عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
"القربة المخرومة"!
بقلم
محمد نجم

"القربة المخرومة"!

بقلم : محمد نجم

من حقنا أن نحتفى بالتقرير الصادر عن صندوق النقد الدولى بشأن ما تحقق فى الاقتصاد المصرى منذ بداية برنامج الإصلاح، وتوقعاته الإيجابية للعام المالى الجديد والذى سيبدأ من أول يوليو المقبل.



فقد تخوف البعض من الاتفاق مع الصندوق بحجة أنه يفرض على الدول «روشتة» جاهزة ومكررة أثبتت فشلها فى بعض الدول من قبل، ليس ذلك فقط، وإنما البعض منهم وخاصة الأخوة الأيديولوجيين يعتبر الصندوق أحد «أدوات» الإمبريالية الغربية والاستعمار الأجنبى الجديد، الذى يتخذ شكل شركات عابرة القارات تهيمن على مقدرات الدول النامية.. إلى آخر هذا الكلام المعلب الذى يفترض أننا «جثث هامدة» لا حول لنا ولا قوة.

وقد كنت أحد المتحمسين للاتفاق مع الصندوق لأسباب عدة، منها؛ أولاً: أنه لا بديل عن الإصلاح الاقتصادى وعلاج الخلل المزمن فى الاقتصاد القومى، أى أننا مجبرون على إصلاح اقتصادنا فى كل الأحوال سواء بمفردنا أو بالتعاون مع الصندوق.

ثانيًا: إننا ندفع حصة سنوية من رأسمال الصندوق، فلماذا لا نستفيد من خدماته، باعتباره «بيت خبرة» دولى؟

ثالثًا: إن الإصلاح يحتاج إلى تمويل - خاصة ونحن نعانى من عجز مزمن فى الموازنة العامة - والصندوق يتيح هذا التمويل بآجال طويلة للسداد وبفائدة ميسرة نسبيا.

والأهم من كل ما تقدم أن الصندوق لم يعد يفرض روشتاته، فقد تعداها الزمن، بل إننا فى مصر سبقنا بعضها مثل تحرير سعر الصرف، وتحرير التجارة الخارجية، ومنح القطاع الخاص دور أكبر لقيادة عمليات التنمية، وإصلاح النظام الضريبى والجمركى.. إلخ.

والذى يحدث أن الصندوق يشير إلى الخلل الذى يعانيه الاقتصاد ويطلب من الدولة الراغبة فى المساعدة تقديم برنامج «وطنى» يحدد كيفية العلاج ومراحله الزمنية ويقوم خبراء الصندوق بدراسته من حيث إمكانية التنفيذ واحتمالات النجاح، وبعد الموافقة يعرض على مجلس إدارة الصندوق لإقراره، حيث يتم ربط شرائح القرض المطلوب لتمويل عمليات الإصلاح بمعدلات التنفيذ لخطوات البرنامج المقدم من الحكومة، فالفكرة الرئيسية هنا «الالتزام» وهو ما تحمست له، وأيضا التمويل الرخيص نسبيا مقارنة بطرح السندات الدولارية فى الأسواق الدولية.

وأعتقد.. أن الدول مثل الأفراد.. إذا غاب «الالتزام» والرقابة تلكأ التنفيذ وتراخى العمل.. بحجة «احيينى النهاردة.. وموتنى بكره»، فالأسر المصرية تستثمر فى أولادها من خلال التعليم المتواصل حتى يحصل على الشهادة الكبيرة كما كان يطلق عليها أهلنا فى الريف المصرى، ولكن الطالب لن يذاكر بجدية إذا لم يكن هناك امتحان فى آخر العام، كذلك المريض.. لن يشفى إلا إذا تحمل وخز الحقن ومرارة الدواء.

والمعنى أن الدولة لن تحصل على ما تحتاجه من تمويل لاستكمال الإصلاحات إلا إذا كانت قد نفذت ما يخص المرحلة السابقة من البرامج.

مرة أخرى.. الاتفاق على برنامج للإصلاح بتوقيتات زمنية، يعنى «التزامات» متبادلة، أى الدولة تنفذ ما اقترحته من خطوات، والصندوق يصرف الشريحة التالية من التمويل المتفق عليه.

وهاهى النتائج: حققنا العام المالى الحالى الذى ينتهى فى يونيو المقبل معدل نمو 5.5%، وانخفض معدل البطالة إلى 9.6 من إجمالى قوى العمل، وكذلك انخفض معدل التضخم إلى 14.5% بعد أن وصل إلى ما يقرب من نسبة الـ 25%.

وكان نصيبنا من الاستثمارات الأجنبية المباشرة - لإقامة مشروعات جديدة أو توسعات فى مشروعات قادمة - حوالى 9 مليارات و500 مليون دولار، أضف إلى ذلك ارتفاع حجم الناتج المحلى السنوى إلى حوالى 5.5 تريليون وزيادة الاحتياطى من النقد الأجنبى ليبلغ حاليًا حوالى 45 مليار دولار.

هذا ما تحقق.. فماذا عن توقعات الصندوق للعام المالى الجديد والذى سيبدأ من أول يوليو القادم ويمتد حتى يونيو 2020؟

يقول خبراء الصندوق إن الناتج المحلى سيرتفع إلى 6 تريليونات، ومعدل النمو فى الناتج المحلى الإجمالى سيصل إلى 6%، ومعدل البطالة سينخفض إلى 8.3%، والتضخم إلى 10.7%، وسيرتفع الاحتياطى إلى 45 مليارًا و500 مليون دولار، وكلها ولله الحمد توقعات إيجابية وبشرط الاستمرار فى خطوات الإصلاح وتعميق التصنيع المحلى والاعتماد على الأنشطة المنتجة التى تخلق فرص عمل وإنتاج حقيقى يوفر احتياجات المواطنين وتصدير ما يفيض عن استخداماتهم.

والمعنى.. الحد من الاعتماد على أنشطة الخدمات أو القطاعات غير المنتجة مثل قطاعات البناء والتشييد.. نعم أنها تستوعب الكثير من الأيدى العاملة وتخلق رواجًا مؤقتًا فى الأسواق، ولكنها فى النهاية عبارة عن «استثمارات مجمدة» وأقصد الفيلات الفاخرة والقصور الفارهة فى الساحل وبعض المناطق السياحية الأخرى!

ولكن ومع النجاح الذى تحقق والمنتظر تحقيقه أيضا، لدينا مشكلة مزمنة، وهى الزيادة السكانية المرعبة والتى تعد من أعلى المعدلات فى العالم، فالاقتصاد مثل القربة المحكمة.. إذا وضعت فيها الماء سوف تمتلئ، ومن ثم تستخدمها فيما بعد فى رى عطش الظمآنين، أما إذا كانت «القربة مخرومة».. فمهما وضعت فيها من ماء.. لن تمتلئ.. لأنه يتسرب من أسفلها.

ونحن الآن أكثر من 99 مليون مواطن ونسبة كبيرة منهم من الأطفال والشباب.. الذين يحتاجون التعليم والرعاية الصحية وبناء أسر جديدة.

وإذا كان الصندوق يبشرنا بأن العام المقبل سوف يصل تعداد السكان إلى أكثر من 101 مليون و500 ألف مواطن، إذا نحن أمام «قربة» مخرومة!

إننا فى ظل عدد السكان الحالى - ورغم النجاحات الاقتصادية التى تحققت - مازلنا نعانى من حجم مرتفع للدين العام يتجاوز الـ 440 مليار جنيه، مع ميزانية تعانى أساسًا من العجز، مع وجود نسب مرتفعة من البطالة والتضخم.. وكيف الحال إذن إذا استمرينا بهذا المعدل من الزيادة السكنية؟

بالطبع سوف يكون ذلك على حساب التعليم والصحة والخدمات الأخرى.. وهو مالا يقبله أحد.

ومن ثم لا بديل عن «الترشيد».. والسيطرة على هذا الانفجار السكانى الذى سيبتلع الأخضر واليابس تماما كما فعل ما سمى بالربيع العربى فى كل من اليمن وسوريا، وهو الآن يعيث فسادًا فى كل من الجزائر وليبيا والسودان.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز