عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
دعوة لحسن الخلق

دعوة لحسن الخلق

بقلم : محسن عبدالستار

لا شك أن السعادة، كل السعادة، في الإيمان بالله والعمل الصالح، والأخلاق الكريمة، وعلى قدر امتثال الفرد لتعاليم دينه في سلوكه وأخلاقه تكون سعادته.



إن الإنسان، جسد وروح، ظاهر وباطن، والأخلاق تمثل صورة الإنسان الباطنة، التي محلها القلب، وهذه الصورة الباطنة هي قوام شخصية الإنسان، فالإنسان لا يُقاس بطوله وعرضه، أو لونه وجماله، أو فقره وغناه، وإنما بأخلاقه وأعماله المعبرة عن هذه الأخلاق.

يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ".

الأخلاق لغة:

جمع خلق، والخُلُق- بضمِّ اللام وسكونها- هو الدِّين والطبع والسجية والمروءة، وحقيقته أن صورة الإنسان الباطنة وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخَلْق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها.

لذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "...واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت".

والخلق اصطلاحًا: عبارة عن هيئة في النفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر، من غير حاجة إلى فكر ولا روية، وهذه الهيئة إما أن تصدر عنها أفعال محمودة، وإما أن تصدر عنها أفعال مذمومة، فإن كانت الأولى، كان الخلق حسنًا، وإن كانت الثانية، كان الخلق سيئًا.

وأبرز ما يراه الناس في الإنسان هو الخلق، فالناس لا يرون عقيدة الشخص؛ لأن محلها القلب، ولا يرون أيضا كل عباداته، لكنهم يرون أخلاقه، ويتعاملون معه من خلالها، لذا فإنهم سيقيمون دينه بناء على التعامل معه، فيحكمون عليه عن طريق خلقه وسلوكه.. وخير مثال، حينما دخل عمر بن عبد العزيز المسجد ليلة في الظلمة، فمرَّ برجل نائم فعثر به، فرفع رأسه وقال: أمجنون أنت؟ فقال عمر: لا.

فهمَّ به الحرس، فقال عمر: اتركه، إنما سألني أمجنون؟ فقلت: لا.

حُكيَ أن جارية كانت تصب الماء لـ"علي بن الحسين"، فسقط الإبريق من يدها على وجهه فجرحه، فرفع رأسه إليها، فقالت له: إنَّ الله يقول: "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ" فقال لها: قد كظمت غيظي. قالت: "وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ" قال لها: قد عفوت عنك. قالت: "وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"، قال: اذهبي فأنت حرة لوجه الله.

هكذا هي أخلاق العظماء.

إن الأخلاق تزرع في نفس صاحبها الرحمة، والصدق، والعدل، والأمانة، والحياء، والعفة، والتعاون، والتكافل، والإخلاص، والتواضع.. وغير ذلك من القيم والأخلاق السامية، فالأخلاق بالنسبة للفرد هي أساس الفلاح والنجاح في هذه الحياة.

أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية لا يستطيع أفراده أن يعيشوا متفاهمين متعاونين سعداء، ما لم تربط بينهم روابط متينة من الأخلاق الكريمة.. فهي ضرورة اجتماعية، لا يستغني عنها مجتمع من المجتمعات، ومتى فقدت الأخلاق التي هي الوسيط الذي لا بد منه لانسجام الإنسان مع أخيه الإنسان، تفكك أفراد المجتمع.

هل من الممكن أن تتخيل مجتمعًا من المجتمعات انعدمت فيه مكارم الأخلاق كيف يكون هذا المجتمع؟!

كيف يكون التعايش بين الناس في أمن واستقرار، وكيف يكون التعاون بينهم في العمل ضمن بيئة مشتركة، لولا فضيلة الأمانة؟

كيف تكون أمة قادرة على إنشاء حضارة لولا فضائل التآخي، والتعاون، والمحبة، والإيثار؟ كيف تكون جماعة مؤهلة لبناء مجد عظيم لولا فضيلة الشجاعة في رد عدوان المعتدين وظلم الظالمين.

إذًا لا يستقيم إيمان عبدٍ، حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، وتحسن أخلاقه.. فحسن الخلق من الأمور السهلة التي يحبها البشر ويألفها الناس.

إن أكثر ما يدخل الإنسان الجنة هو حسن الخلق، كما قال نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه".

إن النبي الكريم له الكثير من الخصائص التي ينفرد بها، لكن الله حينما مدحه مدح أخلاقه فقط، فقال: "وإنك لعلى خلق عظيم".

أتريد أن تكون الأقرب إلى رسول الله عليه السلام يوم القيامة؟! لو أردتها، فعليك بفعل أشياء وترك أخرى خلاصتها.. "راجع أخلاقك".

عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا، وإن من أبغضكم إليّ وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون".. قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارين والمتشدقين فما المتفيهقون؟ قال: "المتكبرون".

إن الكلمة الطيبة صدقة، قد ترقى بها رقيًا لا يعلمه إلا الله.. وإذا بحثنا في التاريخ نجد أن الشرق الأقصى، ممثلًا في إندونيسيا والفلبين وماليزيا، لم يعتنق أهله الإسلام بفضل فصاحة الدعاة، بل بأخلاق التجار الذين ذهبوا إلى بلدانهم، فكانوا يرون الإسلام في سلوكهم وتعاملهم.. فكانوا خير سفراء للدين بفضل أخلاقهم.

اللهم كما حسنت خلقنا حسن أخلاقنا وزينا بزينة الحلم.. رمضان كريم.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز