عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
كيف تصنع إرهابيًّا؟!

كيف تصنع إرهابيًّا؟!

بقلم : هاني عبدالله

عندما ظهرت «جماعة الإخوان» فى عشرينيات القرن الماضى، كان أن أسست الجماعة [بامتياز]، أول مشاريع «صناعة الإرهاب».. وعبر أفكار المرشد المؤسس للتنظيم (حسن البنَّا)، ومن تبعه من قيادات التنظيم (فى وقت تالٍ)؛ كان أن وضعت الجماعة أمامنا (بامتداد 90 عامًا خلت) أكثر الأساليب منهجية، حول: [كيف تصنع إرهابيًّا؟!].




انتقل الأسلوب الذى أسسه الإخوان (منذ نشأة التنظيم، وتأسيس الجهاز السري) إلى عديد من «التنظيمات المسلحة» التى ولدت من رحم التنظيم فى السبعينيات.. وتدريجيًّا.. انتقل الأسلوب ذاته (عبر الدور المُلقى على عاتق تنظيم الإخوان الدولى، فيما عُرف بفترة الجهاد الأفغاني) إلى عديد من التشكيلات المسلحة، التى أفرزت – فيما بعد - تنظيم القاعدة.. إذ كانت قيادة تنظيم القاعدة [الحركية]، فى حد ذاتها - قيادة «إخوانية» واضحة (عبدالله عزام، والظواهري).


وبات دستور العنف (الذى دشّنه الإخوان)، بمثابة خارطة طريق للإرهاب أمام عديدٍ من أجيال التطرف التالية.. إذ يبدأ ذلك الدستور بعدد من الخطوات المحددة، التى يُمكننا أن نجملها فى الآتي:
أولاً: غرس «القناعة» لدى الأفراد «المُستهدفين»، بأن دعوة الإسلام الأولى لم تعد موجودة.. وأنَّ دعوة الجماعة (أى جماعة) هى دعوة الحق.


ثانيًا: ترسيخ «وجوب العمل الجهادى [داخل إطار الجماعة].. وهنا يُمكننا أن نقطع بأنَّ هذا الأمر يُمثل «الثابت الثانى» من ثوابت دعوة الإخوان [العشر].. إذ تُبرر «مناهج الإخوان التربوية» تلك النقطة بأن الدين [نفسه] يدعو للجماعة: «يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ فى النار»، «إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية».. و«المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، ضعيف بمفرده، قوى بجماعته».. كما يجب أن يكون العمل الجماعى منظمًا [قائمًا على قيادة مسئولة، وقاعدة مترابطة]، ومفاهيم واضحة، تحدد العلاقة بين القيادة والقاعدة على أساس [السمع والطاعة].


ثالثًا: تأميم الدين لحساب التنظيم.. إذ يُعاد ضبط مؤشر «النصوص الدينية» لترسيخ هذا الفهم.. مثل كلمة «الجماعة» فى [يد الله مع الجماعة]؛ إذ يتم سحبها - ضمنيًّا - على التنظيم الذى ينتمى إليه العنصر المتطرف (لا الأمة الإسلامية كلها!)، وكلمة «الصف» [فى قوله تعالى: إن الله يحب الذين يقاتلون فى سبيله صفًا] تتعلق بأفراد صف التنظيم (لا عموم المسلمين!).. وذلك؛ لكى تقول -فى النهاية - إنّ الانضمام للجماعة واجب دينى.. وإنّ من ينتمى إليها [سيكون بها وليس بغيرها]، وأنها (أي: الجماعة) إن لم تكن به؛ فستكون بغيره(!)


رابعًا: تدشين حالة «شعورية» لدى الفرد المستهدف؛ بأن «دعوة الجماعة»، هى دعوة الإسلام (الحق)، ومن هم بالخارج (أى باقى أفراد المجتمع)، هم – فى الواقع – خارجون عن حظيرة الإسلام(!).. وهو ما يترتب عليه عديد من التداعيات، مثل: «التخندق» داخل مجتمع الجماعة، بشكل أكبر؛ إذ تصبح الجماعة -فعليًّا- «وطنًا بديلاً».. ومن ثمَّ.. يتراجع شعور [الانتماء للوطن]، فى مقابل إعلاء قيمة «الأفكار الأممية»، التى لا تعترف بالعمق الحضارى، أو الحدود الجغرافية للأوطان.. ومن ثم، يُصبح استهداف كل من يدافع عن تلك المفاهيم [واجبًا] شرعيًّا، فى مواجهة الكفر والطاغوت(!)


عبر شواهد مُتعددة، كان أن تمسك «تنظيم القاعدة» بالآلية الإخوانية (المُؤَسِّسة للعنف والإرهاب)، بشكل وثيق (أي: التنظيم فى مقابل الانتماء الوطني).. وإن كان «القاعدة» أكثر وضوحًا فى إعلان ما أطلق عليه «الجهاد العالمى» ضد حكومات الغرب الكافر (العدو البعيد).. إذ لو سقطت تلك الحكومات (وفقًا لتصور القاعدة)؛ فإن النصر على «العدو القريب» (حكومات الدول العربية والإسلامية) سيكون أيسر وأسهل(!)


ورغم  حقيقة  التوظيف (الاستخبارى) من قٍبل «الدول الغربية» لعناصر القاعدة خلال سنوات ما عُرف بـ«الجهاد الأفغانى».. فإن ثمة عديدًا من الشواهد تؤشر إلى أن ظهور ما يُسمى بتنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام (داعش) كان مكونًا أصيلاً – هو الآخر - من عملية التوظيف الاستخبارى ذاتها (لعكس أيديولوجية تنظيم القاعدة) داخل منطقة الشرق الأوسط.


.. فإن كان القاعدة قد أعلن الحرب على «العدو البعيد»؛ فإنَّ «داعش» تبنَّى مفهوم إعلان الحرب على «العدو القريب» (الحكومات العربية)؛ لإعلان دولة الخلافة، على الفور، فوق ما يُسيطر عليه من أراضٍ بالمنطقة (الفكرة التى بُنى عليها تنظيم الإخوان، من حيث الأصل).


مع ظهور «داعش» داخل المنطقة العربية (تأسيسًا على قواعد «تنظيم القاعدة» فى بلاد الرافدين)، كان ثمة تطور نوعى فى سياقات نشر «فكر العنف» (بين العديد من الدول التى شهدت تواجدًا لتنظيم الإخوان).. إذ أصبحنا أمام ما بات يُعرف باسم أسلوب «الذئاب المنفردة».. إذ يستثمر هذا الأسلوب [الدوافع العقائدية]، و[الاجتماعية]، و[النفسية] للمتطرفين، التى غرستها – ابتداءً – تنظيمات الإسلام السياسي؛ لاستهداف بُنى «الدول الوطنية».


.. أى أنه يتم استثمار «الجوانب النفسية» للفرد المستهدف، بالقدر نفسه الذى يتم به استثمار معتقداته وأيديولوجياته، التى تلقاها عبر روافد تنظيمية أخرى؛ لكى يصبح أكثر تجاوبًا مع فعل العنف والإرهاب.


وربما يكون الشق الأخير (أى الاستثمار الاعتقادى والأيديولوجي)، هو الأقرب لتفسير الهجمات داخل البيئة الشرق أوسطية.. إذ – غالبًا – ما يكون شق «الاستثمار النفسى» هو المحرك [الرئيس] فيما تشهده البلدان الأوروبية، من هجمات شبيهة (عبر أشخاص يحملون جنسيات تلك الدول).


وهو ما يعنى.. أن مواجهة الإرهاب هنا [مُضاعفة]؛ إذ إنَّ المواجهة الأمنية يجب أن يقف معها «مواجهة فكرية» تفند آليات عمل تنظيمات «الإسلام السياسى»، ومناهجها الحركية داخل منطقة الشرق الأوسط؛ وطرح آليات متنوعة للمواجهة [الأيديولوجية].


.. ونعتقد جزمًا أنَّ المؤهلات التى تمتلكها «الدولة المصرية» (عسكريًا، وأمنيًا، وثقافيًا)، هى الأكثر قدرة داخل الإقليم على حسم معركة الإرهاب.. ومحاصرة فلوله.. وإنَّا لفاعلون. 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز