عاجل
الخميس 3 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
طهّر قلبك.. أنت في شهر الصيام

طهّر قلبك.. أنت في شهر الصيام

بقلم : محسن عبدالستار

يستعد المسلمون في كل أرجاء العالم، لاستقبال "درة" الشهور، وخير الأيام والليالي، شهر فيه عبادة هي خير العبادات، ألا وهي "الصيام"، فقد أقبل علينا الشهر الكريم، بنسماته ورحماته، وخيره الكثير الوافر.. بقدومه يفرح الناس ويهنئون بعضهم بعضًا، فيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وتصفد مردة الشياطين، فتعجز عن الإغواء وتزيين الشهوات، وهي من أعظم أسباب التغلب عليها والعافية منها ومن شرها.. فيه السماء تتزين، والأرض تتجمل، والجنة تتهيأ، فتفتح أبوابها فلا يغلق منها باب، والنار تغلق أبوابها فلا يفتح منها باب، استعدادًا لشهر رمضان.. فيه تتعاظم الأجور وتتضاف الحسنات وتمحى السيئات، وتعتق الرقاب من النار، فهو شهر به ليلة- ليلة القدر-خير من ألف شهر.



من كرامة هذا الشهر، أن الله سبحانه وتعالى أنزل فيه أعظم كتاب، وهو القرآن الكريم.. هو شهر البركات، فيه يترك العبد في نهاره كل ما تشتهيه الأنفس، من أجل طاعة الله وحده، لذا لا بد أن نعمل استعدادًا للقلب، لرفع الأعمال، فلا يأتي رمضان إلا وأخرجت الغرماء والمتخاصمين من قلبك، فأعمالك لا ترفع إلا بالعفو والتسامح، فعلينا استئصال أورام السيئات، ووقف نزيف الحسنات، بالصفح عمن أساءوا إلينا.. والأكثر من ذلك الاستغفار لهم، فهذه من شيم العظماء التي يتحلى بها الصائم في الشهر الفضيل.

شهر رمضان، مدرسة يتخرج الناس فيها، وقد غفر لهم ما تقدم من ذنوب، امتثالًا لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينطق عن الهوى، "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه".

وقال الإمام الشافعي- رحمه الله- العبادات معللة بمصالح الخلق، فما المصلحة التي تعود علينا من صيام هذا الشهر؟!

هل تصدق أنك أمام فرصة سنوية، كي يغفر الله لك كل ذنب اقترفته في الماضي.

لو أنك ارتكبت ذنوبًا كالجبال، فإذا صمت هذا الشهر صيامًا كما أراد الله، وأمر به من صيام طاعات، فلا تضيّع وقتًا دون عمل وذكر، صيام عبادة لا عادة، صيام تقوى لا معصية، صيام إقبال لا إعراض؛ غفر الله لك كل ذنب.

إن الأشياء العظيمة الجليلة، يُستعد لها قبل مجيئها، لذا يجب أن تكون سرعتك في رمضان مئة، فلا تبدأ من الصفر، بل تعود نفسك على الطاعات وخير الأعمال قبل رمضان، حتى إذا أحل الشهر الفضيل تكون وصلت إلى أعلى درجات الاستعداد للانطلاق إلى عمل الخيرات والطاعات.. الله عز وجل يحثنا على أن نفهم حكمة الصيام من أجل أن نراقب أنفسنا، هل نحن على الطريق الصحيح؟ هل نصوم الصيام الذي أراده الله؟ أحيانًا مع تقدم الأيام يصبح الصيام عادة من عاداتنا، وينفصل عن الاجتهاد فيعمل الخير، سهرات إلى الفجر، وما لذ وطاب من الطعام، وحديث غير منضبط، فيه غيبة ونميمة، ومن عاداتنا أن لقاءاتنا كلها، وسهراتنا والولائم لا تكون إلا في رمضان، وكأن هذا الشهر شهر أكل وشرب فقط ليس غير، فحينما نبتعد عن جوهر الدين، وعن حقيقة الدين، تصبح عباداتنا شكلية مفرغة من مضمونها.

إن الحكمة من الصيام اتقاء الشبهات باليقين، والقرآن الكريم يقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ".

إن الإنسان كائن متحرك، فما الذي يحركه؟ حاجته إلى الطعام والشراب، هذه حاجة أساسية، حفاظًا على بقائه كفرد في المجتمع، ما الذي يحركه؟ حاجته إلى الطرف الآخر، إلى الزواج، حفاظًا على بقاء النوع، لولا هذه الشهوة التي أودعها الله في الرجال والنساء لانقرض النوع البشري.

وأيضا شهوة التفوق، سمِّها إن شئت العلو في الأرض، حفاظًا على بقاء الذكر، لولا هذه الشهوة لما كانت بطولات ومنافسات على وجه الأرض، الإنسان بحاجة دائمة إلى أن يأكل من أجل أن يبقى، وبحاجة أيضا إلى أن يتزوج من أجل أن يبقى النوع، وبحاجة إلى التفوق من أجل أن يبقى الذكر.. فعلى الإنسان أن يتقي المعصية بالطاعة.. لعله يتقي غضب الله عز وجل برضوانه، ويتقي المعصية بالطاعة، ويتقى سوء الظن بالله بحسن الظن به، وحسن الظن بالله ثمنه الجنة، كأن الله عز وجل أراد أن تكون الصلوات الخمس شحنات يومية للإنسان، تمامًا مثل الهاتف الجوال، يحتاج إلى شحن دائمًا، فإن لم يشحن تنطفئ الشاشة ويصمت عن العمل، لا بد من الشحن، كذلك الإنسان عنده شحن يومي، الصلوات الخمس، وشحن أسبوعي خطبة الجمعة، وعندنا شحنة سنوية، مدتها ثلاثون يومًا هي "رمضان"، الصلوات شحنة، وخطبة الجمعة شحنة، ورمضان شحنة، لكن طويلة، ثلاثون يومًا، أما شحنة "الحج"، فهي شحنة العمر، عاد من ذنوبه كيوم ولدته أمه.

اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم.. وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز