عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
أعمدة الحُكم السبعة!

أعمدة الحُكم السبعة!

بقلم : هاني عبدالله

فى عالم تتنازعه «الأجندات السياسية» والأطماع الدولية؛ فإنَّ الدولة (أى دولة) عندما تنجح فى تأمين نفسها من عناصر الاختراق؛ فإنها تُصبح- فى تلك الحالة- أكثر تماسكًا (من الناحية الداخلية)، وأكثر استقلالية (من الناحية الخارجية).. إذ تُصبح عصيّة على الضغط، وقوية أمام أى محاولات (غير وطنية) للتوظيف السياسى.



وعلى مدار سنوات عديدة (فى ظل أجندات دولية متنوعة) كان أن تم استهداف «الدولة المصرية» عبر عديد من الملفات (ربما تبدأ بملف الحريات الدينية، ولا تتوقف عند ملف الحريات السياسية!).. إلا أنَّ الصورة، لم تعد- يقينًا- كما كانت.

.. إذ نجحت الدولة المصرية (عبر السنوات الخمس الماضية)، فى أن تُعيد اكتشاف عديد من مناطق قوتها الذاتية، وتُعيد تشكيل كثير من [أعمدة بنائها] فى اتجاه تأسيس «دولة مدنية» حديثة.. إذ يُمكننا، هنا (استخلاصًا) أن نبين مكونات (تلك الأعمدة) وفقًا للآتى:

 

العمود الأول: الاستقرار السياسى

يرتكز «عمود الاستقرار السياسى» بحكم طبيعة تكوينه على ثلاثة محاور أساسية، تمثل- فى مجملها- مكونات «منظومة الأمان» داخل الدولة.. إذ يُمكننا، هنا، تفنيد عناصر تلك المنظومة إلى الآتى:

 

(أ)- ترسيخ دولة القانون:

فعندما يطمئن الجميع إلى أنَّ المجتمع تحكمه «قواعد عامة» لا تُفرِّق بين أبناء الدولة، أو تُترك نهبًا [لذوى النفوذ والسلطة] من دون غيرهم، فإنَّ «مُعامل الاطمئنان» هنا، يصل إلى أعلى مُعدلاته.. إذ تُصبح البيئة [التشريعية والقضائية] هى الملاذ الطبيعى لفض الخصومات والمنازعات.. وهو ما يستتبعه- يقينًا- زيادة معدلات الثقة بين الحكومة والشعب.

لفترات طويلة.. كانت «عناصر النفوذ» داخل الدولة المصرية هى صاحبة «الامتياز» فى كثير من الأمور (حتى ما يتعلق منها بموارد الدولة ذاتها).. لكن.. لم يعد الأمر كذلك.. إذ خلال الأسبوعين الماضيين (فقط)، كان أن طالت «يد الدولة» بالاسترداد، عديدًا من ممتلكاتها التى كانت تحت سيطرة أصحاب النفوذ فى حقبٍ سابقة (مثل: كبائن المنتزه، ولسان أبو سلطان).. وعلى مدار الأعوام الخمسة الماضية، كان أن طالت «أيادى المحاسبة» عديدًا من أصحاب السلطة، وعلى رأسهم عناصر المنظومة السيادية ذاتها (ضباط، وقضاة، ووزراء، ومحافظين).. وهى حالة ترسخ- على وجه القطع- أنه لم يعد هناك من هو فوق المحاسبة.

 

(ب)- السلام الاجتماعى:

تعتمد منظومة السلام الاجتماعى (أو العدالة الاجتماعية)، فى المقام الأول، على: «تخفيض معدلات الفقر»، و«زيادة مظلة التأمينات الاجتماعية».. وواقعيًا.. كانت «الدولة» على مدار السنوات الماضية، هى صاحبة المبادرة فى عديدٍ من الخطوات، التى ترسخ وتدشن للسلام الاجتماعى.. والنماذج- هنا- مُتعددة وكثيرة (مصر بلا عشوائيات/ حياة كريمة/ مصر بلا غارمات/ الحملة القومية للقضاء على فيروس سى/ التأمين الصحى الشامل... إلخ).. كما أتبعت هذا الأمر بعديدٍ من المعاشات الاستثنائية، أو الدورية للأسر الأكثر احتياجًا (تكافل وكرامة نموذجًا).

 

(ج)- امتلاك عناصر الردع العسكرى، والشرطى:

استطاعت الدولة المصرية، فيما بعد أحداث العام 2011م، التى أنهكت الدولة داخليًا، أن تتجاوز [بشكل واثق] حالة السيولة الأمنية، التى أفرزتها تلك السنوات، وأدت إلى عودة الإرهاب.. إذ بدأت تلك الأحداث باستهدافٍ [مُباشر] للجهاز الشرطى للدولة؛ لضرب منظومة الأمن الداخلى.. كما كان «الأمن القومى المصرى» ذاته عُرضة لخُروقات عديدة خلال العام الذى وصل خلاله تنظيم الإخوان الإرهابى إلى سُدة الحكم (أى العام 2012م).. وبالتوازى مع تعافى «المنظومة الشرطية»؛ كانت الدولة المصرية تتعامل- أيضًا- بمنهج تسليحى يُحافظ على القدرات العسكرية المصرية، وتنوعها، وجاهزيتها للتعامل مع المستجدات الإقليمية الطارئة.

 

العمود الثانى: التنمية الاقتصادية

فيما يُمثل الاندماج مع الاقتصاد العالمى (على أسس متكافئة) قمة السياسات الاقتصادية لأى دولة.. كان أن سعت الدولة المصرية خلال الأعوام الماضية لجذب العديد من رءوس الأموال الأجنبية للاستثمار فى مصر (المناطق الاقتصادية بمحور قناة السويس نموذجًا).. وهو وضع قرين لتوفر مكونات «منظومة الأمان» بالقطع.. فضلًا عن توفير «البنية الأساسية» لعمل تلك الاستثمارات، من حيث الأصل (الخدمات اللوجستية وشبكات الطرق نموذجًا)، وتوفير «البيئة التشريعية» الجاذبة لتلك الاستثمارات.

وإلى جانب هذا الأمر.. كان لا بد- كذلك- من تقوية أجهزة الدولة المشرفة على برامج الإصلاح الاقتصادى (خصوصًا القطاع المالى).. وفى الواقع، كان التردد لفترات طويلة فى تطبيق عمليات [الإصلاح الجذرى] للمنظومة الاقتصادية، والتخوف من تبعاتها (سياسيًا) أحد المعوقات التى تجاوزتها «الدولة المصرية» فى الوقت الراهن.. إذ نجحت الدولة فى أن تفتح صفحة جديدة للسياسات الاقتصادية (وتسدل الستار على السياسات القديمة) التى طالما أرهقت موازنة الدولة.

 

العمود الثالث: طبيعة الجهاز الحكومى

كلما كان الجهاز الحكومى قادرًا على وضع السياسات المتماشية و«الأولويات الاستراتيجية» للدولة؛ كلما تقلصت «مساحات الفساد»، وأصبح الجهاز الحكومى قادرًا على تنفيذ المشاريع والبرامج الحكومية بكفاءة.

وعلى مدار سنوات خلت، كان الجهاز الحكومى غارقًا فى مساحات «غائرة» من الفساد.. ولا شك أن هذا الفساد كان له وجهان: وجه اجتماعى (يغلفه شيوع حالة من الإحباط العام نظرًا لاحتكارية الطبقات الأكثر نفوذًا لعناصر السلطة).. ووجه «بيروقراطى» يتغلغل بين طيات الجهاز الإدارى ذاته.

وفى ظل سياسات راهنة للحوكمة، وعمليات [رقابية] شديدة المتابعة من قبل أجهزة الدولة (جهاز الرقابة الإدارية، نموذجًا مُشرقًا)؛ كان أن تقلص الوجهان إلى حدٍّ بعيد.. وباتت الصورة أكثر مُلاءمة لغرس الأمل أمام طبقات عانت لسنوات، جراء عمليات الفساد المتجذرة داخل الجهاز الحكومى نفسه.

 

العمود الرابع: الريادة الثقافية

تمتلك مصر من الناحية التاريخية مقومات «الريادة الثقافية» داخل المنطقة العربية (أدبيًا/ وفنيًا/ وعلميًا).. ورغم عديد من المتغيرات التى شهدتها المنطقة بفعل كثير من التدخلات الخارجية والأزمات الإقليمية، لا تزال «الدولة المصرية» قادرة على استعادة بريق قوتها الناعمة (إذ لم ينطفئ هذا البريق بعد، رُغم ما شهدته المنطقة).. وهو ما يتطلب بالضرورة اتخاذ عددٍ من الخطوات المؤثرة للانفتاح «مُجددًا» فى حركة الترجمة، وإصلاح صناعة النشر (التى تُعانى التدهور – حاليًا – لأسباب اقتصادية تتعلق فى المقام الأول بتكاليف الصناعة ذاتها).

وفى تقديرنا الخاص.. فإنَّ هذا الأمر يجب أن يتوازى مع تعميق الشعور بـ«الهوية الوطنية المصرية»، والاعتزاز بما ترتكن إليه تلك الهوية من ميراث حضارى يضرب بجذوره فى عمق التاريخ نفسه (إن لم يكن هو بداية التاريخ ذاته).. فكلما تعمق الإحساس بالهوية الوطنية كان استعادة زمام القوى الناعمة أسهل وأيسر.. وهى حالة نعتقد أن ثمة مؤشرات متنوعة على أن «الدولة المصرية» تسعى لترسيخها بكل قوة فى الوقت الحالى، وعلى أكثر من مستوى.

 

العمود الخامس: الريادة الدينية

تمتلك مصر (من الناحية الفعلية) أكبر مؤسستين دينيتين فى الشرق الأوسط.. الأولى: مؤسسة الأزهر (قبلة العالم السنى)، والثانية: الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.. ومن ثمَّ فإنَّ الحفاظ على الخطاب الدينى المُعتدل داخل المؤسستين (مع تعميق اللُحمة الوطنية) من شأنه أن يقطع دابر أى محاولات للتربص الخارجى.. فكثيرًا ما سعت أطراف خارجية متنوعة لتعكير صفو تلك اللُّحمة.

كما لا يتوقف الأمر- هنا- عند المستوى الداخلى (أو إجهاض محاولات التأليب الخارجية).. إذ إنَّ ريادة المؤسستين وما ينتجانه من خطاب دينى من شأنه إعادة ضبط إيقاع الخطاب الدينى فى الإقليم (بشكل عام).

ومن هنا.. يُمكننا أن نتفهم التحركات (شديدة التماسك) التى تقوم بها الدولة المصرية حاليًا فى دعم التفاف جميع أبناء الشعب المصرى حول «هويتهم الوطنية» فى المقام الأول.. إذ كلما ارتفع معدل التمسك بـ«فقه المواطنة» أصبح اللعب على «الهوية الدينية» غير ذى جدوى.

 

العمود السادس: الجهاز الإعلامى

رُغم ما يعترى المنظومة الإعلامية (المقروءة/ المرئية/ المسموعة) من انتقادات بين الحين والآخر، إلا أن تلك المنظومة تُمثل فى جوهرها أحد الأعمدة الرئيسية فى بناء الدولة.. إذ تمتلك رصيدًا تاريخيًا ضخمًا داخل الوطن العربى (بأرجائه كافة).

ولا شك أنَّ أولى خطوات إصلاح تلك المنظومة يتطلب فى الواقع التحرك عبر مسارات عدة، ربما يأتى على رأسها التخلص من [بيروقراطية الإدارة] وضخ دماء قادرة على تفهم ومواكبة متغيرات العصر الإعلامية.. كما يجب أن تُدعم محاولات استعادة الرصيد التاريخى لتلك الوسائل بأنواعها المختلفة (المقروءة/ والمرئية/ والمسموعة) والحفاظ على هوية كل وسيلة من تلك الوسائل (لا تغييرها).. إذ إن «الاستثمار التاريخى» لميراث تلك الوسائل (بهوياتها المعروفة) من شأنه استثارة نوستالجيا المتلقى، والتمكن من توجيه الرسائل الإعلامية الجديدة، بشكل أكثر تأثيرًا من تكرار المضمون.

فعلى سبيل المثال.. عندما أعادت «الدولة» أخيرًا بث تراث ماسبيرو الضخم عبر قناة [ماسبيرو زمان]، والتذكير برسائله وبرامجه الثقافية المتنوعة؛ كان أن لاقى هذا الأمر أصداءً واسعة من ردود الأفعال.. بل إن التجربة ذاتها تم استنساخها عربيًا.. فالإعلام- يقينًا- أحد عناصر القوة.

 

العمود السابع: النظام التعليمى

ربما يُعد القطع بأنَّ أيًّا من الأعمدة السابقة لا يُمكن أن يعمل بـ[كفاءة مطلقة] من دون إصلاح حقيقى للمنظومة التعليمية، وسد ثغرات بنائها المعرفى.. فالتعليم هو أساس كل شىء.. كما أنه عملية تراكمية، تقتضى- فى المقابل- متابعة سلبيات وإيجابيات أى نظام يتم تطبيقه، ومدى توافقه والبيئة الاجتماعية.. وهو ما تفعله «الدولة المصرية» فى الوقت الحالى.. إذ تولى أهمية قصوى لإصلاح «منظومة التعليم».

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز