عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الشيخ طنطاوي جوهري
بقلم
محمد نجم

الشيخ طنطاوي جوهري

بقلم : محمد نجم

بقدر السعادة التي يشعر بها الإنسان من متابعة نشاط المجتمع المدني المتنامي في مجال الرعاية الصحية، حيث يقام حاليًا أكثر من سبع مستشفيات جديدة- وفي محافظات مختلفة- لعلاج السرطان والحروق والأطفال من خلال تبرعات المصريين.



بقدر الحزن الذي يصيب الإنسان من التركيز الإعلامي- غير المبرر- على بعض ممن لا يستحقون ذلك، سواء كانوا من الفنانين المبتدئين أو من صغار لاعبي كرة القدم ومشاكلهم مع أنديتهم التي دفعت فيهم ملايين الجنيهات!

فهناك عمل جاد يقوم به «مصريون» في صمت إعلامي غير مفهوم، لا يبغون من ورائه سوى وجه الله وخدمة هذا الوطن.

ومن النماذج المحترمة في هذا المجال.. أحفاد رفاعة رافع الطهطاوي، رائد النهضة التعليمية والمجتمعية في مصر في أوائل القرن قبل الماضي.. حيث عصر محمد علي مؤسس مصر الحديثة!

فقد أسست د. علياء رافع أستاذ الإنتربيولوجي بجامعة عين شمس بالتعاون مع أشقائها وشقيقاتها ومنهن الكاتبة وخبيرة التنمية الذاتية عائشة رافع.. مؤسسة أهلية بتمويل ذاتي.. بهدف «التنمية الذاتية» للكبار والصغار من خلال عدة مشروعات مختلفة، منها مشروع «أصل ووصل» والذي يعمل على نشر الوعي المجتمعي بالحضارة المصرية، ومشروع «كن نفسك.. تكن سعيدًا» ومشروعات أخرى هدفها النهائي نشر المحبة والسلام.

لكن ما يهمنا في هذا المجال.. هو مشروع النشر، الذي أصدرت من خلاله المؤسسة عشرة كتب حتى الآن، منها رحلة في عالم الإنسان (مترجم)، ومفاهيم بشرية، ومؤخرًا كتاب «العقد الجوهري»، وهو تعريف بعالم مصري قد لا يعلم عنه المصريون كثيرًا، وهذا الكتاب الذي أعاد اكتشاف- في رأيي- شيخنا الجليل.. عبارة عن ترجمة لحياته ومؤلفاته ونشاطه العلمي والأدبي المتعدد بقلم أحد تلاميذه وهو زكريا أحمد رشدي السكندري.. الذي كان يصدر مجلة «الرشديان» في مدينة الإسكندرية في تلك الفترة المعاصرة لحياة شيخنا الذي ولد عام 1822 وتوفي في عام 1940.

والمفاجأة المذهلة في هذا الموضوع أن الحكومة المصرية رشّحت الشيخ الجوهري لجائزة نوبل للسلام وبترشيح من د. مصطفى مشرفة عميد كلية دار العلوم آنذاك، ود. عبد الحميد سعيد عضو البرلمان المصري وقتها.

فمن هو الشيخ طنطاوي جوهري.. العالم الأزهري المتعدد المواهب.. والذي بلغت مؤلفاته أكثر من 30 مؤلفا على رأسها تفسيره للقرآن الكريم في 26 جزءًا؟

ولد شيخنا الجليل بإحدى قرى محافظة الشرقية لأسرة ميسورة نسبيا كانت تهتم بتعليم أبنائها، وكعادة أهل الريف أرسله والده في بداية حياته لأحد الكتاتيب لتعليم القرآن الكريم، وعندما بلغ عمره 13 عاما أرسله إلى الجامع الأزهر مع أولاد عمومته، وظل فيه ست سنوات كان فيها مثالا للذكاء والنبوغ بين أقرانه، وفوجئ بمرض والده قبل تخرجه فانقطع عن الدراسة وعاد إلى قريته لمباشرة الأعمال الزراعية.. وعن تلك الفترة يقول شيخنا في أحد كتبه (التاج المرصع)، خلقت بطبعي أميل إلى النظر والتأمل في العالم، فكانت السنة عندي نصفين؛ نصف أقضيه في الدرس والطرس في الجامع الأزهر الشريف في القواعد العربية والمسائل الفقهية؛ كالمعاملات والعبادات العملية، فإذا عدت إلى الحقول والمزارع في النصف الآخر.. أجلت فيها النظر، وسرحت فيها الفكر، فأرى جمالا باهرا، ومنظرا زاهرا وحسنا ناضرا، وسلطانا قاهرا، فما تركت فاكهة ولا أبا، ولا نجما ولا شجرا إلا تأملت أشكالها الظاهرة ومحاسنها الفاخرة، وروائحها الذكية، وألوانها الزاهية الباهية، فأقول: يا ليت شعري! ألم يكن هذا النظر أولى بمدارسنا الإسلامية؟ أوليس الذي خلق السماء فسواها، والأرض فدحاها، والأنهار فأجراها.. إلخ

ثم يقول: لماذا لم يفرض علينا أن نلم بأطراف ما ذرأ في الكائنات وما أبدع في المخلوقات؟

ثم يقول: ظللت حائرا بين نظري والدين، والتقليد واليقين.. وقرأت قول الله تعالى: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» (البقرة 164).

فازداد شوقي للعلوم والحكمة والطبيعة والفلسفة، وعلم الإنسان والحيوان.. فقررت الالتحاق بمدرسة دار العلوم.

وعين بعد تخرجه مدرسا نقل لأكثر من مدرسة.. واستقر في مدرسة الخديوية الثانوية بالجيزة.. حيث ألف أربعة كتب في النحو والإنشاء، والتقوى، وأدبيات اللغة العربية.

ثم تم اختياره ليكون أول أستاذ مصري يقوم بتدريس مادة الفلسفة في الجامعة الأهلية - القاهرة حاليا - عند افتتاحها، ولكن نظرًا لارتباطه بالحركة الوطنية ومعارضته للاحتلال الإنجليزي، أقصى من الجامعة بعد عام واحد، وعاد للتدريس في المدارس الثانوية التي انتقل منها إلى المدرسة العباسية بمدينة الإسكندرية، حيث التف حوله تلاميذه الشغوفين بالعلم لينشئوا حلقة علمية أطلقوا عليها «الجامعة الجوهرية».. كان من بين روادها تلميذه زكريا رشدي، كاتب هذه المذكرات والتي عرضها حفيده د. فتحي صالح أستاذ الحاسبات في هندسة القاهرة.. في إحدى الندوات التي عقدت مؤخرًا بمكتبة القاهرة.

المهم أن شيخنا أنتج الكثير من المؤلفات في تلك الفترة بلغت أكثر من الثلاثين كتابا، أهمها تفسير القرآن الكريم بعنوان «جواهر التفسير»، وكتاباه «أحلام في السياسة، وأين الإنسان».. اللذان يدعوان للسلام العالمي.. ما حدا بالحكومة المصرية وقتها لترشيحه لجائزة نوبل للسلام، إلا أن القدر عاجله بالوفاة قبل البت في الترشيح، حيث لا تمنح الجائزة إلا لمن على قيد الحياة من العباقرة.

لقد تعمدت الإطالة في عرض أفكار الشيخ ومؤلفاته.. حيث الجدل المجتمعي الدائر حول تجديد الخطاب الديني.. فهذا عالم أزهري جليل كتب عن جمال العالم، والموسيقى العربية، والمدخل في الفلسفة، والقرآن والعلوم العصرية، وبهجة العلوم، وأحلام في السياسة!

ومن حُسن الحظ أن حفيده د. فتحي صالح والذي كان يتولى إدارة مركز التراث بمكتبة الإسكندرية أنشأ صفحة على الإنترنت وضع فيها معظم مؤلفات شيخنا الجليل.

أخيرًا.. الشكر موصول لأحفاد أستاذنا الجليل رفاعة الطهطاوي على رؤيتهم ورسالتهم.. وعملهم الجاد الذي يستكملون به إنجازات جدهم مؤسس النهضة التعليمية والمجتمعية في مصر الحديثة في بدايات القرن قبل الماضي.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز