عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
تجليات
بقلم
محمد نجم

تجليات

بقلم : محمد نجم

من محاسن الصدف الجميلة أن يأتي الشهر الكريم هذا العام مع بشائر فصل الربيع.



فالطقس الربيعي اللطيف مع انتشار الخُضرة المحملة بالورود والأزهار، يبعثان في النفس بهجة وراحة، وفي القلب سكينة واطمئنانًا.

وقديمًا قالوا: من لم يحركه الربيع وأزهاره والعود وأوتاره، فهو فاسد المزاج، ليس له علاج.

وإذا كان "الربيع"، يخاطب الحواس المعروفة من نظر وتذوق (الشم)، فما بالك بمن يخاطب الوجدان.. إنه شهر رمضان الكريم بروحانياته، حيث هو موعد محدد لأداء إحدى الفرائض الخمس، وهي الصيام.

وهو صيام.. ليس عن الأكل والشرب فقط.. للتذكرة بحكمة الخالق بضرورة مساعدة المحتاجين من الفقراء الذين قد يتضورون من الجوع ويشق عليهم الظمأ، وإنما هو صيام عن أذى الناس وارتكاب الرذائل.

نعم.. إنه شهر كريم تكثر فيه الخيرات، ويحاول كل منا التقرب بأفعاله إلى الله، فمنا من يكثر في صلاته خاصة في التراويح ومنا من يحاول إفطار أكبر عدد من الصائمين، من خلال ما أطلق عليه "موائد الرحمن"، ومنا من يزكي أو يتبرع لعلاج المرضى.. إلخ.

فكل يفعل ما في مقدرته، ومن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره.

ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، والله بكل شيء عليم.

وأنا ممن يسعدون بهذا الشهر الكريم، فهو بالنسبة لي شهر الروحانيات، وكل شيء فيه له معنى وإحساس مختلف.

ولله الحمد.. فأنا ممن يستمعون للقرآن ويتذوقون معانيه، وقد اعتدت ومنذ سنوات على ختم القرآن في رمضان على صوت الشيخ محمد صديق المنشاوي، حيث أقرأ بنظري في المصحف وأستمع بأذني لصوته، وهو يرتل القرآن في خشوع محبب يروى من ظمأ ويشبع من جوع.

ومؤخرًا.. أهداني المهندس عاطف مصطفى، مجموعة من الأسطوانات لتسجيلات نادرة لوالده شيخنا الكريم مصطفى إسماعيل.. فحلقت معها في أجواء روحانية مختلفة، خاصة عند سماعي لصور التحريم والحاقة والنمل، وتلك الأخيرة أبدع فيها شيخنا كثيرًا، خاصة عند تلاوته لآيات القرآن الكريم الذي يطلب فيها سيدنا سليمان من معاونيه أن يأتوه بعرش ملكة اليمن بلقيس، التي عبدت وقومها الشمس من دون الله، واستكبرت على الاستجابة لدعوته وأرسلت له بهدية، فيقول "عفريت من الجن.. أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك"، فيقول الذي عنده علم من الكتاب.. "أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك".. يا سبحان الله.

حيث يصل الشيخ إلى قمة الإبداع الصوتي في تكراره لكلمة "آتيك" متقلبًا بين كل المقامات الموسيقية المعروفة من الرصد والنهاوند والقرار.. والحجاز كار.. إلخ.

وكذلك فعل الشيخ الكريم في قراءته لبدايات سورة "الحاقة"، حيث يكررها بأكثر من قراءة.. ليصل بك الأمر للصراخ- من شدة الإعجاب- بالاستحسان.. مع تكرار الدعوة له بالرحمة.

كذلك فعل الصديق اللواء طارق نجل شيخنا الكريم عبد الباسط عبد الصمد، حيث أهداني مجموعة من التسجيلات النادرة لوالده، وخاصة سورة يوسف، وقصار السور، حيث عالم آخر من الأداء الصوتي الرفيع، حيث امتلك شيخنا الكريم حنجرة قوية ونفسًا طويلًا.. وعندما أستمع إليه وهو يقرأ سورة "يوسف"، أتوقف كثيرًا عند قراءته للآيات.. "وغلقت الأبواب.. وقالت هيت لك، فقال معاذ الله"، فشيخنا الكريم يقرأها بأكثر من قراءة ويعيد ويكرر أكثر من مرة.. مرة بلفظ "هيت لك"، وأخرى بهيئت لك".

ثم تستمر متعة الاستماع إلى آخر الآيات عندما يجتمع شمل الأسرة، بعد أن يعود الغائب، ويشفي المريض، وتثبت براءة المتهم..، ويتولى يوسف خزائن الأرض (مصر).

ومؤخرًا.. تلقيت دعوة كريمة للانضمام إلى صفحة الشيخ محمد صديق المنشاوي على "فيس بوك"، وبالطبع سارعت بالاستجابة، واكتشفت عالمًا آخر من قراءات الشيخ للقرآن المجود، بخلاف ما لدي من القرآن المرتل، فأبحرت معه بكل حواسي.. حيث جمال الأداء والخشوع الجميل.

ثم كانت المفاجأة.. عندما عثرت على تسجيل نادر للشيخين الكريمين عبد الباسط والمنشاوي، وهما يقرآن معا سورة يوسف، حيث بدا الأمر بالنسبة لي وكأنها مباراة في الأداء الصوتي الجميل لآيات القرآن الكريم، فكان كل منهما يقرأ مجموعة من الآيات، ثم يقوم الآخر بإعادة قراءتها مرة أخرى، وكل منهما يبدع بطريقته.

فتجد نفسك تصرخ مع المستمعين الذين يأتيك صوتهم من خلال التسجيل بكلمات الإعجاب، بعد أن تروي ظمأك بهذا الأداء المبهر لكلا الشيخين الجليلين عليهما رحمة الله.

ولله الحمد لم يقتصر الأمر عند ذلك، فقد أهداني أحد الأصدقاء "فلاشة"، تضم كل ابتهالات الشيخين الجليلين النقشبندي ونصر الدين طوبار، وأحدهما يقول "مولاي.. إني ببابك قد بسطت يدي.. من لي ألوذ إليه.. إلاك يا سندي"، والآخر.. يقول «"يا مجيب السائلين حملت ذنب"!

وهما مثالان لغيض من فيض.. فما بالك حين يهدي الصبح إشراق سناه؟، أو عندما جل المنادي!، ويا أيها الناس هذا يبان!

نعم.. رمضان كريم.. في كل شيء.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز