عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
حرب المضامين الثلاثة!

حرب المضامين الثلاثة!

بقلم : عصام شيحة

جهود التنمية أكثر ضراوة، وأشد شراسة، من المعارك العسكرية! بل إن الأخيرة ما هي إلا جزء من الأولى بشموليتها في بناء الوطن. ولا شك أن ما تحققه مصر من خطوات واسعة على طريق "التنمية الاقتصادية" يعبر عن طموح كبير تتميز به القيادة السياسية، إلى جانب ما يقدمه الشعب من صمود وتضحيات في سبيل إنجاح خطط الإصلاح الاقتصادي الصعبة؛ فيما يؤكد أن يقينًا حقيقيًا مشتركًا، يجمع الشعب وقيادته، بقدرة الدولة على بلوغ آفاق رحبة على طريق بناء دولة مدنية حديثة.



وصحيح أن البُعد الاقتصادي يُعد أساسًا لا يمكن تجاهل أهميته أو التقليل منه، في منظومة القوة الشاملة للدولة. إلا أن دروس التاريخ المقارن، تفيد على نحو مؤكد، أن اقتصادًا قويًا لا يمكن بناؤه بعيدًا عن مساندة ودعم من أسس تنموية أخرى. وهنا تأتي أهمية مفهوم "التنمية الشاملة"، ذلك المفهوم الثري بمضامينه الثلاثة: السياسي والاقتصادي والاجتماعي، تسير جنبًا إلى جنب، متوازية متلازمة، ومتلاحمة لا يمكن تجزئتها، أو الفصل بينها، أو الميل نحو أحدها دون غيره.

وعلى الجانب الاجتماعي، ورغم تطبيق مبادرات محمودة لزيادة كفاءة شبكة الحماية الاجتماعية؛ فإن الأمر يتسع لما هو أكبر من ذلك، وصولًا إلى ضرورة النظر باحترام إلى أوضاع منظمات المجتمع المدني كافة، وتقنين أوضاعها بحيث تؤدي أدوارها التنموية كمثيلتها في العالم المتقدم. وبمبادرة رئاسية محمودة يخضع القانون الخاص بالجمعيات الأهلية لتعديلات، أرجوها شجاعة، مخلصة في التخلص بصدق من كثير من السلبيات التي أثارت جملة من الاعتراضات في الداخل والخارج على السواء. إذ لا بد من توفر قناعة حقيقية بأن منظمات المجتمع المدني تمثل مشاركة المجتمع في إدارة شؤون الدولة، إلى جانب السلطات التنفيذية، وهي مشاركة لا تغيب أبدًا في أي دولة مدنية حديثة. ولا أبالغ إن قلت إن أوضاع منظمات المجتمع المدني، في أي مجتمع، تُعد من أهم المشروطيات السياسية التي تنتهجها منظومة العلاقات الدولية المعاصرة.

نأتي إلى المضمون السياسي، داخل مفهوم التنمية الشاملة، فنجد حياتنا السياسية، تكاد تكون متوقفة لا تغادر المؤسسات الرسمية للدولة، ولا وجود لها في الأحزاب السياسية؛ ومن ثم تغيب "التعددية السياسية" بمعناها الحقيقي، الوارد في دستور 2014، والذي حظي بموافقة كبيرة من الشعب المصري. وكون أنه في طريقه إلى التعديل، فليس في ذلك مناسبة للطعن في محتواه الديمقراطي الذي يستوجب التقدير بجدارة؛ إذ أشار بقوة إلى التعددية السياسية والحزبية.

وواقع الأمر أن "التعددية السياسية" منوطة بالأساس بالأحزاب السياسية، وقدرتها أولًا على صنع "تعددية حزبية" خلاقة، تُفسح المجال السياسي ثانيًا أمام كافة كفاءات المجتمع، حتى تتشكل "تعددية سياسية" واسعة تضم الكل، أحزابًا بكوادرها الواعية القادرة ومعها كفاءات سياسية غير حزبية مُبدعة. إلا أن فكرة "التعددية"، بشكل عام، لا تجد لها نصيرًا داخل الأحزاب ذاتها! ذلك أن مفهوم "التعددية السياسية" يعبر بالضرورة عن قيم حرية الرأي والتعبير، وقبول الآخر، والشفافية.. إلخ، وغيرها من قيم الحكم الرشيد. وأحزاب تفتقد هذه القيم في إدارتها وممارساتها طبيعي جدًا أن تفشل في تقديم نموذج ديمقراطي، رغم أن نشأة مفهوم "الأحزاب السياسية" ارتبطت بالأساس بالتعددية السياسية، ثم كان انتشارها، باعتبارها الصيغة الأفضل للديمقراطية، بالتوازي مع المد الديمقراطي الذي أعقب انتهاء الحرب الباردة، حين تأكد تفوق المعسكر الغربي الديمقراطي على المعسكر الشرقي الشمولي. إلا أن الأمل مشروع في نضوج أحزابنا على نحو يؤكد التزامها بمسؤوليتها الوطنية في بناء الدولة المدنية الحديثة.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز