عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
في رحاب السيدة
بقلم
محمد نجم

في رحاب السيدة

بقلم : محمد نجم

عندي اعتقاد لا أعلم مدى صحته، بأن المصريين يحبون السيدة زينب «رضي الله عنها» أكثر من أي أحد آخر من آل البيت، حيث تحرص الأسر المصرية من كل أنحاء البلاد على حضور الذكرى السنوية لمولدها ولمدة أسبوع كامل وبكل أفرادها ومتاعها!



وقد شهدت في الليلة الكبيرة للاحتفال بمولدها- مساء الثلاثاء الماضي- ما يزيد على المليون و500 ألف مواطن يفترشون الأرض في رحابها الواسع، والذي يشمل جميع شوارع وحواري الحي المسمى باسمها وحيث يقع مقامها الكريم.

ليس ذلك فقط، بل إن بعض الأعمال الفنية ومنها السينما قد خلدت هذا الحب، منها مثلا فيلم "قنديل أم هاشم" للروائي الكبير يحيى حقي، حيث كان الناس يتبركون بزيت مصابيح مسجدها ويعتقدون أنه يشفى من مرض الرمد.

وكذلك فيلم «شباب امرأة» بطولة شكري سرحان وتحية كاريوكا، حيث كشفت إحدى لقطات الفيلم عن أمنية درويش بزيارة مقامها ووضع يده على شباك مسجدها.

ولست أعلم سر هذا الحب الجارف لأم العواجز ورئيسة الديوان، وكريمة الدارين، وزهرة آل البيت.. وغيرها من الأسماء التي أطلقها عليها المصريون.

هل لشجاعتها وشهامتها عندما تصدت ليزيد بن معاوية وهو يعبث بقضيب من الحديد برأس شقيقها الحسين بن علي «سيد شباب الجنة» رضي الله عنهم جميعا، أم لأنها اختارت مصر مقاما ومثوى بعد أن ضاقت عليها أرض الحجاز؟ أم لأنها كانت «بحرا» في العلوم الدينية؟

نعم لقد مضى على وفاتها أكثر من 1200 عام وما زال حبها والاشتياق إلى مزارها يشفي النفوس المجهدة ويريح القلوب المتعبة.

وقد قضيت ليلة روحانية ممتعة برفقة زميلي وصديقي العزيزين عبد الله حسن وسعيد محمد أحمد في رحاب رئيسة الديوان.. وهالنا هذا الزحام المتنوع من البشر، رجالًا ونساء، وشبابًا وشيوخًا، جاءوا من كل فج ليريحوا قلوبهم ويغسلوا نفوسهم من عناءات الحياة اليومية.. متوسلين بزهرة بنى هاشم وطبيبة القلوب.

فقد ازدحمت شوارع وحواري حي السيدة بالخيام الكبيرة حيث المداحين والمنشدين وأعضاء الطرق الصوفية المتعددة، وكذلك ازدحمت حواري المنطقة بالخيام الصغيرة حيث الأسر المصرية من جميع المحافظات والتي وضعت نفسها وأفرادها في خدمة السيدة الكريمة وزوارها.

وقد لمحت أثناء تجوالنا يافطة مكتوب عليها «ديرب نجم»، تقف تحتها فتاة شابة تشدو بالمديح في آل البيت ويصطف أمامها مجموعة من الشباب والشيوخ في حلقة ذكر، بدوا وكأنهم منفصلين عما حولهم، فتذكرت أشعار صلاح جاهين في أوبريت الليلة الكبيرة.. وغمزت لصديقي سعيد.. «ناس من بلدنا هناك أهم.. روح يا سعيد انده لهم»! ولم أنتظر رد فعل صديقي وسارعت بالانضمام إلى حلقة الذكر والاندماج مع بلدياتي الشراقوة.. فأنا منهم وهم أهلي! ولكن المنوفي الشرس سارع بجذبي من ملابسي بعيدًا عن هذا التجمع بحجة حمايتي من السرقة! وأحزنني ذلك وكدنا نشتبك في خناقة لولا تدخل صديقنا عبد الله مقترحًا أن يرنا المنزل الذي كان يقطن فيه بذات الشارع أثناء دراسته بالجامعة، وحيث كان يقيم معه مجموعة من الزملاء الذين اشتهروا بعد ذلك كإعلاميين ومذيعين وأساتذة إعلام!

وذهبنا إلى بعض الحوارى الهادئة لنستريح قليلا، وكما يقول المثل المصري «يموت الزمار وصوابعه بتلعب»، فقد وجدنا أنفسنا أمام خيمة تعج ببعض الأسر المصرية في حركة دائمة من الاستقبال والتوديع وإعداد الطعام وتوزيعه، فتغلبت علينا شقوتنا، وألح علينا الفضول الصحفي لمعرفة ما يجرى، وعلمنا من الحوار معهم أنهم من كفر الشيخ وجاءوا لخدمة السيدة وزوارها منذ أسبوع مضى، وأحضروا معهم كل ما يلزم لإطعام المحبين لصاحبة المقام من خضروات ولحوم وأشياء أخرى، وأن جيران الخيمة من سكان المنطقة يساعدونهم في حفظ الطعام الزائد عن الاستخدام اليومي في ثلاجاتهم وحتى يحين موعد استخدامه.

وقد علمنا أيضا أن تلك الأسرة وغيرها تهيم عشقا لآل البيت والأولياء الصالحين، لدرجة أنهم يحضرون جميع الموالد الرئيسية في جميع أنحاء الجمهورية ومنها مولد سيدي عبد الرحيم القناوي في قنا، وسيدي الدسوقي في كفر الشيخ، وسيدنا الحسين، والمرسي أبو العباس في الإسكندرية، وكذلك السيد البدوي في طنطا وغيرهم!

ومرة أخرى تغلبت علينا شقوتنا وطبيعة المهنة التي تجري في دمائنـا وبدأنا في الحـوار والتساؤل: لماذا لا تستفيد الدولة من كل هذه الموالد فيما يسمى بالسياحة الدينية، لماذا لا يتم الاستعداد والتنظيم لكل هذه الموالد وقبل انعقادها؟ حيث إفراغ الشوارع من السيارات ولو في الليلة الكبيرة وتخصيص أماكن قريبة لانتظارها؟ فضلا على تكليف بعض أفراد الشرطة لفرض النظام وسلامة الرواد؟ بجانب الرقابة الصحية على ما يقدم للمواطنين من مأكل ومشرب.. إلخ.

والمعنى أن لدينا احتفالات متكررة ومتعددة لآل البيت وأولياء الله الصالحين، ومعروف مواعيدها السنوية مسبقا.. وبعض التنظيم والإشراف سيكون مفيدًا ومريحًا للمواطنين رواد هذه الموالد، ومن ثم تزداد المتعة الروحية التي يبحث عنها المصريون في هذه الموالد الدينية.

نعم.. لقد حظا الله أرض مصر المباركة بالعديد من الصالحين والطيبين أحياء وأمواتًا، فلنحسن الاحتفاء بذكراهم ولنجاري الناس في طباعهم الحميدة، حيث يتوسلون بهؤلاء الصالحين داعين الله بجبر الخواطر وفك كرب المأزوم وشفاء المرضى منهم.

اللهم تقبل دعاءنا واستر عوراتنا وارحم موتانا واشفِ مرضانا.. سبحانك على كل شيء قدير.

حفظ الله مصر.. وأكرمها بأوليائها الصالحين

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز