عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
رمضان.. نقوش على جدار الزمان!

رمضان.. نقوش على جدار الزمان!

بقلم : د. شريف درويش اللبان

أول ذكرياتي العالقة في ذهني في رمضان عندما كان عمري 8 سنوات في العام 1973 هي لمة الأسرة حول الطبلية ساعة الإفطار، لم يكن لدينا ثلاجة، لذا كان لزامًا عليّ أن أذهب كل يوم إلى بائعة الثلج لأشتري منها قطعة ثلج بخمسة قروش أو بعشرة قروش على حسب إذا كان لدينا عزومة على الفطار أم لا، وذلك لكي يشرب الصائمون الماء المثلج بعد يوم صيام طويل وشاق، ولم يكن لدينا بالطبع تليفزيون، بل كان لدينا مذياع نضعه مكانًا عليًا، حيث يوجد رف علوي يوضع عليه، ونقوم بتشغيله ابتداءً من قرآن المغرب، وحتى مدفع الإفطار وأذان المغرب ثم ابتهال الشيخ النقشبندي ومسلسل رمضان الإذاعي، وفي العاشر من رمضان من ذلك العام الموافق السادس من أكتوبر، وعلى حين غِرة دخل أبي مسرعًا ومتهللًا وهو يصيح افتحوا الراديو بسرعة فيه بيان للقوات المسلحة، الظاهر إن إحنا عملناها يا ولاد، ففتحنا الراديو وسمعنا البيان، وهللنا جميعًا وكبرنا على ما أنعم الله به علينا في شهر الفتوحات، الذي شهد معركة بدر الكبرى، وأخذت ألسنتنا تلهج بالدعاء لأبطال القوات المسلحة البواسل، وأن يقيد لهم جنودًا من عنده يحاربون إلى جوارهم، أذكر جيدًا كيف كانت آذاننا متعلقة بالراديو منذ ذلك البيان وعلى مدار الساعة لكي نتابع تطورات الحرب، ولم نكتفِ بهذا، بل كنت أذهب كل صباح إلى بائع الجرائد الوحيد في مدينتي بالقليوبية لكي أشتري الجرائد لنقرأ مزيدًا من أخبار الحرب ونشاهد صورها.. كانت أياما مجيدة أثبتت أن المقاتل المصري ووراءه الشعب المصري لا يرضوْن بالهزيمة، بل يطمعون دائمًا في نصر الله، ويثقون في قدراتهم التي أكد عليها الرسول الكريم من أن المصريين خيرُ أجنادِ الأرض.



أذكر كذلك أنني خضت أول امتحانات لي في رمضان في الثانوية العامة في يونيو 1983، حيث وقع آخر امتحانيْن لي في اللغتيْن الإنجليزية والفرنسية في الأيام الأولى من الشهر الفضيل، وأذكر أنني لم أجد أي مشقة أو معاناة فيهما، لأنني كنت شاطرا جدًا في اللغات، وكنت مخططا أن ألتحق بكلية الألسن مع رفيق عمري، وهو ما لم يتحقق، وتلك قصةٌ أخرى، المهم أن الامتحانات الرمضانية لازمتني بعد ذلك في السنوات الأربع التي درستها في كلية الإعلام جامعة القاهرة، وكذلك في امتحانات السنة التمهيدية للماجستير، وكانت المذاكرة في رمضان من أصعب ما يكون في ظل ضيق الوقت والخريطة البرامجية الرمضانية بالتليفزيون والعامرة بالفوازير والمسلسلات الدينية والاجتماعية، وفي ظل الالتزام يوميًا بأداء صلاتيْ العشاء والقيام بالمسجد، ولكن كنت أواصل الليل والنهار حتى أداء الامتحان لأعود لأنال قسطًا من الراحة، مع العلم أنني كنت أسافر من بلدتي لجامعة القاهرة لأداء الامتحان. وهكذا، تدور الأيام دورتها، ليخوض أبناؤنا الامتحانات في رمضان.

كان أكثر ما يميز رمضان في التليفزيون المصري قبل تدشين القنوات الفضائية المسلسلات الدينية ذات الإنتاج الضخم من ديكور وتصوير وإخراج وقصة لكاتبٍ كبير ونجوم التمثيل اللامعة الذين كانوا يتبارون فيما بينهم في الأداء، لقد نشأنا وتربيْنا على مسلسلات دينية عظيمة مثل "محمد رسول الله" (صلى الله عليه وسلم) بأجزائه المختلفة و"الكعبة المشرفة" و"على هامش السيرة".. وغيرها من المسلسلات التي كانت تربي فينا العقيدة الدينية، وتضع أمامنا المسلمين الأوائل كقدوةٍ ومَثَل.

وحزنت جدًا هذا العام وفي الأعوام السابقة، حيث أصبح رمضان يخلو من مسلسل ديني سواء على قنوات التليفزيون المصري أو القنوات الفضائية الخاصة، واكتفت القنوات جميعها بمسلسلات تسيطر عيها ظاهرة غريبة وهي ظاهرة "التحليل النفسي"، مثل مسلسل "زي الشمس" الذي جعل الناس تهتم بشخصية "نور" وتُلم بأبعاد شخصيتها وعُقدها النفسية، والبحث عمن قتلها، علاوة على المسلسلات التافهة التي يطلقون عليها أنها مسلسلات كوميدية مثل "فكرة بمليون جنيه" لعلي ربيع، التي يمكن أن تصيب المشاهدين بالعته، وكله كوم وبرنامج "شيخ الحارة" الذي يتتبع عوْرات الناس في رمضان كوم تاني.

والأسوأ من هذا كله هو كَم الإعلانات التي لم يصبح لها ضابط ولا رابط؛ لدرجة أن الفاصل الإعلاني أصبح يزيد خمسة أضعاف المحتوى الدرامي، علاوة على تكرار الإعلان الواحد أكثر من مرة في الفاصل الإعلاني الواحد.. أخشى أن يقاطع المصريون الدراما الرمضانية احتجاجًا على احترام المشاهد في السنوات القادمة.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز