عاجل
الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
إلا أمي

إلا أمي

بقلم : سامية صادق

لم يستطع أبدا أن يسامحها ولا حتى أن ينظر في وجهها بعد أن قام بدفن والدته.. وقد خر منهارا بجوار مقبرتها، حتى إن المشيعين قد جذبوه بصعوبة وهو متشبث بثرى مدفنها لا يريد أن يغادرها.. أو يتركها وحيدة ويعود من دونها.



لقد سامح زوجته كثيرا فيما يخصه ويخص حياته وتجاوز مرارا عن أخطائها المتكررة في حقه من أجل أبنائه ونفسيتهم.. ولكن الآن يرفض أن يسامح في حق أمه.. فكيف يسامحها وهي من أساءت لها ولم تراع مرضها ولا ضعفها ووهنها في شيخَوختها فضاعفت حزنها وألمها في أيامها الأخيرة؟! كيف يسامحها وهي التي لم تتورع أن تطلب منه أن يرسل أغلى الناس إلى دار المسنين، لأنها لا ترغب في وجودها في بيته وترفض خدمتها! رغم أنها تعلم جيدا أن زوجها هو الابن الوحيد لها الذي وهبته أجمل أيام العمر وتفرغت له بعد وفاة والده وهو لا يزال طفلا صغير لا يتعدى عمره ثماني سنوات.. ورفضت أن تأتي له بزوج أم ربما يسيء معاملته أو يضيق بوجوده.. كيف يسامحها وهي التي صغرته ووضعته في حرج أمام أخواله وخالاته حين اتصلت بهم من ورائه وأخبرتهم أنها لا تتحمل بقاء حماتها معها في بيتها؟

كيف يسامحها وهي من تعمدت أن تفتعل المشاكل مع أمه المريضة وتتطاول عليها وتضايقها.. ولم تكتف بذلك بل قامت بتطفيش جليسة المسنين التي أحضرها لوالدته في البيت كي ترعاها وتعطيها الدواء في موعده بعدما لاحظ تقصير الزوجة وتذمرها؟! كيف يسامحها وهي من تدرك مدى ارتباطه بأمه ومكانتها لديه ورغم ذلك لم تكرمها أو تحسن معاملتها ولو لأجل خاطره.. وهو من يكرم أهلها ويرحب بهم دائما في بيته ويستقبلهم بحفاوة وبشاشة!

يعلن أمام المقربين أنه أبدا لن يسامحها ولن يغفر لها تجاوزها في حق أعز الناس.. ولن يصفح عنها أو يغفر لها أو يعتبرها زوجته إلى أن يموت.. وأنه سيظل معها كشكل اجتماعي فقط حتى تتزوج ابنته ويتخرج ابنه!

ولم يكتف بذلك بل يقسم أمام أصدقائهما المشتركين أنه سيجعلها تندم طول العمر على ما فعلته بوالدته.

إن ما فعلته زوجته مع أمه جعل الَمحيطين به يعذرونه ويبررون له غضبه وشعوره بالمرارة.. كما أنهم لم يستطيعوا التدخل بينهما من أجل الصلح والإصلاح، خاصة بعد وفاة الأم.

وقد عجل الزوج بزواج ابنته وهي ما زالت طالبة بالجامعة.. فابنته هي نقطة ضعفه الحقيقية وهي السبب الأساسي وراء بقائه مع أمها رغم الخلافات الكبيرة بينهما.. لم يكن يريد أن يصدمها أو يعرضها لأي ألم نفسي.. وقد تغلب على ذلك بتزويجها والاطمئنان عليها مع شاب اختاره لها بنفسه وأقنعها به.

ولم يكن قد مضى أيام على تخرج ابنه وحصوله على البكالوريوس.. إلا وقد اختفى الأب عن البيت ولم يخبر أحدا بمكانه.

وبعد أيام من غيابه فوجئت الزوجة بحارس العمارة يطلب منها أن تقوم بإخلاء الشقة التي تسكن بها خلال أسبوع على الأكثر ليتسلمها الساكن الجديد!

إن ما تسمعه يدهشها حتى اعتقدت أن البواب يهذي أو ربما فقد تركيزه ولا يدري ما يقوله أو مع من يتحدث؟!

لكنه يواصل كلامه ويؤكد لها:

أن زوجها قام ببيع الشقة منذ شهر تقريبا وأن الساكن الجديد سيتسلمها الأسبوع القادم.. وأن الزوج هو من طلب منه أن يبلغها بذلك.

لم تستطع أن تستوعب ما تسمعه.

والزوج يواصل صفعاته ويرسل لها ورقة الطلاق.. ويدفع مؤخر الصداق.

كما يتصل بابنه ويبلغه أنه لم يقصر تجاهه حتى تخرج وتحمل العيش مع زوجة قاسية أنانية وقدم تضحيات كبيرة من أجله هو وشقيقته.. وأنه سيساعده في الحصول على عمل وعليه أن يتحمل مسؤولية والدته أو لا يتحملها.. وأنه لم يعد مسؤولا عنهم بعد اليوم.

وقد آن الأوان أن يتحرر من قيودهم وينقذ ما يمكن إنقاذه من حياته التي مرت تعسة حزينة.. حتى إن والدته قد ماتت بحسرتها عليه.

ويتزوج خلال شهور قليلة ويخبر كلا من ابنه وابنته أن من يريد منهما أن يزوره فبيته وقلبه مفتوح لهما.. ومن لا يريد فله مطلق الحرية.. لكن الأهم من كل ذلك ألا يفتح أحد أمامه سيرة أمه.. ولا ينطق اسمها في وجوده.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز