عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
معركة سعد زغلول مع ناظرة المدرسة السنية!

معركة سعد زغلول مع ناظرة المدرسة السنية!

بقلم : رشاد كامل

أغرب وأعجب المعارك التى خاضها «سعد باشا زغلول» كانت أثناء توليه نظارة وزارة المعارف العمومية ابتداء من 28 أكتوبر سنة 1906 وحتى 21 فبراير سنة 1910، وكانت المعركة مع ناظرة المدرسة السنية!

تفاصيل المعركة العجيبة رواها «سعد» بكل تفصيلاتها العجيبة والتى بدأت وقائعها يوم 14 يناير سنة 1909، ويروى «سعد باشا» الحكاية بقوله:



أرادت ناظرة المدرسة السنية أن ترفت تلميذة تدعى «فكرية حسنى» وعرض طلبها على اللجنة الإدارية فرفضته، وقررت استبقاء التلميذة بالمدرسة لإتمام دروسها، فلم تنفذ الناظرة هذا القرار وعارضت فيه! فأيدت تلك اللجنة قرارها الأول بقرار ثان، وأصرت الناظرة على عدم التنفيذ، وطالت المخابرة بين النظارة ـ الوزارة ـ وبينها فى هذا الشأن حتى تقرر إيقافها وتحويلها على مجلس التأديب»

ويقول «سعد زغلول» إن الناظرة عندما علمت بذلك كتبت للوزارة خطابا تبدى فيه الاستعداد لقبول التلميذة وأنها أرسلت بالفعل تستدعيها للمدرسة، لكن المفاجأة أن ولى أمر التلميذة كتب عريضة للوزارة بتاريخ 12 يناير يؤكد فيها أن الناظرة لم تدخل التلميذة الفصل بل وضعتها فى حجرة وحدها ولم تسمح لها بمخالطة نظيراتها.

ولم يسكت «سعد زغلول» ويقول: استدعيت الناظرة واستفهمت منها عن صحة ذلك فأقرت بصحته، قلت أنى لا أعتبر هذا تنفيذا لأوامر النظارة!

والواجب أن يكون التنفيذ بقبول التلميذة فى الفصل ومعاملتها كقريناتها فافعلى ذلك حالا، وإن لم تفعليه عرضت نفسك للإيقاف والمحاكمة التأديبية، ورفضت أن أقبل منها أى اعتذار حتى تنفذ ذلك الأمر كما ينبغي، فاستمهلتنى حتى تتفكر فأمهلتها إلى ما بعد الظهر بساعة، ولم يأت خبر من طرفها، أمرت إرسال خطاب إليها يتضمن المعنى الذى أشرت إليه سابقا، وحصل ذلك باتفاق مع المستشار «دنلوب مستشار الوزارة».

وفى مساء نفس اليوم يفاجأ «سعد زغلول» بجريدة «مصر الفتاة» تنشر مقالا عن التلميذة وتتهمه بأنه يتفق مع الناظرة سرا على ضد ما يأمر به جهرا.

ويعلق «سعد» على ذلك بقوله: «انظر لقوم كتب الله الجهل عليهم وأضل أبصارهم وسلطهم على من يهتمون بصوالحهم -مصالحهم- ومن أغرب الأشياء أن هذه المطاعن انتهت بأن جعلتنى أضحك فى كثير من الأحيان منها وأهزأ بالطاغين وأتخيلهم أطفالا يلعبون، ثم لا أرى نفسى بعد ذلك إلا نشاطا فى العمل وإقبالا على فعل كل ما أعتقد فيه منفعة عامة».

ولم تنفذ ناظرة المدرسة الأمر، وأرسل إليها سعد مستفسرا، وردت عليه وكيلة المدرسة بأنه كتب إلى ولى أمر التلميذة بالاستفهام عن سبب تغيبها اليومين السابقين؟! المهم أن ولى الأمر ذهب بابنته إلى المدرسة فرفضت الناظرة قبولها قائلة بأنها رفعت الأمر إلى السير «ألدن غورست» المعتمد البريطانى فى مصر!

ولم يأبه «سعد» أو يهتم فقرر إيقافها وتحويلها على مجلس التأديب لمحاكمتها وأصدر أمرا بذلك فى 22 يناير بعد أن تفاوض مع المستشار «مستر ويلز» ومستر «جرهام» سكرتير الوكالة البريطانية.

وعلم «سعد» بأن الناظرة قدمت تقريرا لمستر جراهام والذى طالب «سعد» بعدم محاكمتها والاكتفاء منها بخطاب تعترف فيه بخطئها وتبدى تأسفها!!

ويقول «سعد»: «أبيت عليه ذلك كل الإباء وقلت أن العمل على هذا الرأى يوقع الاضطراب فى الإدارة ويكون محلا لانتقاد الكافة ويعجزنى عن تأديب أى شخص يخالف أمري! وإذا كان الإنجليز يريدون تأييد النظام، وتعويد الناس على الطاعة وامتثال الأحكام، فلا يصح أن يكونوا هم أول الناقضين، المستخفين بشأنها».

ويتقابل «سعد زغلول» مع رئيس الوزراء «بطرس باشا غالى» ويخبره بما جرى وميل المستشار الإنجليزى إلى صرف النظر عن محاكمة الناظرة والاكتفاء بالاعتذار، فقال: إن هذا هو الأولى، إذ بذلك تنتهى المسألة!

قال سعد له: إن هذا غير ممكن لأنه يكون تلاعبا بالمصلحة وضعفا لا ينبغى أن نوسم به، وبما إننا بدأنا السير فلابد أن نستمر فيه لآخر الطريق وأنى واثق بأنى إذا لم أبد فى الأمر رخاوة فلا يستطيعون أن يفعلوا شيئا!
ورد بطرس باشا: عظيم.

وفى مساء نفس اليوم يزور سعد زغلول «السير غورست» المعتمد البريطانى وتحدث معه بشأن الناظرة فوافق سعد على رأيه وما قام به وقال له: بأن الناظرة إذا حضرت لديه أفهمها خطأها!

وقرر سعد  تعيين مستر ويلز رئيسا لمجلس التأديب حتى لا تجد المتهمة فى نفسها حرجا من قضائك ولا يكون لها حجة علينا!

وبدأ مجلس التأديب فى محاكمة الناظرة واقترح المستشار على «سعد زغلول» مقابلة بعض الشهود ورفض سعد ذلك قائلا: الأفضل ترك الشهود على حريتهم يقولون ما يشاءون فى موضوع ما سئلوا فيه ولا أريد أن أطلع على أقوالهم قبل أدائها.

وطالت المحاكمة مما دعا المستشار دنلوب لمقابلة سعد زغلول حيث أخبره أنه يريد مقابلة ولز لحضه على إنهاء الدعوى التأديبية، فقد كثر الكلام فيها، والنساء الإنجليزيات ينددن بالنظارة ويدافعن عن الناظرة دفاعا شديدا!

وقال له سعد: الأحسن أن تبتعد عن مقابلة ولز أما نقد النساء وغيرهن فى هذه الدعوى فلا أعبأ به، لأنى على تمام الاعتقاد بأننا فعلنا أقل مما كان يجب علينا! 
والانتقاد الذى أخشاه هو الذى يرجع إلى رمينا بالضعف والمبالغة فى ملاينة الناظرة ومطاولتها! ولقد عاقبت ناظر مدرسة منذ قليل من الأيام بقطع ماهية نصف شهر لأنه استعمل لهجة شديدة ضد النظارة عقب اطلاعى على تلك اللهجة فورًا.

ولكنى صبرت كثيرًا على هذه المرأة، وما فعلت بعد ذلك شيئًا إلا رفع الأمر لقاضيها الطبيعي، حتى تجادل نفسها أو تلقى ما تستحق من العقاب، فلينتقد المنتقدون بعد ذلك ما شاءوا، وليس لانتقادهم عندى إلا الاستخفاف!
•••

وبعد حوالى شهر تقريبًا وفى مذكراته بتاريخ 15 فبراير سنة 1919 يكتب سعد : 

«حكم مجلس التأديب بتاريخ 13 فبراير فى الساعة السابعة ونصف مساء بإنذار ناظرة المدرسة السنية، وأنها نظرًا للخدمات التى أدتها وللتهيج «الاضطراب الذى حدث لها» الذى قامت بها يكتفى فى حقها بهذا العقاب!

وحضر عندى «ولز» فى صباح اليوم التالي، فلم أرد أن أناقشه فى موضوع الحكم ورفضت أن أسمع منه تفصيلا فى شأنه فاضطرب اضطرابا شديدا وانصرف على هذه الحال، وفى نيتى استئنافه- أى الحكم- وأعلنت ذلك للمستشار!

وسرعان ما يتراجع «سعد زغلول» عن تقديم الاستئناف ويضيف: «خشية ألا يكون من وراء الاستئناف حٍُِكم يناسب الجرم، خصوصا وأن الهيئة التى يجب أن تنظر فيه تكون مؤلفة من أشخاص ليس منهم أحد تابعًا لنظارة المعارف لعدم وجود وكيل لها ولزوم انتخاب وكيل إحدى النظارات مكانه، ففضلت عدم الاستئناف، واستعمال ما لى من السلطة فى نقلها إلى مدرسة أحط من مدرستها بكثير وفعلا تم ذلك أمس».

ولكن «دنلوب» كان يخشى أن بعض المعلمات فى مدرستها يستعفين (يأخذن إجازة) وتلميذاتها يبدين السخط، وإنها تجد المسكن المخصص لها فى مدرسة معلمات الكتاتيب ببولاق أدنى من كل وجه من مسكنها فى «السنية» فلم أحفل بذلك كله وأمضيت أمر النقل، بعد أن تأكدت أن المسكن مناسب للسكنى، ووردنى خطاب منها - الناظرة - بالامتثال، وعلمت أنها توجهت للمدرسة فعلا وانتهى الأمر».
وبعد حوالى شهرين تقريبا وبتاريخ 22 أبريل سنة 1909 يكتب «سعد»:

«أخذت - الناظرة - تشاغب بعد نقلها فتطلب تارة تعويضا عن مسكنها الذى حرمت منه مدة إقامتها، وطورا بعض تصليحات فى المسكن الجديد، ثم تكميل أثاثه، والإذن لها بغسل وكى ملابسها، فأجبت من ذلك إلى ما لها حق فيه ورفضت ما عداه».

ومما يدعو للدهشة والغرابة، وكما يعترف «سعد زغلول»: كان المستشار - دنلوب - يعضدها فى كل ما تطلبه! وقد لجأ كثير من أصدقائها إلى الجرائد ينشرون فيها المطاعن تلو المطاعن ضدى، وضد نظارة المعارف، فلم أحفل بها، لأن كل ما فعلته أقل مما كان ينبغى فعله، ولم يحصل إلا باتفاق مع السير «إلدن غورست»!!

وما أكثر الحكايات العجيبة فى مذكرات سعد زغلول!•

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز