عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
"المايسترو" الذي عرفته

"المايسترو" الذي عرفته

بقلم : جميل كراس

"العبدلله.. وقيمة الوقت



وكلاب صالح سليم"

تمر السنوات وتتوالى وتبقى ذكراكم خالدة مثل طاقة نور ومع مرور الزمن.. وإن كانوا تركونا بحضورهم أو أجسادهم، إلا أنهم باقون معنا مخلدون بأرواحهم وأفكارهم وشخصياتهم التي لا تنسى، وبما تحويه من قيم ومبادئ وأخلاقيات يضرب بها الأمثال.

ومن ضمن هذه الشخصيات الرائعة التي اكتسبت زخمًا كبيرًا ومكانة لائقة في قلوب الناس الراحل "صالح سليم" الملقب بـ "المايسترو" لما له من نجومية والعزف بفنه الكروي داخل المستطيل الأخضر بكل جوانبه.

هذا "المايسترو" الذي غادر عالمنا الفاني عملني أشياء كثيرة، لا تقدر بثمن فمن خلاله أدركت أهمية الوقت وقيمته ليس بالدقيقة بل بالثانية كذلك.

ولا أنسى عندما تقابلت معه ذات يوم داخل أروقة النادي الأهلي بالجزيرة، وهو يجلس وسط زمرة من أصدقائه ومحبيه، وفي هدوء رأيت نفسي أصافحه بحب وإعجاب لشخصيته الفذة، وفي ذلك الوقت طلبت منه مستأذنًا في إجراء حوار صحفي معه لأفاجأ برده، الذي كان بمثابة الصدمة بالنسبة لي، واستطرد "المايسترو" موجهًا كلامه لي طيب نعمل ليه حوار وإيه المناسبة علشان كده، ولماذا في هذا الوقت تحديدًا وكمان أسئلة الصحفيين معايا دائما مكررة ومعادة، وتصل إلى حد السماجة ولا تجدي.

ولاحظ علامات الدهشة ترتسم على ملامح وجهي، وهنا تذكرت داخل نفسي ما تردد عن شخصيته، "صالح سليم" المتعجرف الذي يتسم بالديكتاتورية في التعامل مع الآخرين.

لكن الحقيقة كانت غير ذلك بكثير عندما رأي إصراري بكل حماس على إجراء الحوار دون الدخول في التفاصيل، وكمان قال لي: طيب أنتم كنتم فين قبل كده يعني يا صحفيين، تقبلت تساؤلاته بصدر رحب، ولم أغضب وقلت له: يا "مايسترو" أعلم أنك معظم أوقات السنة غير موجود بمصر، وأنك في إنجلترا أو غيرها من الدول الأوروبية بسبب انشغالك الذي لا يتوقف وأعمالك الخاصة، بالإضافة إلى علاجك بالخارج، فأجاب ضاحكًا: لا يا شيخ عرفت الكلام ده كله منين.. أي والله يا صحفيين أنتم كده!!

ثم اتفقنا بعد اعتراض على عبارة أن الصحفيين أسئلتهم معادة ومكررة، ولا ترتقي إلى الأمام، ودليل ذلك سوف يكون لديك بعد المقابلة أو إجراء الحوار واضعًا نفسي في موضع تحدٍ واختبار.

بالفعل تحدد الموعد والمكان بأحد العقارات القديمة بشارع 26 يوليو، بجوار سينما على بابا وكان في التاسعة صباحًا، بالفعل توجهت حسب الموعد، لكني تأخرت بعض الشيء ولظروف خارجه عن إرادتي، وضغطت على جرس المكان وفتح لي "المايسترو" وسرعان ما سألني إحنا ميعادنا كان الساعة كام؟، قلت: يا كابتن معلشي أتاخرت نصف ساعة وخمس دقائق، بسبب الزحام والطرق، لكنه اعتذر لي ورفض المقابلة بسبب ذلك، ثم لاحظ علامات التوتر والارتباك تكسو وجهي، وقلت: طيب إيه الحل يا كابتن، فأجاب الموعد غدًا في نفس التوقيت، وليلتها لم أذق طعم النوم، وانتابتني حالة من القلق والانتظار، لأذهب مبكرًا في صباح اليوم التالي، وقبل الموعد المحدد بـ 45 دقيقة، فابتسم معلقًا: يا سلام.. يا إما تيجي متأخر عن الموعد أو قبله، هذا الكلام ليس له مكان في الخارج أو أوروبا، عندها أدركت أنه يريد تقديم نصيحة لي، واعترف بعدها بأن الوقت له قيمة كبيرة في الخارج، أما نحن ففي وادٍ آخر، وكل حاجة تتأخر معرفش ليه.

ومن يومها تفهمت لماذا رفض مقابلتي له في المرة الأولى، فقد أراد أن يقدم لي درسًا في احترام الوقت والالتزام به أينما وجدت، وبعدها رأيت نفسي أذهب إلى أي مكان سواء كان للعمل أو غيره قبل الموعد وليس بعده، وهذا ما أكد عليه "المايسترو" صالح سليم، فشكرته من أعماق قلبي بعدما اكتسبت منه تلك الميزة الكبيرة.

وتلك هي إحدى السمات التي تميز بها "المايسترو" الراحل صالح سليم ومن خلاله ازداد إعجابي به وبشخصيته.

وكذلك عند دخولي متوجهًا إلى مكتبه سألني، هل تخاف من الكلاب؟ قلت ليس كذلك، لكني فوجئت بكلب ضخم أسود اللون تساوي حجمه مرتفعًا ليصل إلى مكتب "المايسترو"، عندئذ شعرت بنوع من الرهبة أو الخوف، وصارحت "المايسترو" في ذلك فقال معلقًا سبحان الله مش من ثواني قلت أنا لا أخشي الكلاب، عندئذ أجبته: صحيح أنا لا أخاف من الكلاب، لكن ليس بهذا الحجم المخيف، فقال على فكرة الكلب ده عمره شهران فقط!! 

وعلقت: يا نهار أسود هو لسه هايكبر تاني، عندئذ أخذني في أمان واصطحبني لأجلس بجواره في المكتب، ونظرات الكلب الأسود تلاحقني، وقبل أن نتطرق إلى سطور الحوار، سألته لماذا يا مايسترو كل هذا الحب والشغف للكلاب؟ وقد تأكدنا من ذلك من خلال فيلم "الشموع السوداء" مع المطربة نجاة الصغيرة ومن الكلب الشهير "روي".

ثم كانت كلماته التي تعبر عما يغوص داخله من عشق للكلاب، وأجاب في سطر بأن الكلب أكثر وفاءً من الإنسان وأسالوا الزمن.

رحم الله "المايسترو" صالح سليم، وللذكريات بقية بإذن الله..

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز