الزهو والفرح التى أحسست بها حينما تلقيت دعوة الحكومة لحضور هذه المحاكمة باسم «روزاليوسف السياسية» كانت هذه العاطفة أول مكسب والصلاة على النبى  خرجت به من اشتغالى بالسياسة».

 ولم تأخذ «روزاليوسف» من السياسة جانبها الهادئ أو تقف على الحياد بل اقتحمت أخطر مناطق السياسة وذهبت فى الهجوم والتأييد إلى أبعد الحدود».

وللحكاية بقية

فى الإحساس بقدره، وبخاصة فى وجود امرأة تجمع حصافة الفكر إلى جمال الجسد، وقد رمت بى  طبيعتى الخجولة بين الاضطراب والحيرة أكثر من مرة، وهذا يعنى أننى لم أحقق نجاحا فى هذه المجتمعات، غير أن هذا لم يقلل من حبى لهذه اللقاءات الشيقة التى يهتم فيها الجميع بخلق جو البهجة والاستمتاع به».

 انتهى ما كتبه د.محمد عمارة عن حكاية «قاسم أمين وسلافا» وبقى أن نعرف ما كتبه الأستاذ «أحمد بهاء الدين» الذى يقول :  وإذا كان لكل نفس طبيعتها وميولها، فلاشك أن قاسم أمين لم يكن صاحب تلك الصفة التى تجعله محاربا كسعد زغلول  أعز أصدقائه مثلا، ولكنه كان مرهف الحس للفنون والجماليات والقضايا الاجتماعية فيعلن أنه  من أكثر أسباب انحطاط الأمة المصرية تأخرها فى الفنون الجميلة : التمثيل والتصوير والموسيقى، هذه الفنون ترمى جميعها إلى غاية واحدة هى تربية النفس على حب الجمال والكمال، وإهمالها هو نقص فى تهذيب الحواس والشعور».

 وبهذا التكوين وهذه الميول يتعرض لتجربة يتعرض لها كثيرون من الشباب الشرقيين الذى يسافرون إلى أوروبا، تجربة التعرف إلى المرأة الأوروبية فبعض المراجع تحدثنا عن فتاة فرنسية اسمها «سلافا» أغلب الظن كانت بينه وبينها قصة هوى مشبوب!

على أنه فيما يبدو لم يعرف «سلافا» خلال علاقة لاهية كما يحدث لآخرين، إنما كانت بينهما علاقة ملكت عليه حواسه، تفهم هذا من سطور فى كتاباته عن الحب سطور فيها إحاطة بكل ما يعرض للمرء فى حالات الوجد العنيف، فالحب كما يصفه :

«مرض يقاسى منه العاشق عذابا يظهر باحتقان فى مخه وخفقات فى قلبه واضطراب فى أعصابه واختلال فى نظام حياته، ويظهر على الأخص فى الأكل والنوم والشغل يجعله غير صالح بشىء سوى أن يقضى أوقاته شاخصا إلى صورة محبوبته مستغرقا فى عبارتها «ذاكرا أوصافها وحركاتها وإشاراتها وكلماتها.. نظرة من عيون محبوبته تملأ قلبه حرجا وتجعله يتخيل أنه يمشى فى طريق مفروش بالورد  أو أنه راكب سحابة أو طائر فى المرتفعات العالية، فى هذه اللحظة يكون أسعد من أكبر ملوك الأرض، فإذا انقضت عاد إلى ما كان فيه من عذاب  وآلام»

 وأخيرا يقول الأستاذ «بهاء» : تدقيق لا يترك شكا فى سبق معاناة صاحبه وسواء أكانت هناك «سلافا» أم لم تكن، فلاشك أن «قاسم أمين» قد استوقف نظره بوجه خاص وضع المرأة فى المجتمع المتقدم وأكثر من ذلك  علاقة المرأة والرجل  أو المعانى العميقة للحب والزوجية».

انتهت سطور «بهاء» وأظنك لا تعرف أن قاسم أمين رحل عن دنيانا فى 23 أبريل سنة 1908، أى منذ مائة وعشر سنوات. ولعلك سمعت عن كازينو الأريزونا فهو الأصل كان بيت «قاسم أمين».

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز