عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
كلبشات العقل

كلبشات العقل

بقلم : ياسر خليل

تؤكد دراسات في علم النفس أن الاعتقاد مهم للغاية بالنسبة للإنسان. وقد يكون جزءا من تكوينه النفسي. والاعتقاد في اللغة هو حكم لا يقبل الشك. ويأتي في مقدمة أنواعه الاعتقاد الديني، فهذا النوع من الاعتقاد، يقلل من مشاعر القلق التي تسيطر علينا نحن البشر، في بيئات وظروف حياتية متقلبة، كما أنه يلبي حاجة الإنسان إلى الشعور بمعنى وجوده في هذا العالم، ويقدم إجابات "قاطعة" على الكثير من الأسئلة الحائرة في عقله.



وإلى جانب احتياج الإنسان إلى تفسير بعض الظواهر الغامضة، والإجابات على الأسئلة المحيرة، فهو أيضا يحتاج إلى الشعور بالطمأنينة، وبوجود قوة أكبر منه، تساعده على مواجهة هذه الطبيعة الجبارة، وهذه الحياة المليئة بالمفاجآت.

وتقريبا في معظم الآثار القديمة التي اكتشفت، كان الاعتقاد الديني حاضرا بصورة أو بأخرى في حياة الإنسان، ورغم تنوع هذه المعتقدات، سواء كانت وضعية (من صنع البشر)، أو ديانات سماوية (نزلت بوحي من الله)، كان هناك قاسم مشترك فيها جميعا، وهو القداسة. يجب أن تحاط بعض الأفكار والطقوس والشخصيات بهالة من القدسية حتى يستقيم الإيمان. هذه القداسة تجعلها منزهة، وطاهرة، وخالية من الأخطاء، ولا يرتقي إليها الشك.

وهذه القداسة كانت في بعض الأحيان عاملا إيجابيا، يصب في مصلحة الإنسانية، والمجتمع، ويدعم الأخلاق، ويدفع الإنسان إلى تحمل بعض الجهد الذي ما كان له أن يقبل تحمله، لولا قناعته الدامغة بصحة وقداسة ما يعتقده. وبهذا الجهد قد تحقق منفعة عامة أو منفعة خاصة، مثلا: أن تطعم الفقراء من مالك، وتعطيهم مما تحب، أو أن تمنع نفسك من الاستحواذ على مال غيرك حين يكون بمقدورك التحايل على القانون والإفلات من العقاب، أو تقيم طقوسا دينية تشعرك بالطمأنينة والسلام والراحة النفسية.

وفي أحيان أخرى كانت القداسة عاملا سلبيا، كان تقتل الناس وتسلبهم أموالهم وتعتقد أن هذه الجرائم جهاد في سبيل الله، أو تقدم أموالا لتحصل بها على صكوك للغفران وتعتقد في أن الله يقبل الرشوة ويسمح للأغنياء بدخول الجنة فيما يعذب الفقراء، أو أن تقتنع النساء بأن كشف أعضائهن الجنسية أمام العجل أبيس لإثارته طقس ديني مقدس، وليس حيلة خبيثة من الكهنة للحصول على متعة مشاهدة مفاتنهن بمحض إرادتهن.

حين ترفع القداسة عن الأشياء تستطيع أن ترى حقيقتها، تستطيع أن ترى المقدس مقدسا، وترى قبح الأعمال الإجرامية، وتميز بين النصاب ورجل الدين الحقيقي، وتفرق بين الطقس الديني وعروض الجنس الجماعية.

القداسة قد تكون مهمة للغاية حين تعمل مثل فرامل السيارة، استخدامها لا يتناقض أبدا مع العقل، ولا الأخلاق، تحمي العام والخاص من الدمار، تجعل الحياة أكثر أمنا للجميع وهم يتحركون في مساراتهم المختارة. لكن حين تتحول القداسة إلى كلبشات للعقل، توقفه وتمنعه من التفكير، فإنها تجعلنا آلات دمار تتخبط، وتصطدم بالآخر طالما كان خارج سيارتنا، حتى وإن كان يسير معنا على نفس الطريق.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز