عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
(النصف غير الآخر) الانتهازي

(النصف غير الآخر) الانتهازي

بقلم : سامية صادق

كانت له ملامح مهيبة لا تخلو من قسوة.. طويلا عريضًا أنيقًا.. من يراه لا بد أن يعتقد أنه شخصية مهمة وأنه يعمل في منصب رفيع.. فربما يكون ضابط كبير أو مستشار مهم أو أنه يتقلد مركزا كبيرا في مجلس الوزراء.. تحيط بمعصمه ساعة لافتة للأنظار يبدو أنها من الذهب الخالص المطعم بالبلاتين.. ويفوح منه عطر مميز ذو رائحة حلوة قوية.. تعتقد من رائحته التي عبأت المكان أنه برفيوم أصلي ذو ماركة شهيرة.. وبالرغم من أنها لا تنجذب لذوي الملامح القاسية والوجوه الجامدة لكنها في هذه المرة قررت أن تتخلى عن إحساسها اللحظي بالأشخاص وأحكامها المسبقة عليهم وأن تسمعه.. فربما لديه ما يرقق ملامحه ويساعدها في تكوين فكرة صائبة عنه!



فهو يريد الزواج بها.. ويخبرها أنه يعمل بمركز حساس.. وله مكانته ووضعه الاجتماعي.. وأثناء حوارهما يخرج تليفونه ويقوم بعمل بحث سريع على أحد المواقع الإلكترونية.. ثم يقرب محموله منها قائلا:

انظري.. ستجدين اسمي من بين الأسماء التي تمت ترقيتها في تلك الجهة المهمة.

كان في الأربعين من العمر.. له تجربة زواج سابقة ولديه ابن يعيش مع والدته.

ويظل الرجل ذو الملامح المهيبة يتحدث طوال الوقت عن "البراندات" التي يرتديها ويؤكد أنه لا يشتري ملابسه إلا من توكيلات المتاجر الشهيرة في أمريكا وفرنسا.. وأنه ابتاع زجاجة عطر بألف وخمسمائة جنيه.. كما أنه يتناول طعامه في أكبر المطاعم ويأتي بالحمام المحشي من حي الحسين.. كما أنه يحضر الجاتوه والحلوى من أكبر المحلات.. ولكن والدته ترفض أن تأكل من الجاتوه الذي يشتريه بماله وتنزل تشتري نصف دستة لحسابها!

تستوقفه قائلة:

هل أنت على خلاف مع والدتك؟

يرد باستنكار:

لا طبعا.. أمي أغلى إنسانة عندي في الدنيا

فتسأله بدهشة:

- لماذا إذن لا تأكل من الجاتوه الذي تحضره؟!

فيقول باسما وكأنه يتباهى بأمه:

أمي ست مستورة وميسورة وتفضل أن تدفع ثمن كل حاجة من جيبها.. وترفض أن تعيش على حساب حد!

تقول بدهشة أكبر:

لكنك ابنها

فيرد ضاحكا:

هذا هو نظام أمي ولا أستطيع تغييره

كانت تستمع بدهشة لهذا الرجل محدث النعمة.

وتجده يسألها:

هل لديك تكييفات في الشقة؟

أنه سؤال غريب لم تتوقعه

ترد: نعم

فيواصل مستفسرا:

هل لديك تكييفات في كل الشقة أم في حجرة النوم فقط؟

فتقول وقد بدا الضيق في لهجتها:

لدي في حجرة النوم فقط

ولا تدري لماذا كذبت؟! فلديها تكييفات في كل الغرف وفي الريسبشن أيضا..

كانت تراقب تعبيرات وجهه بعد كل سؤال يطرحه عليها فتشعر أنها قد أحبطته حين أخبرته بوجود تكييف واحد بشقتها!

ويظل يتحدث عن أملاكه والأرض التي تركها له والده وكيف أنه لا وقت لديه لرعايتها وإدارة شؤونها وأنه يفكر أن يبيعها..

ثم يتطرق لقصة حب عاشها في مستهل شبابه من فتاة بسيطة والدها كان يعمل موظفا بهيئة البريد، بينما زملاؤه في ذلك الحين كانوا يتزوجون من بنات عائلات عريقة وشخصيات مهمة.. حتى إن أعز صديق له تزوج من ابنة وزير.. وأنه كان يشعر بالغيرة حين يقارن حبيبته ابنة موظف البريد بابنة الوزير، وهو لا يريد أن يكون أقل من زملائه فتركها وتزوج طبيبة من عائلة كبيرة..

ومن حين لآخر كان يلمح لوسامته وأن هناك شبها كبيرا يجمعه بالفنان رشدي أباظة! وأن بعض النساء ينبهرن به حين يرينه.. ويعشقن طابع الحسن في ذقنه!

لا تعلم عن ماذا يتحدث؟! فلا يوجد أي وجه للشبه بينه وبين دونجوان السينما رشدي أباظة...ربما يملك شعرا كثيفا مثله فقط!

ثم يحكي أنه تزوج زواجا ثانيا سريعا بعد انفصاله عن زوجته الأولى وكان من سيدة غنية مطلقة لديها ابنتان كما أنها تمتلك سلسلة من محلات الملابس.. وقد أقام معها بفيلتها.. وكان يعاني من غيرة ابنتيها عليها منه.. وفي أحد خلافاتهما طلبت منه الطلاق وألقت بحقيبة ملابسه في الشارع.. وأهانته وقللت من قدره.. وأنه شعر بندم شديد لزواجه منها وخاصة حين اتصل به شخص وأخبره أن زوجته كانت متزوجة عرفيا من قبل!

ويطلب منها ألا تذكر زواجه الثاني أمام أهلها حين يتقدم لخطبتها..

ثم يخبرها أنه قد حج بيت الله مرتين من قبل

يظل يحكي بينما تشعر بأن صدرها بات منقبضا منه.. وتتساءل في نفسها بأسى:
كيف لمثل ذلك الشخص السيئ أن يتقلد منصبا حساسا يرتبط بحوائج الناس! 
تتملكها رغبة في أن تنهض من مكانها وتتركه... فكل ما يقوله هذا الرجل الذي كان مهيبا منذ دقائق قليلة قد أفقده هيبته وشوه صورته في عينيها.

لكنه لا يزال يواصل حديثه الثقيل.. ويخبرها بأنه في حالة برتباطهما.. يجب ألا تكتب آراء معارضة على حسابها بالفيس بوك لأن ذلك يضر بعمله الذي يعتبره أهم شيء في حياته!
ويقترح عليها أن تغلق حسابها على فيس بوك! 
ويؤكد لها أنه سيبحث عن فيلا صغيرة ليتزوجا بها ويفضل أن تكون بمنطقة راقية بالرحاب أو التجمع أو الشيخ زايد.. كما يقترح أن يتزوجا في شقتها بشكل مؤقت لحين يجد الفيلا المناسبة!

وفي نهاية حديثه ينظر إليها قائلا:

بالتأكيد لم تقابلي في حياتك شخصا في احترامي وأخلاقي..

ثم يضيف بلهجة جادة:

الحمد لله أنا شخص محترم جدا كما ترين!

ينتهي اللقاء المؤلم.. وتنصرف وهي تشعر بخيبة أمل في الرجل الذي خدعت في مركزه الكبير وهيبته واكتشفت أنه رجل انتهازي غير محترم.. حتى حواره التليفوني لا يخلو من ابتذال ما دفعها أن تضعه على قائمة الأرقام المرفوضة.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز