عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
أمريكا وإيران.. بين خداع العداء ومصالح الخفاء

أمريكا وإيران.. بين خداع العداء ومصالح الخفاء

بقلم : أيمن عبد المجيد

كثيرًا ما يكون الظهور على مسرح السياسة الدولية، مصحوبًا بارتداء الأقنعة، لمنح الرأي العام صورة تناقض حقيقة ما يجرى خلف الكواليس، وتحدده أجندات المصالح والأهداف المشتركة لقوى المعادلة الدولية.



ومن ثم فإن تحديد الملامح الحقيقية للوجه، يتطلب غض الطرف عن الصورة المستهدف تصديرها، والتركيز الكامل على التحركات والأفعال والنتائج والمستفيد منها للوصول إلى الحقائق.

ينطبق ذلك حرفيًا، على العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية، وإيران الفارسية، فما يُصدّر للرأي العام، من عداء ظاهري، وتجاذبات وعقوبات، وتلويحات بصدام عسكري محتمل، باطنه النقيض، تحالف خفي، يتلاقى في المصالح والأهداف.

وربما لا نذهب بعيدًا، عندما نقول إن ما تظهره الإدارات الأمريكية، المتعاقبة والقيادات الإيرانية، ما هو إلا تحكم مدروس في درجة حرارة المعادلة السياسية، لإحداث تفاعلات تحقق نتائج مستهدفة تخدم صالح طرفيها الفاعلين.

ومن ثم فإن احتمالات نشوب حرب، محتملة بين الأمريكان وإيران، تكاد تكون منعدمة، وما تراشقات التصريحات، ومناوشات الأذرع الإيرانية، إلا رفع لدرجة حرارة التفاعل لتوليد نواتج مدروسة.

عُد بذاكرتك إلى الوراء، حرب الثماني سنوات بين العراق وإيران «١٩٨٠-١٩٨٨»، وهي الحرب التي استنزفت العراق، البوابة الشرقية للعرب، وربحت منها أمريكا مليارات الدولارات في شكل شحنات سلاح مصدرة.

وما لبث العراق يلتقط أنفاسه، حتى بدأ يلاحق بأكذوبة امتلاك السلاح النووي، وفرض العقوبات الاقتصادية، وسلب مصادر الثروة بمشروعات النفط مقابل السلاح، حتى هيئة الأجواء لغزو العراق، وتفكيك مؤسسات الدولة.

ما كان لأمريكا، أن تغزو العراق وأفغانستان من قبلها، لولا مساعدة إيران، صاحبة المصلحة في خلق فراغات تُسهل لها التمدد، وشهد شاهد من أهلها، محمد علي أبطحي، نائب الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي للشؤون القانونية والبرلمانية، الذي قال في محاضرة أمام وسائل الإعلام العالمية، في ختام أعمال مؤتمر "الخليج وتحديات المستقبل"، الذي نظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، مساء الثلاثاء 13 يناير 2004 بأبو ظبي: "لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة، لكننا بعد أفغانستان حصلنا على مكافأة، وأصبحنا ضمن محور الشر".

إيران فعليًا حصلت على مكافأة، وتمددت أذرعها المذهبية في العراق، وحصلت على جزء من الثروات، وانسحب الأمريكان، وحل محلهم وكلاء إيران، لفترة طويلة، قبل أن يسعى شرفاء العراق، جاهدين لرأب الصدع المذهبي، ومحاولة استعادة مؤسسات الدولة.

ورغم كل هذه المحاولات، لا يزال العراق حذر في التعاطي مع إيران، لإدراكه بخطورة أذرعها، وبدا ذلك جليًا، في حرص السيد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، على التأكيد في ختام بيان القمة العربية الطارئة في مكة المكرمة، أن وفد العراق لم يشارك في صياغة البيان الختامي.

فرغم عودة العراق القوية، للصف العربي، ووقوف العرب كالبنيان المرصوص، في مواجهة تحديات الأمن القومي العربي، لكن واقع امتلاك إيران أذرعًا جعل من الحكمة استشعار ما يمكن أن نسميه «حساسية سياسية».

التحالف الأمريكي- الإيراني، الخفي، الذي تحكمه لغة المصالح، والقدرة على العض على الأصابع، حال انحراف مساره، يؤكده التحول المفاجئ في تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في زيارته الأخيرة لليابان، قائلًا: «أعتقد أن إيران لديها الرغبة في الحوار، ولا تريد الحرب وأمريكا كذلك تريد الحوار»، مؤكدًا أن «أمريكا لا تسعى إلى تغيير النظام الإيراني».

التغير الظاهري الأمريكي، ما هو إلا إرهاصات، لما يتم في الخفاء، وامتداد لسياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة، فعلنا نذكر، الخطاب التاريخي للرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، الذي ألقاه في ٢٠ مارس عام ٢٠١٩، بمناسبة رأس السنة الفارسية، موجهًا فيه التهنئة إلى إيران حكومةً وشعبًا، بلغة ود، مناقضة للشعارات العدائية الخداعية، التي انتهجها سابقوه، وخدم النظام الإيراني في تقديم نفسه في زي المقاوم.

في الوقت الذي تودد فيه أوباما لإيران، عدوتهم ظاهريًا، كانت أجهزة أمريكية تحيك المؤامرات لإسقاط أنظمة عربية صديقتهم ظاهريًا، تلك المؤامرات التي في صلبها استهدفت تفكيك دول الطوق المحيط بالكيان الصهيوني، التي كانت داعمة لمصر في تحقيق انتصارات أكتوبر المجيدة.

إذن هناك تلاقٍ في المصالح، وحرص من طرفي المعادلة، على الإبقاء على صراعهم الظاهري، والمحسوب لتحقيق أهدافهما، فعداؤهما المعلن يحقق مكاسب للطرفين.

فما الهدف من تصعيد المناوشات الأخيرة، في هذا التوقيت؟

أعتقد أن الهدف منها بالنسبة للأمريكان يرجع إلى:

١- إعادة تموضع في المياه الإقليمية العربية، بخلق ذريعة لزيادة القوات والسفن الحربية الأمريكية.

٢- تسويق مزيد من شحنات السلاح لدول الخليج، التي تسعى لحماية أمنها القومي، في مواجهة الأطماع الإيرانية.

٣- امتلاك أوراق ضغط، لتعزيز محاولات تمرير الرؤية الأمريكية لتسوية القضية الفلسطينية بما يسمى بـ«صفقة القرن».

بينما الأهداف الإيرانية هي:

١- التغطيةُ على الفشل الاقتصادي، ومظاهر الاحتجاجات الداخلية، فالقوى الشعبية تتوحد عندما تشعر بخطر، خارجي، وهو الحالة المستهدف إشعار الشعب بها.

٢- رفع الروح المعنوية للأذرع الإيرانية، في الدول المجاورة، وحشد طاقتها، في المقدمة الحوثيون في اليمن، وحزب الله في لبنان، ولعل تصريحات حسن نصر الله الأخيرة، الداعمة لإيران دليل على تحقق الأهداف.

٣- تحركات الأذرع الإيرانية، يحد من انتقادات استنزاف الميزانية الإيرانية على أذرعها الخارجية، بظهورها المساند في الأزمة المصطنعة.

٤- إشعار القوى الدولية، بتهديد مصالحها الاقتصادية، يدفعها للتدخل للوساطة، فيكسر طوق الحصار الاقتصادي، ويتحقق ذلك فعليًا بإعلان رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، زيارته طهران للوساطة بينها وبين واشنطن.

في ظل تلك الحقائق، كان من المهم التحرك العربي الجاد، الذي ظهر جليًا في القمة العربية الطارئة، بمكة المكرمة، والقمة الإسلامية الرابعة عشرة، اللتين شهدتا توحداً في مواجهة التحديات، التي تواجه العرب والمسلمين، ويقدمان دعمًا سياسيًا قويًا للمملكة العربية السعودية، والإمارات، والقضية الفلسطينية.

فالقمة العربية، شهدت رسائل حاسمة وبليغة، مفادها أن قضية الأمن القومي العربي، لا تهاون فيها، ولا قبول مطلقًا باستمرار محاولات العبث الفارسي، كما هي رسالة لكل القوى العالمية، التي تحركها المصالح، العرب قادرون على حماية أمنهم.

الرئيس عبد الفتاح السيسي، كان حكيمًا، في تعاطيه مع القضايا، مثار النقاش، فقد شدد على أنه لا تهاون في حماية الأمن القومي العربي، وكذا حرص العرب على استقرار وأمن المنطقة، لتفادي الانزلاق إلى مزيد من الصراعات.

وفِي القمة الإسلامية، كانت الرسالة التي تجاوزت العَرض، للإمساك بحقيقة المرض، وهو ضرورة مكافحة الإرهاب، من جانب، كتحمل لمسؤوليتنا الإسلامية في إساءتنا للدين، وفي الجانب الآخر ضرورة تحمل الغرب مسؤولياته في إيقاف خطاب التمييز والكراهية ضد العرب والمسلمين، ومحاولة إلصاق تهمة الإرهاب والتطرف بديننا الحنيف.

فالعرب هم أحوج ما يكون الآن، إلى تلك الوحدة في المواقف، لحماية أمنهم القومي، والحيلولة دون خلق توترات إضافية بالمنطقة، تقوض جهود التنمية واستعادة، مؤسسات الدول، التي شهدت هزات عنيفة في السنوات الماضية.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز