عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
في فهم الإسلاموفوبيا والإسلام السياسي (1)

في فهم الإسلاموفوبيا والإسلام السياسي (1)

بقلم : د. شريف درويش اللبان

يثير الحادث الإرهابي الذي استهدف مسجدين في مدينة "كرايست تشيرش" بنيوزيلندا، أثناء أداء صلاة الجمعة الماضية، ما أسفر عن استشهاد 50 شخصًا وإصابة العشرات بأعيرة نارية بينهم أطفال يخضعون للعلاج في مستشفى "كرايست تشيرش" الجدل حول مفهوم الإسلاموفوبيا والعلاقة الجدلية بين هذا المفهوم ومفهوم الإسلام السياسي، والذي يغذي كلٌ منهما الآخر، ليصبح الأبرياء هم الضحايا الحقيقيون في نهاية المطاف.



ويمكن القول إنه منذ فترة طويلة احتلت الظاهرة الإسلامية اهتمامًا كبيرًا، وأخذت زخمًا واسعًا على مستوى المجتمعات المحلية؛ كونها بدأت بالتفكير في العمل السياسي، ومن ثم صياغة برامج من شأنها التعامل مع واقع المجتمعات وتغييره، الذي تنظر إليه نظرة سلبية في مجملها، وعلى هذا الأساس تبلور عديدٌ من التيارات الإسلامية، واختلف منهج تفاعلها مع أوضاع مجتمعاتها، كما تنوعت ظروف نشأتها؛ ومن ثم لم تواجه نفس المصير السياسي؛ فالبعض منها ازدهر بقدرته على التفاعل مع الواقع السياسي، بينما تعثر أكثرها لغياب الفكر عن الممارسة السياسية، واندثر كثيرٌ منها، وتقوقع البعض منها حول أفكاره وذاته؛ ومن ثم اتخذ نهجًا انعزاليًا عن قضايا المجتمع وعن الحضارة بأكملها، لأنها رافضة لكل تفاصيل هذا الواقع السياسي والاجتماعي الذي فسرته الحركات على أنه فسادٌ فكري وتراجعٌ وتدهورٌ لمُجمل أوضاع المجتمع.

ولم تكن مصر بثقلها الحضاري والتاريخي بمنأى عن اهتمام وظهور عديدٍ من الحركات والتيارات السياسية الإسلامية التي عُرفت في أدبيات علم السياسة بالإسلام السياسي، فقد تحولت الظاهرة الدينية إلى ظاهرة سياسية، حيث اندمجت الحركات الدينية ذات الطابع الدعوى وغير الدعوي في النشاط السياسي، بل سعت للوصول إلى رأس السلطة السياسية لتغيير المجتمع، والتحول به وفق البرامج التي اخطتها لنفسها، وزعمت بل وأكدت أنها تستمد مرجعيتها من الشريعة الإسلامية.

تُعد الولايات المتحدة الأمريكية مجتمعًا من المهاجرين مُتعددي الأعراق والثقافات، وكان الأمريكيون الذين أعلنوا استقلال الولايات المتحدة عن الاستعمار البريطاني في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي مجموعة متجانسة من المستوطنين البروتستانت الذين توافدوا على العالم الجديد من أوروبا وبريطانيا. وتقوم الهوية الأمريكية على الدين المسيحي واللون الأبيض والثقافة الإنجليزية البروتستانتية. واستفادت الهوية الأمريكية تاريخيًا من حروبها ضد الهنود الحمر والمستعمرين الفرنسيين ثم البريطانيين مرورًا بالحرب الباردة وصراع الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفيتي في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث لعب هذا العداء دورًا في وحدة الأمريكيين وصحوتهم دينيًا، وهو ما نبه الأمريكيين لأهمية الدين في مواجهة دولة لا دينية (الاتحاد السوفيتي)، كما نبههم إلى ما يمكن أن يلعبه الدين على الساحة الدولية كعدوٍ قادم في إطار الصراع المرتقب بين الديانات والحضارات الذي أسس له صمويل هنتيجتون، وهو ما جعل جورج بوش الابن يصف الحملة الغربية على العراق بأنها حملة صليبية، وهو ما يعيدنا إلى الحروب الصليبية في العصور الوسطى بين الإسلام والمسيحية من وجهة النظر الغربية.

وبعد طرد اليهود من إسبانيا بدأت مخططاتهم الشيطانية في العالم من خلال صراع المتناقضات الدينية، وكان الهدف الرئيس الكامن وراء ذلك تدمير الإسلام من الداخل عبر أبنائه، وذلك طبقًا لما أشارت إليه مؤسسة "راند" الصهيونية العالمية في الولايات المتحدة الأمريكية.

من هنا ركزت المدارس الغربية في تحليلها للظاهرة الإسلامية على المواجهة المسلحة، أو الصراع السياسي تجاه الإسلام الأصولي الذي يستند إلى دين هو من أوسع الديانات انتشارًا، وهو المنافس التقليدي والتاريخي للديانة المسيحية التي يعتنقها الغرب بشكل إيماني وثقافي، وبالتالي فالقضية تأخذ بعدًا تاريخيًا، ولا تتوقف عناصرها على مجريات القرون المتأخرة التي كان فيها الغرب مُسْتَعْمِرًا والعالم الإسلامي مُسْتَعْمَرَا.

إن مفاهيم الهيمنة اختلطت بتحولات النظام الدولي لخدمة صانع القرار الغربي، خصوصًا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، فالتأثير الديني في العملية السياسية أسهم في تشويه الممارسة السياسية الغربية تجاه الدولة المصرية؛ فالمُركب الثقافي والتاريخي والسياسي الذي يجمع بين الدين والسياسة عمل على تفسير سياسة الغرب تجاه العالم الإسلامي أمنيًا واستراتيجيًا، حيث مَثل بروز الإسلام كقوة شعبية قادرة على تعبئة وتحريض الجماهير الأوسع في البلدان العربية والإسلامية خطرًا على المصالح الغربية والأنظمة التي ترعاها؛ لهذا كان لا بد من وضع الظاهرة الإسلامية تحت المجهر سواء على المستوى البحثي أو المستوى الإعلامي.

فقد صار الخبر الأكثر إثارة وتغطية هو الذي تصنعه التنظيمات الإسلامية، خاصةً الإرهابي منها، بما يجذب الإعلامي والباحث المتابع المدقق معًا، كما يحدث الآن في التعاطي الإعلامي مع تنظيم "داعش" الإرهابي الذي أصبح على الأجندة السياسية العالمية، ويصاحبه اهتمام إعلامي وثقافي واسع، وهو ما شكل "فوبيا" الإسلام السياسي، وعمق من ظاهرة "الإسلاموفوبيا" في الغرب من الإسلام عمومًا وحركات ما بعد "جماعة الإخوان المسلمين"، والخروج بالتحليل السياسي والفكري حول كثيرٍ من حركات الإسلام السياسي المعاصرة.

فإذا كان العالم الغربي يتعامل مع هذه الحالة الإسلامية بالنظر إليها على أنها الخطر الذي يعوق تفوقه الحضاري والعسكري؛ ولهذا يُخضعها للدراسة والبحث والمتابعة الاستخباراتية، فإن واقعنا العربي والإسلامي يتعامل مع هذه الحالة من صميم تكوينه الفكري؛ ما يجعل لها أثرًا كبيرًا وخطيرًا في تحديد مستقبله في العالم.

وفي المقال القادم نستكمل رصد العلاقة الجدلية بين الإسلاموفوبيا والإسلام السياسي.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز