عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
بلا كرامة

بلا كرامة

بقلم : سامية صادق

لم يتعاطف معها أحد من جيرانها.. لقد اعتبروا أن ما فعلته جرم كبير في حق زوجها وابنتها، بل إنه أيضا خسة وقلة أصل! فكيف يهون عليها بعد كل هذه العشرة الطويلة.. وتتركه وحيدا بعد أن تطلب الطلاق!



لكنني أختلف معهم وأشعر بالتعاطف معها والشفقة عليها أحيانا.. أنها جارتي الجميلة الطويلة ذات البشرة البيضاء الناعمة والشعر الكستنائي الفاتح.. والتي طلقت من زوجها بعد خمس وعشرين عاما من الزواج! بالتأكيد لو كانت تستطيع الاستمرار معه لاستمرت..  يبدو أنها فاض بها الكيل وصار الأمر فوق احتمالها.. أنني ألتمس لها الأعذار! فكم حدثتني من قبل عن تعاستها معه وعن كم عذابها وألمها وهي تحيا تحت سقف واحد مع شخص لا تطيقه.. وقد عاهدت نفسها ألا تتركه وتنفصل عنه إلا حين تتزوج ابنتها الوحيدة الطالبة الجامعية..  فهي لا تريد أن تعرضها للحرج حين يتقدم أحد لخطبتها ويجدها لأب وأم مطلقين فيتوجس منها.. ويخشى من تفكك أسرتها.

وقد تزوجت ابنتها منذ ثلاثة أسابيع فقط.. ورأت أنه قد حان الوقت لتتحرر من قيد زوج لا تحبه..  وحياة تجثم على أنفاسها وتكاد تخنقها.

وحين سألتها لماذا تريدين الانفصال عن زوجك؟! فآراه هادئا مهذبا.. وأعتقد أنه ليس رأيي وحدي بل إنه رأي كل الجيران، تقول وهي تتنهد بحرقة:

لا تنخدعي في كونه هادئا ومهذبا فليس كل هدوء أو أدب نابع عن طبع جميل أو مبدأ أصيل.. أن هدوئه ضعف.. وأدبه خوف! أنه خنوعا مهزوزا بلا شخصية أو حضور.. أنه مسالما مستسلما..  مبدؤه المشي جنب الحيط وإيثار السلامة! ليس له اهتمامات أو هوايات أو مواقف.. أنه إنسان بلا معنى أو تأثير! يبدو أنها كانت على حق.. لقد شعرت بشيء من ذلك حين تحدثت معه من قبل.. 
أقول لجارتي: وهل اكتشفت كل هذه العيوب بعد ربع قرن من  زواجكما؟!
تقول بأسى: بل اكتشفتها منذ أول يوم جاء لخطبتي، حيث كان الشقيق الأصغر لزوج خالتي التي حاولت إقناع والدي ووالدتي به.. وكان يعمل موظفا صغيرا بوزارة الزراعة.. وحين رفضته أصرت أمي وضربني أبي كي اتزوجه.. وقد صارحته بما حدث آملة أن يثور لكرامته ويرفض الزواج مني ويتركني.. لكنه لم يبال بمشاعري ولا بما قلته.. ويتزوجني رغما عني ودون رغبتي.. فيزداد احتقاري وكراهيتي له.. وأنجبت منه ابنتي الوحيدة التي تحملت من أجلها الحياة مع شخص لا أطيقه.
أقول لجارتي: شهدت كثير من الحكايات مثل حكايتك..  ولكن مع العشرة والتعود والأبناء يتولد الحب والانسجام.. ويعيش الزوجان في سعادة.

تقول وهي تهز رأسها بالنفي: أبدا لم تولد العشرة بيننا الحب بل ولدت مزيد من الكراهية وصعبت بيننا الحياة أكثر!

أن العشرة تولد الحب حين تجمع الزوجين المواقف الجميلة والسلوكيات النبيلة.. ولكن مواقف زوجي كلها مشينة ومخزية! أن جبنه وخنوعه وخضوعه للآخرين يزيدونني نفورا منه ويشعرونني بأنني لم أتزوج من رجل.. حتى أهله أيضا يستهينون به ولا يحترمونه!

ثم تقول جارتي بنبرة لا تخلو من ألم: أسوأ شيء في الحياة أن تتزوج المرأة من رجل مهزوز ضعيف الشخصية.. فمهما فعل لإسعادك ستظلين تعسة معه! فلن يستطيع أن يدافع عنك أو يحافظ عليك أو يصون كرامتك أو يحفظ مكانتك أمام المجتمع.

أسألها بدهشة: تحملين له كل هذه الكراهية بسبب ضعف شخصيته فقط! نعم.. كنت أحلم برجل مهيب قوي يحترمه الآخرون ويهابونه ويعملون له ألف حساب.

ثم تستطرد وهي تقول وكأنها تبكي:
هل تعلمين أنه بسبب شخصية زوجي الخنوعة صرت مطمعا لكل من هب ودب!

أسألها مستفسرة: كيف ذلك؟!

تقول بصوت مختنق: إن كثيرا من الرجال الذين يعرفون زوجي جيدا وتعاملوا معه أصبحوا يتجرءون عليّ بلا مبرر.. فمنهم من يعاكسني ومنهم من يتحرش بي.. لكن ربما يكون مبررهم الحقيقي هو الاستهانة بزوجي الضعيف وعدم احترامه أو عمل أي حساب له..  ولتأكدهم أنه لن ينفعل أو يثأر لكرامة زوجته!

ولم يكن قد مر عام على انفصالها عن زوجها وطلاقها منه إلا وأسمع أن جارتي التي أعلنت أمام كل الناس كراهيتها لزوجها وعدم احتمالها العيش معه تعود إليه من جديد بعد أن عجزت عن دفع إيجار الشقة التي استأجرتها وعن الإنفاق على نفسها!

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز