عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
النصف غير الآخر«3».. أشهر عازب

النصف غير الآخر«3».. أشهر عازب

بقلم : سامية صادق

كان أشهر عازب في الوسط الثقافي.. فرغم وسامته ونجاحه ووصوله لمنصب كبير وشهرة واسعة جعلت الفتيات يلهثن وراءه ويلتففن حوله ويصنعن منه (دونجوان) عصره.. إلا أنه يظل لوقت طويلا أعزبا بلا زواج حتى تعدى الأربعين من العمر.. يعيش وحيدا مغتربا عن عائلته التي تسكن في قرية صغيرة بإحدى محافظات الوجه البحري.. والأم تبدي قلقها على ابنها البكر الذي يعزف عن الزواج بينما أشقاؤه الثلاثة الأصغر منه قد تزوجوا وأنجبوا.. وتعتقد أن عدم زواجه حتى هذا العمر أمر غير طبيعي! وربما يكون وراءه سحر أو عمل.. فكانت تذهب من ورائه للمشايخ والدجالين وتعطيهم أثره لفك عقدته وجعله يقبل على الزواج.. كما كانت ترشح له فتيات للزواج وترسل بعضهن لزيارته في مكتبه بالقاهرة بأي حجة كي يتعرف عليهن.. فربما يقابل بينهن نصيبه.



ويضحك بداخله من والدته الريفية الطيبة.. فبالرغم من أنها أقرب الناس إليه إلا أنها لم تفهمه حتى الآن.. إنه رجل طموح.. حفر مكانته بأظافره في مجتمع القاهرة القاسي الذي طالما همشه وسخر منه حين كان شابا صغيرا مغتربا ليس لديه مال ولا جاه ولا سند.. فكم قهره وقلل من شأنه حتى دفعه إلى التحدي وعلى أن يختار ما بين النجاح أو النجاح! فليس لديه اختيار آخر كي يكون كما تمنى لنفسه غنيا متحققا متميزا مرفوع الرأس.. واستطاع بعد كفاح ومعاناة وصراعات أن يكسب التحدي وينتصر.. وأن يحقق نجاحا ومكانة وشهرة.. ففرض احترامه على مجتمع القاهرة الذي كثيرا ما آلمه بعجرفته وتعاليه على أبناء الأقاليم.

وكان قد أرجأ موضوع الزواج بإرادته لأجل غير مسمى حتى لا تعوقه أو تضعفه مسؤوليات البيت وطلبات الأبناء عن تحقيق خطته في النجاح والصعود.. وتحوله لموظف مطحون كادح يشقى من أجل تسديد فواتير الماء والكهرباء وسد رمق الأبناء!

أما الآن فقد بات ذا مركز وشهرة.. وجميلات الطبقات الراقية يجرين وراءه ويلتقطن معه الصور التذكارية ويتفاخرن بها على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويندهش من موقف أمه.. فبعد كل ما حققه تريد أمه أن تزوجه فتاة عادية من بنات القرية! يبدو أنها لا تدرك مكانة ابنها الآن.. فهو يستطع أن يضع ساقا على ساق ويختار عروسًا من أكبر عائلات مصر.. عروسا يحسده الجميع على حسبها ونسبها وجمالها.. عروسا تضيف لمكانته ووضعه الاجتماعي ولا تنتقص منهما.

إلى أن التقى بها.. فتاة صغيرة حديثة التخرج ربما تصغره بخمسة عشر عاما على الأقل.. لم يلفت انتباهه جمالها ولا رشاقتها ولا صوتها الرفيع الهادئ ولا حتى ملابسها التي تحمل العلامة التجارية لأشهر الماركات العالمية.. بقدر ما انتبه لاسم عائلتها ومركز أبيها.. إنها تنتمي لطبقة أرستقراطية طالما حلم بالانتماء إليها.

وحين تحدث معها لم يجد بينهما أي شيء مشترك.. فتفكيرها محدود وثقافتها ضحلة وشخصيتها بلا ملامح.. فهي لا ترقى لمستوى ذكائه أو ثقافته وعمقه.. لكن كل ذلك لا يعنيه.. فيكفيه أنها جميلة وصغيرة وابنة رجل مهم وستنجب له أبناء يصيرون أحفادا لهذا الرجل.. كما أنه سيحقق حلم والدته في أن تراه متزوجا.

كان يدرك أن انبهار الفتاة الصغيرة بوسامته وشهرته يكفيان كي تطير فرحا حين يطلبها للزواج.

ويتزوج بها خلال وقت قصير... وكان خبر زواج أشهر عازب من ابنة فلان الفلاني حديث أصدقائه ومعارفه وموضع حسدهم.

ولم تمض عدة أشهر إلا ويفكر في الانفصال عن زوجته الأرستقراطية، بعد أن تفاقمت المشاكل بينهما.. فالفلاح الذي يسكن بداخله لم يستطع التأقلم مع فتاة النوادي والحفلات.. كما أنها ترفض أن تذهب معه إلى قريته بالوجه البحري بعد أن اصطحبها معه مرة ولم تندمج مع عائلته البسيطة أو إخوته المرتبطين به.. فكانت تعاملهم بتأفف وتعال وكأنها هبطت عليهم من كوكب آخر.

ويتدخل الأصدقاء المقربون للصلح بينهما من أجل ابنتهما الرضيعة.

إلى أن مرضت والدته وأحضرها إلى القاهرة للعلاج والإقامة في بيته.. لكن الزوجة الأرستقراطية لم ترحب بالأم الفلاحة.. فكانت تهملها وتتعالى عليها، ولم تراع مرضها أو حالتها النفسية.. ما دفع الأم أن تطلب من ابنها أن يعيدها لبلدتها لتلقي العلاج هناك لأنها لم تعتد أن تكون ثقيلة على أحد.

وحين صارح زوجته برغبة والدته في مغادرة بيته رحبت الزوجة وأخبرته أنها لم تستطع أن تتحملها في بيتها أكثر من ذلك.

فتأكد أنه أساء الاختيار وأن هناك فجوة بينه وبين زوجته تزداد كل يوم اتساعا وعمقا، وأنه من الصعب أن يكملا حياتهما معا.

وينفصلان بعد عامين من الزواج لتظل طفلتهما حائرة بينهما.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز