عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
التكافل الاجتماعي على موائد الرحمن

التكافل الاجتماعي على موائد الرحمن

بقلم : محسن عبدالستار

 



في مشهد رمضاني يعكس تصاعد درجة التراحم خلال الشهر الكريم، تعد موائد الرحمن من أبرز مظاهر التكافل الاجتماعي، التي تصاحب شهر رمضان، على مستوى العالم الإسلامي.. وهي سنة، وطريقة يتبعها البعض للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى..  فهي أهم ما يميز الشهر الفضيل، الذي يسارع فيه الأغنياء لبذل أموالهم طمعًا في رضا رب العالمين وجنة عرضها السماوات والأرض.

ويقصد بالتكافل الاجتماعي، أن يكون أفراد المجتمع مشاركين في المحافظة على المصالح العامة والخاصة، ودفع المفاسد والأضرار المادية والمعنوية، بحيث يشعر كل فرد فيه بأنه إلى جانب الحقوق التي له أن عليه واجبات للآخرين، خاصة الذين ليس باستطاعتهم أن يحققوا حاجاتهم الخاصة، وذلك بإيصال المنافع إليهم ودفع الأضرار عنهم.

إذًا التكافل يتدرج ليشمل الإنسانية كلها، فيبدأ الإنسان المسلم بدائرته الذاتية، ثم دائرته الأسرية، ثم محيطه الاجتماعي، ثم إلى تكافل المجتمعات المختلفة.

وفي الشهر الفضيل يظهر التكافل الاجتماعي، متمثلًا في عدة صور، منها موائد الرحمن، التي تعتبر من أهم مظاهر الشهر الكريم.  

والسؤال هنا: ما المقصود بمائدة الرحمن، ومن أول من أبدع هذا النوع من التكافل الاجتماعي؟!

هو اسم يطلق على مائدة إفطار تقام طوال أيام شهر الصيام.. فيه يقطع الكثيرون من أهل الخير الشوارع والطرقات والأزقة كل يوم في رمضان، قبيل رفع أذان المغرب، ليجودوا على الصائمين بما أنعم الله عليهم به من تمر وعصائر وزجاجات مياه، في تقليد سنوي ممتد لا يتوقف مهما كانت الظروف الاقتصادية في أنحاء مصر المحروسة.

تعج شوارع القاهرة خلال شهر رمضان الفضيل بموائد الرحمن، التي تُعتبر أحد أبرز مظاهر التكافل الاجتماعي، التي يتميز بها الشهر الكريم، فمن خلالها تقدم أطباق الإفطار التي تتنوع بحسب الأحياء التي تقام فيها، سواء راقية أو شعبية، والأشخاص الذين ينفقون عليها، لكن في مجملها تقدم الإفطار الذي يكفي الصائمين من الفقراء والمحتاجين وعابري السبيل أيضًا.

لقد كان أول من بدأ بالإعداد لموائد الإفطار، النبي صلى الله عليه وسلم، عندما أرسل إفطارًا للمسلمين في الطائف،في السنة التاسعة هجريًا، وبعدها اتبعه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، عندما فتح دار الضيافة للمساكين والمحتاجين. ومن الروايات المتواترة، أن أول مَنْ أقام مائدة الرحمن في مصر هو الأمير أحمد بن طولون- مؤسس الدولة الطولونية- في السنة الرابعة لولايته، حيث جمع القادة والوزراء والتجار والأعيان على مائدة حافلة في أول أيام رمضان، وخطب فيهم: "إنني لم أجمعكم حول هذه الأسمطة- أي ما يُمَدُّ لِيُوضَعَ عليهالطعامُ في المآدبِ ونحوِها- إلا لأعلمكم طريق البر بالناس، وأنا أعلم أنكم لستم في حاجة إلى ما أعدّه لكم من طعام وشراب، ولكنني وجدتكم قد أغفلتم ما أحببت أن تفهموه من واجب البر عليكم في رمضان، ولذلك فإنني آمركم أن تفتحوا بيوتكم، وتمدّوا موائدكم، ليأكل الفقير المحروم".

لقد أفادت دراسة أجرتها جامعة الأزهر، أن موائد الرحمن في القاهرة وحدها تتكلف ما يزيد على مليار جنيه، وهذايساوي ما تنفقه المحافظات الأخرى مجتمعة على تلك الموائد في شهر رمضان.

وأشارت إلى أن عدد المستفيدين من موائد الرحمن يبلغ ثلاثة ملايين شخص يوميًا، مع العلم أن عدد الجهات أو الأشخاص الذين يقومون على تنظيم تلك الموائد يصل إلى عشرة آلاف جهة أو طرف.

موائد الرحمن لا تُقدّم الطعام فقط، بل هذا الجو الرمضاني الذي يسوده الروحانيات والحميمة، والذي يشكّل مناخًا طيبًا لاكتساب المودة والمحبة من أناس قد لا تعرفهم، لكنك تستأنس بهم، وتسعد بمجاورتهم على تلك الموائد طوال الشهر الفضيل.

وتطوّرت مائدة الرحمن في العصر الحديث لتتواكب مع متغيّرات العصر، وتحوّلت من مائدة يوضع عليها الطعام، ويأتي إليها الصائمون لتناوله، إلى وجبات تُعدّ وتُرسل إلى الفقراء في البيوت، أو تُوزع على المستشفيات ودور الأيتام والمسنين، وأيضًا تُقدّم للمارة في الشوارع في وقت الإفطار.

اللهم احفظ مصر وأهلها من كل سوء.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز