عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
القمة "العربية - الأوروبية" نقطة انطلاق

القمة "العربية - الأوروبية" نقطة انطلاق

بقلم : عصام شيحة

 لا شك أن القمة العربية- الأوروبية التي استضافتها مصر بمدينة شرم الشيخ، 24/25 فبراير 2019، تمثل تحولًا كبيرًا في حركة السياسة الخارجية المصرية على المستويين، الإقليمي والدولي. ذلك أن القمة، وهي الأولى من نوعها، تؤكد أن المصالح المشتركة، عربيًا وأوروبيًا، باتت في حاجة إلى جهود غير اعتيادية لإنقاذها من الذوبان في جملة من الملفات الشائكة والمتشابكة التي تغطي المنطقة.



ولا جديد إن قلت إن انعقاد القمة في مصر شهادة أوروبية بدور مصر الرائد في المنطقة، وتعزيز حقيقي لطموحاتها في حماية أمنها القومي ومصالحها العليا. فمصر تخطت حدود هذه الفكرة البسيطة؛ إذ بلغت حدودًا تجعل منها بالفعل شريكًا فاعلًا في كافة الملفات الساخنة في المنطقة. وهي شراكة تلقي بمزيد من الأعباء على الدولة المصرية، مثلما تلقي في رصيدها بنصيب كبير من المصداقية على المستوى الدولي.

غير أن نظرة موضوعية تفيد في تحليل القمة ونتائجها بما يوفر مبادئ لا ينبغي تجاهلها عند تناول العلاقات العربية- الأوروبية، بل وما هو أبعد من ذلك، وصولًا إلى العلاقات الدولية المعاصرة كافة. وفي ذلك أود الإشارة إلى ملاحظات سريعة، على النحو التالي:

فيما يتعلق بالأهداف المشتركة بين الجانبين، العربي والأوروبي، فإن مجابهة الإرهاب تأتي في الصدارة لدى معظم الحضور. وهو ملف فشلت العلاقات الدولية في بلورة استراتيجية عالمية لمواجهته، رغم أن معاناة العالم من الإرهاب تمتد في عمق التاريخ، وزادت واتخذت موقعها في صدارة الأجندة الأممية منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وتزعم الولايات المتحدة للنظام العالمي، حيث تم استحداث ملفات على أجندة الأمم المتحدة، من بينها الإرهاب والبيئة والتغيرات المناخية.. إلخ. وهذه الملفات وثيقة الصلة بالجانب الاجتماعي للأمم المتحدة، وهو توجه يشير إلى انفراد الولايات المتحدة بالملفات السياسية الشائكة، كقضية الصراع العربي/ الإسرائيلي.

أما عن الأهداف التي تمثل أولوية كبري للجانب الأوروبي، فكانت الهجرة غير الشرعية، الزاحفة نحو أوروبا من جنوب المتوسط. وفي ذلك قُل ما تشاء عن:

مسؤولية أوروبا عن تردي مستوى المعيشة الطارد لأبناء إفريقيا تحديدًا إلى أوروبا حيث الأحلام بالرفاهية، وهي أحلام صعدت بها تكنولوجيا الاتصال إلى آفاق باتت غير محتملة، حتى من جانب الدول التي صنعتها، وتربحت كثيرًا جراء بيعها ونشرها في العالم كله!

فشلت أوروبا في وضع شراكة حقيقية مع دول جنوب المتوسط ترفع بها من مستويات المعيشة وتفرض إطارًا مقبولًا من الحياة العصرية يمثل البديل المشروع للهجرة غير المشروعة إلى الدول الأوروبية. وهنا نتذكر عملية الشراكة الأورومتوسطية التي فشلت في محورها الاجتماعي والثقافي بسبب تركيز الجانب الأوروبي على المحور الأمني والسياسي، بينما ركزت دول جنوب المتوسط على المحور الاقتصادي وجذب استثمارات ومساعدات ومعونات أوروبية!

لم تستطع أوروبا تشكيل استراتيجية موحدة للتعامل مع ملف الهجرة غير الشرعية، فبينما تعاطفت ألمانيا، تعنتت بريطانيا وغيرها من الدول، ما فرض حالة من عدم اليقين في نجاح القارة العجوز على صد هجمات المهاجرين.

على الجانب الآخر، تركزت الأهداف العربية، ذات الأولوية، في القمة العربية- الأوروبية، على حتمية مشاركة أوروبا بإيجابية وفعالية في الملفات المسلحة في المنطقة، وعلي رأسها الحق الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وكذلك مجابهة النمو المتزايد للتدخل الإيراني السلبي في المنطقة، إلى جانب ملفات اليمن وسوريا وليبيا. وهنا أشك كثيرًا في أن أوروبا تملك ما نطالبها به؛ ذلك أن الولايات المتحدة كانت هي الغائب الحاضر في هذه الملفات؛ إذ لا تملك أوروبا حرية كبيرة للحركة في هذه الملفات الشائكة بعيدًا عن النفوذ الأمريكي.

عدم صدور قرارات عن القمة العربية- الأوروبية يشير إلى أن الملفات ما زالت مفتوحة وتحتاج إلى جهود أكبر متواصلة بين الجانبين، وهي إشارة كذلك على الرغبة في مزيد من البحث والتفكير المشترك بين الجانبين، فيما يشكل مكسبًا حقيقيًا ينبغي البناء عليه عاليًا عن قناعة جادة في حتمية بلوغ نقطة اتفاق في كثير من ملفات المنطقة. كما أن الاتفاق على انعقاد دوري للقمة، كل 3 سنوات، والقادمة في بروكسل 2022، يؤكد جدية الجانبين في تقريب وجهات النظر بينهما.

وأخيرًا، فإن الدبلوماسية المصرية تؤكد كل يوم أنها على الطريق الصحيح لاستعادة دور مصر الإقليمي، الأمر الذي يلقي بأعباء لا أشك في قدرة وزارة الخارجية على النهوض بها، بتوجيهات رئاسية تعدنا أنها لا تحيد عن أمنننا القومي ومصالحنا العليا. فلتكن القمة العربية- الأوروبية نقطة انطلاق صوب مصر كقوة إقليمية لا يمكن تجاوزها.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز