عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
في فهم الإسلاموفوبيا والإسلام السياسي (2)

في فهم الإسلاموفوبيا والإسلام السياسي (2)

بقلم : د. شريف درويش اللبان

كان السؤال الشاغل للمفكرين الأمريكيين في فترة ما بعد الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي وتحلل دولته إلى جمهوريات صغيرة بفعل الإعلام والبروباجندا الغربية: مَن العدو القادم؟ حيث برز عديدٌ من النظريات والأفكار التي طرحت الإسلام كأحد التحديات القائمة في ضوء الصراع الحضاري القائم بين الغرب والشرق، وجاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 لتحسم الجدل وتملأ الفراغ الاستراتيجي ليتجسد هذا العدو في الإرهاب الذي يرتدي عباءة الإسلام.



ويرى "صموئيل هنتينجتون" المفكر والأكاديمي الأمريكي في تعريفه للعدو الإسلامي أن الإسلاميين دخلوا في العقود الأخيرة حروبًا ومعارك طالت البروتستانت والكاثوليك ومسلمين آخرين وهندوسًا ويهودًا وبوذيين وصينيين، وأن المسلمين حاربوا في كوسوفا والبوسنة والشيشان وكشمير وفلسطين والفلبين، وأن مشاعر المسلمين السلبية تجاه الولايات المتحدة زادت في عقد التسعينيات، وأن الشعوب الإسلامية لم تتعاطف مع الأمريكيين بعد الحادي عشر من سبتمبر2001، وأن عداوة الشعوب الإسلامية للولايات المتحدة عميقة وليست بسبب إسرائيل فحسب، حيث توجد ثمة أحقاد دفينة على الثروة الأمريكية، والسيطرة الأمريكية، والعداء للثقافة الأمريكية في شقيها العلماني والديني، ويُنهي هنتينجتون فكرته بتوقع دخول الولايات المتحدة حروبًا مع دول وجماعات مسلمة في السنوات القادمة؛ ما يرشح الإسلام بشكل واضح للعب دور العدو الأساسي والكبير الذي يوحد الأمريكيين ضده.

وتؤكد كتابات المفكرين الغربيين حضور البعد الثقافي الذي يؤمن بالصراع الثقافي بين الغرب الذي يعمل من منطلق التعددية العلمانية، وبين الإسلام الذي يؤمن بالتوحيدية الأحادية المنغلقة؛ حيث ركزت خطابات النخبة على أن الفكر العربي المعاصر محكوم بالنموذج السلفي الذي يحتفظ بالتعارض بين الشرق والغرب في إطار التعارض بين الإسلام والمسيحية، وتُرجع السلفية ذلك إلى أن عدم إخلاصنا إلى الله هو السبب الرئيس في ضعفنا، كما أنها تري أن الفصل بين عقيدة الإيمان الجوهرية ومرحلة الكفاح ضد الاستعمار ينعكس على غزو الخطابات المنادية بالكفاح ضد الاستعمار بتعابير العدالة ضد عدوانية الغرب المسيحي وإمبرياليته، فسرعان ما شهدت الساحة العربية حوادث عنف بين القيادات الثورية العربية التقدمية التي تمسك بزمام السلطة وبين قيادات الجماعات المتأسلمة منذ عام 1954 إلى 1966 العام الذي شهد إعدام سيد قطب مع مظلة عقد السبعينيات الذي شهد تزامن خروج "الجني الإسلامي" من القمقم، وبذلك يفسر الفكر السلفي صدى صيحة (لا حاكمية إلا لله) في صورة المناضل المسلم الساخط الذي انخرط في العمل السياسي في إطار ما سُمي بالإسلام الساخط الاحتجاجي، والذي يؤول في النهاية إلى أحضان الإسلام السياسي، حيث بدأ هذا في الانتشار بعد حادث الفنية العسكرية في مصر في العام 1974.

وبذلك ينظر الخطاب التقدمي إلى خطابات الإسلام السياسي بأنها تتسم بالانحطاط والشكلية والجمود والرجعية والوعي الزائف، حيث لا يوجد لديها برنامج عمل محدد أو هدف يلتقي على أساسه المسلمون فهي غير مؤثرة ولا فاعلة، وتضحي بالواقع لصالح النص، حيث تهدف إلى العنف وإلغاء الطرف الآخر وتدميره، فهي خطابات لا تؤسس نفسها على الحوار، إنما تؤسس في إطار الغرابة السياسية تحت سقف التاريخ لنبذ الآخر. من هنا فإن هذه الخطابات ما هي إلا حركات هستيرية يجب قمعها بالتعاون مع السلطة، فهي تقف كعائق أمام النظرة الشمولية لواقع العالم العربي، والفهم الموضوعي لظاهرة الحركات الإسلامية المعاصرة.

ويمكن القول إن الخطابات التي تشكلت في فترة حكم الإخوان "عام الجماعة" اتسمت بالرجعية والجمود والانحطاط والشكلية وعدم التوازن، حيث بدت "جماعة الإخوان" مختلفة في رؤيتها تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من حيث نظرتها العقائدية التي تقوم على التبشير بنهاية الغرب، وهي رؤية تضع الجماعة في خانة التطرف، والاحتقان السياسي لبعض الدول العربية باعتبارها حاضنة للإرهاب وثقافته.

 فالدولة الدينية طائفية بالتعريف الغربي لمفهوم الفوضى واضطراب المعايير التي تحكم سلوك الدول والجماعات التي تنشط أيديولوجيًا بأفكار ذات طبيعة متطرفة من منظور فلسفات ثورية ورؤى صراعية تتسم بدرجة عالية من الفوضى واضطراب المعايير التي تحكم سلوكها فيما يتعلق بالعنف، ما انعكس على إخفاق "جماعة الإخوان" سياسيًا، بل واعتبارها من الحركات الإرهابية في العالم.

ولعل خطاب الرئيس الأسبق محمد مرسى ضد إسرائيل قبل ترشحه للانتخابات الرئاسية بعدة أعوام من أن اليهود هم أحفاد القردة والخنازير، وقلق واشنطن بشأن هذه التصريحات التي تهدد الأمن القومي الإسرائيلي- الأمريكي، وبعد الانتخابات الرئاسية أعلن الرئيس الأسبق مرسى احترام معاهدة السلام مع إسرائيل، وهو عكس ما كانت تصرح به الجماعة من أن الالتزام بهذه المعاهدة تُعد خيانة في نظام الرئيس الأسبق مبارك. ويُعد هذا التحول في خطاب الجماعة انقلابًا في العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وهذا ما جعلها تخون مسؤولياتها أمام الأمة والتاريخ التي ادعت أنها جاءت من أجلهما.

ويمكن تفسير ذلك بأنه قد غلبت المصلحة التنظيمية على المصلحة الإسلامية العليا لدى "جماعة الإخوان"، بحيث صار الحفاظ على التنظيم هدفًا في حد ذاته، فهذه الجماعة كادت تغير التاريخ في مصر بعد توليها سُدة الحكم، لكن حالة النفور والشقاق هي ما جعلت الرفض لها هو المسيطر على الشارع المصري الذي أدرك حقيقة هذه الجماعة في التسلط والاستعلاء للوصول إلى سُدة الحكم دون النظر لمصالح الشعب.

ولا يزال للحديث بقية.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز