عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
(النصف غير الآخر) نصف الوقت

(النصف غير الآخر) نصف الوقت

بقلم : سامية صادق

كان من بين المرضى الذين يترددون على عيادتها كطبيبة أسنان.. لم تكن تنتبه لنظراته لها التي تنم عن إعجابه الشديد بها.. وربما اعتادت ألا ترى من أي مريض حين يجلس أمامها سوى أسنانه التي تحتاج إلى إصلاح وتهذيب وعلاج!



ورغم أنه قد انتهى من علاج أسنانه إلا أنه يأتي للعيادة ويحجز كشفا من جديد وحين يحين دوره في الدخول لغرفة الطبيبة الجميلة يجلس أمامها مضطربا ثم يستجمع قواه قائلا بلا مقدمات:

أريد أن أتزوجك

لا شك أن كلماته كانت مفاجأة لم تتوقعها.. حتى شعرت بالخجل والارتباك.. فأطرقت وجهها في الأرض وكأنها تهرب من نظراته.

ويستطرد قائلا.. لقد تمنيت ذلك منذ المرة الأولى التي دخلت فيها عيادتك ورأيتك.. فلمحت خلف نظارتك الجادة قلب طيب رقيق.. وروح جميلة حلوة.. وملامح هادئة طيبة. 
تشعر بكثير من الدهشة.. كيف يتجرأ عليها هذا الرجل بتلك الطريقة؟! وكيف يسمح لنفسه أن يقول لها مثل هذا الكلام؟!

تقول بلهجة محددة تحاول أن تخفي وراءها اضطرابها:

أنت لا تعرفني جيدا كي تقول لي هذا الكلام وتطلبني للزواج؟!

أرجوك..  هناك مرضى في انتظاري.. والعيادة مكان للكشف والعلاج وليست لتلقي طلبات الزواج.. يبتسم وهو ينهض من مكانه.. ثم يخرج من حافظته كارت عليه اسمه وتليفوناته يناوله لها.. قائلا: سأنتظر الرد.

ويغادر العيادة تاركا فوق مكتبها ابتسامته وكلماته ونظراته يداعبون مخيلتها.. إنها لم تكن تدرك من قبل أن هذا المريض وسيم تلك الوسامة التي تحبها إلا حين طلبها للزواج.. إنه ذو لون خمري محبب وملامح مصرية جذابة وقوام رياضي قوي كما أن طابع الحسن المغروس في ذقنه يزيده رجولة وجاذبية.. إنه يذكرها بالفنان صلاح قابيل.. حتى صوته تراه جميلا مميزا بنبراته الرخيمة الحانية.. وتعترف أنها منذ وقت طويل لم يتقدم لها عريس بهذه الوسامة.. إن آخر شخص تقدم لها كان بلا شكل أو شخصية رغم أنه كان يعمل بمنصب مهم.. لكنه طوال الوقت يبدو خائفا حتى إنها حين أظهرت اعتراضها على بعض القرارات والتوجهات السياسية ظل ينظر يمينا ويسارا خشية أن تسمع الحيطان الحوار! قائلا بخوف:
كده هتوديني في داهية!

رغم أن ما تحدثت عنه هو ما يتحدث فيه كل الناس ويكتبونه على فيس بوك بلا قلق!

وكم من رجل طلبها للزواج كان طامعا في دخلها وعيادتها.. لقد مر عليها الندل والوصولي والاستغلالي والمريض نفسيا والمصاب بجنون العظمى والضعيف والمتردد.. لقد شاهدت نماذج عجيبة من البشر أبعد ما تكون عن الصفات الإنسانية الحقيقية.

وربما لو كانت قد ارتبطت بأي منهم لحسدها عليه الآخرون لمنصبه أو لمظهره أو لعائلته وربما يحل لها أزمة أمام المجتمع فتتزوج وتنجب وتتخلص من صداع مجتمع لا يرحم ولا يعترف بامرأة من دون رجل!  لكنها في الحقيقة ستكون قد خدعت نفسها وأهانتها بارتباطها بشخص غير مقتنعة به!

حين تعود إلى للبيت تتلقى اتصالا تليفونيا من نفس الشخص الذي طلب منها الزواج أثناء وجودها بالعيادة.. وقد طالت مكالمته وامتدت لأكثر من ساعة وظل يتحدث معها في كل الموضوعات بطلاقة وسلاسة.. فتراه يمتلك عمقا إنسانيا رائعا.. كما كان رقيقا حساسا في حديثه.. لم يتلفظ بلفظ يغضبها ولم يلجأ للتعبيرات الملتوية التي تحمل معنيين أو يستخدم كلمات ذات إيحاءات تجرح حياء المرأة كما يفعل كثير من الرجال!

ولقد تأثرت بمكالمته وأصبحت تنتظرها كل يوم إلى أن تعلقت به وشعرت بأنها لا يمكنها الاستغناء عنه.. إنها كل يوم تتأكد من نقائه ومن شهامته ورجولته..  فيتحدث عن عائلته بحب شديد ويصل الرحم ويساعد الفقراء.. كما أنه لا يتكلم عن المال كثيرا.. لكنه يخبرها بما يصدمها حين اعترف لها بأنه متزوج ولديه ثلاثة أبناء
فوضعها في صراع مع نفسها.

إن قلبها يختاره ويلهث وراءه..  بينما يرفضه عقلها ويمنعها عنه.. إنه يؤكد لها أيضا أن زوجته لها مكانة في قلبه وأنه لا يكرهها لكنها لا تفهمه في كثير من الأمور.. وأن الحب الذي بينهما هو ذلك الحب الذي تصنعه العشرة الطيبة والأبناء المشتركين.. لكنه يبحث عن الحب الحقيقي الذي يخطف قلبه من النظرة الأولى واللحظة الأولى.. الحب الذي تلتقي فيه الأرواح وتتقارب وتتعانق ولا تفترق.. الحب الذي يحول العمر كله إلى لحظة جميلة مع الحبيب فنختصر في هذه اللحظة الحياة بأكملها!

إنها تقتنع بما يقول فيردد ما تؤمن به وتعتقده كأنه يتحدث بلسانها.. كما يزداد تقديرها له لأنه تحدث باحترام عن زوجته.. كان يمكنه أن يكذب عليها كما يكذب كل الرجال في مثل هذه الأمور ويخبرها بأن زوجته لا تطاق ويعدد مساوئها وسلبياتها ويدعي أنه منفصل عنها غير مطلق رسميا لكنه مضطرا أن يعيش من أجل الأبناء!

إن كل الرجال يكذبون في مثل هذه الأمور ويرددون تلك الأسطوانة المستهلكة.. لكنه لم يكذب مثلهم.. بل يخبرها بأنه سيستأذن زوجته في أمر زواجه الجديد.. ولن يفعل ذلك من ورائها!

لا شك أن ما يقوله ليس فيه ما يعيبه.. ولكن الصراع يشتد بداخلها..  فلا يمكنها أن تواجه المجتمع وتتزوج من رجل متزوج.. لكنها تحبه ولا تدري لو كانت ستتحمل وجوده مع امرأة أخرى غيرها أم لا؟! حتى لو كانت هذه المرأة هي زوجته الأولى وأم أولاده.. كما أنها تخشى من نظرة المحيطين بها.. بالتأكيد سيعتبرونها (خطافة رجالة.. وخرابة بيوت).. وحتى لو استطاعت أن تتجاوز كل هذه الصعوبات وتتخذ القرار الصعب وتوافق على الزواج به.. سترفض أمها ولن تسمح لها بذلك أبدا.. 
إن والدتها لن تقبل أن تتزوج ابنتها من رجل متزوج كما أنها تريد لابنتها الطبيبة دكتور أو مهندس أو أستاذ جامعي..  ولكن هذا الشخص يقول أنه (رجل أعمال) ولديه مصنع صغير ورثه عن والده وبعض محلات الحلويات..  وأمها لن تقتنع بمثل هذه المهن..  بل ترى أن مهنة (رجل الأعمال) هذه الأيام مهنة من لا مهنة له وعمل غير واضح!  باستثناء الكبار منهم.

ورغم صعوبة القرار إلا أنها ظلت تتحدث معه ولم تستطع أن تقاوم مكالماته التي صارت تمثل جزءا مهما من يومها ومن سعادتها.. إنها لم تسترح للكلام مع شخص كما استراحت له ولم تشعر بأن هناك إنسانا يمكن أن يكملها ويصير نصفها الآخر كما شعرت معه.. أنهما يتفقان في كل شيء تقريبا.

وتظل في صراع بين عقلها الذي يرفضه وقلبها الذي يعشقه.. وتقرر بعد تفكير مضنٍ وليال طويلة لم تنمها أن تتزوجه مهما حدث ومهما كانت النتائج.. وألا تضحي بتلك المشاعر التي ربما لن تتكرر مرة أخرى.. والتي أشعرتها أنها ما زالت تحيا ولديها قلب ينبض.. وستحاول بكل الطرق أن تقنع أمها بهذا الزواج.. حتى ولو كان سيبقى معها نصف الوقت لا يهم..  فنصف الوقت مع رجل تحبه ويفهمها سيكون أفضل كثيرا من أن تعيش كل الوقت مع إنسان لا تحبه أو تحسه! 
إن ساعة واحدة تمضيها مع رجل يكملها كفيلة بأن تعيد لها توازنها وسعادتها.

في البداية تصرخ الأم في وجهها قائلة: وهل ضاقت بك الدنيا لتتزوجي برجل متزوج؟!

تقول الابنة وهي تبكي: نعم ضاقت الدنيا بالأسوياء والمحترمين واتسعت للأنذال والمنافقين.. أبدا لن أجد رجلا في إنسانيته ورجولته.. لن أتزوج غيره ولن أستبدله بنصف رجل من العاهات والمرضى النفسيين الذين يقتحمون حياتي كل يوم ويعرضونها للأذى والألم.

تقول الأم بحسرة: سيقولون على ابنتي الدكتورة خرابة بيوت وسيبصق عليك المجتمع.

تقول الابنة ودموعها تخنق صوتها:

بل سيحترمني ويخاف مني ويعمل لي ألف حساب.. سيحسدني الناس على سعادتي معه وعلى إصراري على من أحب.

فتقول الأم بانفعال: لن أسمح لك أن تدمري نفسك بهذا الزواج.. ستأتي لك زوجته وتفضحك في المستشفى والعيادة.. ستضيع هيبتك وكرامتك ولن تستطيعي أن ترفعي رأسك وسط الناس.

تقول الابنة لن أفعل شيئا عيبا ولا حراما ولن أكون أول ولا آخر بنت تتزوج برجل متزوج!

ويطول النقاش الحاد بينها وبين والدتها إلى أن تستسلم الأم أمام دموع ابنتها وإصرارها.

وتتفق معها ألا يعرف أحد من أقاربهم بوجود زوجة أولى وأبناء لديه. ويقرران أن يعقدا قرانهما على إحدى المراكب النيلية في حفل عائلي صغير تدعو فيه أصدقاءها ومعارفها المقربين.

وفي يوم الزفاف وبعد حضور المأذون والمدعوين وبعدما تحركت المركب وقبل بدء مراسم الزواج يتلقى العريس مكالمة تليفونية..  فتتغير ملامحه ويشحب لونه وتدمع عيناه ويظل يتصبب عرقا وهو يصرخ في قبطان المركب أن يعود فورا إلى البر لقد حدثت كارثة! يسأله الحضور عما حدث فلا يجيب ويظل يردد وهو يبكي وسط دهشة العروس وتساؤلات المعازيم.. ابني ابني ابني ابني.. إلى أن تعاود المركب للبر.

وينصرف قبل عقد القران.. ويكتشف بعد ذلك أنها مكيدة من زوجته لإفشال زفافه.. فدفعت أحد أقاربها للاتصال به وإخباره أن ابنه الأكبر قد صدمته سيارة وأنه يرقد بالمستشفى في حالة خطيرة!

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز