عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
كلام في السياسة !

كلام في السياسة !

بقلم : محمد يوسف العزيزى

الكلام في السياسة ممل وثقيل ، وغالبا ما يذهب أدراج الرياح خصوصا وأن السياسة صارت مكلمة ووسيلة لاستهلاك الوقت والجهد ، ولم يعد أي نقاش سياسي حول أي قضية يُفضي إلي نتيجة أو تغيير رأي أو قناعة أو حتي تصحيح مفهوم خاطيء عند البعض ، وهذا يدعونا إلي طرح بعض الأسئلة المهمة التي نغض الطرف عنها أو يمكن القول المسكوت عنها ..



* هل لدينا ما يعرف بالسياسي أي من يباشر السياسة بصرف النظر عن النوع ؟

* هل لدينا حياة سياسية بمفهومها الصحيح .. بمعني هل لدينا أحزاب تمارس السياسة وتربي وتُعلم وتُنتج كوادر سياسية قادرة علي الحركة في المجتمع والتعريف بنفسها من خلال مؤسساتها الحزبية للسعي نحو السلطة كما يحدث في العالم ؟

الحقيقة أن واقع الحال لا يستطيع الإجابة عن هذين السؤالين ، وهنا تكمن مشكلتنا الحقيقة والتي تدفعنا إلي خلط الأوراق وتعميم المفاهيم المغلوطة وتكريسها حتي تستقر في اليقين أنها الصواب ، وعليه يتحول معظم المتعاطون مع السياسة إلي نمط غريب فيفعل الشخص منهم الشيء وعكسه ، ويدافع عن القيمة ويهدمها ، وينادي بما لا يستطيع الالتزام به ، وحتي يبدو للغير أنه فاهم ودارس وخبير ومتخصص وعالم ببواطن الأمور يظل متمسكا بما يقول وإن كان خطأ ، ولكي يثبت لنفسه ولغيره أنه متابع .. يبحث دائما عن الآراء الشاذة بمنطق خالف تُعرف ، ويري أن المعارضة وما تطرحه هي الثواب علي طول الخط ، وغير ذلك هوالخطأ علي طول الخط !

الأمثلة علي غياب السياسي ، وغياب الحياة السياسية الحقيقية كثيرة منها علي سبيل الحصر .. الحديث عن الديمقراطية الذي لا ينقطع ، ومع ذلك تحاول دائما الأقلية فرض رأيها علي الأغلبية ، وإن لم تستطع تدعو إلي المقاطعة وعدم المشاركة في أي انتخابات أو استفتاءات تحت مبررات واهية ليهدم ركنا مهما من أركان الفعل السياسي الذي يخلق تراكم الخبرة والتواصل مع المجتمع الذي يسعي للوصول فيه إلي الحكم وتداول السلطة ليبقي المبرر هو .. لا أحد يسمح لهم ولا يعطيهم الفرصة !

ومنها الحديث الذي لا ينقطع عن الشعب باعتباره السيد وصاحب الحق الوحيد في تقرير ما يراه مناسبا وفي مصلحته ، ومع ذلك نري البعض يصادر هذا الحق ويفرض وصايته علي الشعب ، بل يدعوه إلي الانصياع وراء ما يريده هذا البعض .. فقط من أجل المعارضة ، وإذا رفض الشعب الانصياع خلف هذه الدعوات يتم اتهامه بالجهل والسطحية ، وأنه قاصر ويحتاج وصايتهم ، وإذا سار في ركبهم يصبح القائد والمعلم !

هذا البعض يري الشعب - صاحب السيادة - مجرد أداة أو قطعة شطرنج يكسب بها متي شاء ويضحي بها متي يشاء .. هذا البعض دائما ما يتحدث باسم الشعب ، ودائما ما يتاجر بورقة الغلابة منه ويرفع رايتهم صباحا ويغرق هو في الملذات ليلا ، يتحدث عن فقرهم أمام الشاشات وفي منصات التواصل ، وبمجرد أن ينتهي من بيع سلعته الرديئة يذهب ليطمئن علي مكاسبه وحساباته .. إحتراف لعبة التناقض مؤهلات لا يحصل عليها غيرهم !

ومن الأمثلة أيضا علي غياب الحياة السياسية والسياسي أننا بعد أحداث يناير انفجرت ماسورة الأحزاب وأغرقت الوطن بما يزيد عن مائة حزب بين العائلي والكرتوني وحزب الصحيفة ، وحزب المقر الواحد ، وحزب اللافتة المعلقة علي حائط عمارة ، وحزب الوجاهة ، وحزب جمع التبرعات ، وحزب التمويل ، وحزب من ليس له حزب .. طرحت هذه الأحزاب لنفسها أسماء ارتبط نصفها بمسمي الثورة والنصف الثاني بشعارات الحرية والخبز والإصلاح والتنمية والفنكوش أيضا ، ولو كان لدينا أدني قدر من المصداقية أو الرغبة في إقامة حياة سياسية لتحقق ذلك ولو كان بالقدر اليسير !

ولأن البعض- سواء كان كثيرا أو قليلا – تحول إلي الشيء وعكسه ، أو إقتنع بالفكرة وهدمها ، أو آمن بالحق وسقط في الضلال ، أو إدعي العلم وهو يجهل ما حوله ، أو رأي الحقيقة وسعي خلف السراب فإن ذلك كله يرجع إلي غياب الإجابة علي ما طرحته من أسئلة في صدر المقال ، وتبقي التجربة وتراكم خبرات التعلم والممارسة هي التي تخلق المجتمع المتطور في كل مناحي الحياة .

أما الجلوس علي الجسر وإلقاء المحاضرات في فنون العوم دون النزول إلي المياة ومشاركة من يسبحون فيها لن يفيد شيئا وسيظل الكلام مجرد كلام حتي وإن كانت المبررات لا حصر لها .. من السهل أن تجلس في خندق المعارضة وتلقي علي خصمك في كل ثانية حجر ، ومن الصعب أن تجلس في نفس الخندق وتضع كل ساعة حجرا فوق حجر لتصنع بناءا قويا يبهر خصمك فتكون شريكا له أو مكانه .

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز