عاجل
الإثنين 23 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
جدل المشايخ 3-3
بقلم
محمد نجم

جدل المشايخ 3-3

بقلم : محمد نجم

لم يكتف د. مصطفى محمود بمحاولة فهم القرآن.. فهمًا عصريًا طبقًا لما استجد من مكتشفات علمية، ولكنه حاول تفسير بعض آيات القرآن في القضايا الجدلية ولكن على طريقته في برنامج «العلم والإيمان» الذي كان يقدمه أسبوعيًا على شاشات التليفزيون!



ففي سورة طه، عندما خاطب الله سيدنا موسى.. (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى).. يأخذ د. مصطفى برأي بعض المتصوفة أن المقصود بالنعلين هنا.. هما النفس والجسد.. فلا لقاء بالله إلا بعد أن يخلع الإنسان النعلين: نفسه وجسده بالموت أو بالزهد.

فالله يصورهما كنعلين لأنهما القدمان اللتان تخوض بهما الروح في عالم المادة وعن طريقهما نزلت من سماواتها إلى الأرض، ثم يستطرد بقوله: وقد يعترض معترض قائلا:.. وما الضرورة لصرف اللفظين عن معناها الظاهر، فيجيب: الواقع أن هناك ضرورة.. فالحضرة الربانية لا يكفي لدخولها خلع نعلين، وإنما التجرد الكامل هو شرطها دائمًا وهو أقل ما يليق، فالمعنى هنا وارد والتأويل له ضرورة وهو لا يناقض المدلول الظاهر للألفاظ.

ثم تكرر الأمر في بعض آيات سورة البقرة (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنْ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ).

حيث يرى أن بعض الفرق الإسلامية أنكرت إمكانية رؤية الله في الآخرة وفسّرت هذه الآيات بأنها رموز وإشارات ومجاز لا حقيقة، وأنها تفهم على باطنها لا على ظاهرها.

وكانت حجتها (الفرق) أن العين لا ترى إلا المحدود المتناهي في الزمان والمكان وبالتالي لا يمكن لعين أن تراه، وهي حجة واهية وتصور مادي دنيوي، فهم يتصورون أن الروح سوف تبصر بعين مادية في الآخرة وستكون لها حدقة وأجفان وستظل ملابسة للزمان والمكان المعروف في الدنيا، وهو أمر ينكره القرآن فيقول عن النشأة الأخرى (وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ)، أي أنه سوف ينشئنا نشأة مختلفة تمامًا عن كل ما نعلم، وينتهي إلى أنه لا غرابة في أن يكون للروح بصر شامل يدرك اللامحدود وأن ترى الله في الآخرة.

وفي الحقيقة لا أملك التعقيب على أستاذنا د. مصطفى محمود لكن أقول عندما طلب سيدنا موسى وهو أحد الرسل أصحاب الشرائع أن يرى الله، فأمره ربه أن ينظر إلى الجبل.. (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا) الآية 143 سورة الأعراف.

هذا.. ويقول المتصوفة- الذين يستشهد بهم الدكتور كثيرا: إن الله يبعد عن إدراكنا لفرط قربه، ويخفى علينا لفرط ظهوره، أي أن الله احتجب عنا لفرط إشراقه ودوامه! فكيف يعرف من بالعرف قد سترا؟

وبعد أن يعترض د. مصطفى على ما جاء به مدعى البهائية «ميرزا حسين علي» ويرفض ادعاءه النبوة وتفسيراته الخاطئة، وخطورة التفسير الباطني للقرآن.. ينتهي إلى ضرورة الالتزام- عند التفسير- بحرفية العبارة ومدلول الكلمات الظاهرة ولا ننتقل إلى تفسير باطني إلا بإشارة وإلهام من الكلمات القرآنية ذاتها، فهذه هي الحدود التي تمليها طبيعة الكتاب المحكم، الذي لا يتقدم فيه حرف على حرف إلا بسبب عميق وضرورة لازمة.

وفي موقع آخر من كتابه يستخدم الدكتور الفلسفة في شرح الآية الكريمة من سورة المعارج (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)، وهو ليس خاضعا لما يخلق من أزمان مثلما نحن خاضعون، وإنما هو فوقها جميعًا ومتعال عليها، وهذا شرح فلسفي رفيع لمعنى الأبدية والتعالي على الزمن!

أكتفي بهذا القدر من «الأمثلة» على الفهم والتفسير العصري للقرآن للدكتور مصطفى محمود.. ومن يرغب في معرفة المزيد فعليه الرجوع إلى كتابه «القرآن.. ومحاولة لفهم عصري».

والآن لنرى كيف عقبت وردت د. عائشة عبد الرحمن على هذه المحاولة؟ من خلال كتابها «القرآن والتفسير العصري».

فقد بدأت بالقول: قد تصور الدكتور (د. مصطفى) أنه يعفي نفسه من مؤاخذته على التصدي للتفسير بغير علم، بمجرد تغيير العنوان (عنوان الموضوعات)، وغاب عنه أن العبرة بالموضوع الذي تناوله تناول مفسر عالم، يؤول النصوص ويفتي في الدين، وليس تناولا (صحفيًا) من كتاب القصص، يعرض تصوراته الدينية ويتخيل ما وراء الغيب!

وفي رأيها أن النصوص بوجه عام، يفهمها من شاء كيفما شاء، لكن تفسيرها للناس والفتي بها، مقصور على ذوي الفقه بها والاختصاص، وهؤلاء أنفسهم، يتفاوتون بقدر درايتهم بأسرار النص.

وفى رأيها أن الألفاظ يختلف استعمالها من عصر إلى عصر، ومن بيئة إلى أخرى، وضربت مثلا بكلمة «قرية» في آية: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ)، وكذلك تفسير «النعلين» بالنفس والجسد، فذلك ما لا تعرفه لغة القرآن، من أي سبيل!

كذلك استحالة تفسير صيغة من صيغ القرآن أو عبارة من عباراته مبتورة من سياقها الخاص في الآية والسورة، ومن سياقها العام في المصحف كله، على نحو ما فعل المفسر العصري مثلما قاله عن القرآن (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ) فقد بتر الجملة من سياقها، فحملها على كلام الله في القرآن كله، وإنما هي في المتشابه منه فحسب بنص الآية السابعة من سورة آل عمران.

وكذلك الآية 74 من سورة البقرة، فلا علاقة لها إطلاقا بدك الجبال يوم القيامة!

تم تقول كثيرًا ما تورط المفسر العصرى، فحمل آيتين أو أكثر على معنى واحد، ويستشهد بها لأمر بعينه، وتكون إحدى الآيات في سياق غير سياق الآية الأخرى، مثل سرده لثلاث آيات متتابعة في شواهد لما يبدو نعمة، وقد تكون في الحقيقة نقمة، ومنها الآية 55 من سورة التوبة، والآية 55 من سورة المؤمنون، والآية 178 من سورة آل عمران!

وتضيف: شبيه بهذا، تورط المفسر العصري في حديثه عن (المعمار القرآني) وسيمفونية سورة الفاتحة!

وأخطر من هذا كله، أن يفسر للمسلمين كتاب دينهم بنصوص الإسرائيليات، بعد أن جاهد علماؤنا طويلا لتحرير فهمنا الديني من العناصر الإسرائيلية التي دسها اليهود علينا، وحرصوا على توجيه الفهم الإسلامي للقرآن بمروياتهم الإسرائيلية، حين تعذر عليهم أن يحرفوه كما حرفوا التوراة!

لقد جالت وصالت بنت الشاطئ في كتابها «القرآن والتفسير العصري» مما لا يتسع المجال هنا لذكر تفاصيله، وانتهت إلى: إذا استباح كل عصري أن يفسر القرآن للناس برأيه واجتهاده دون علم أو مؤهل، بدعوى أن القرآن نزل للعالمين ولم ينزل للمتخصصين، ساغ أن نعطل وظيفة المفتي، وقضاة الشريعة، فلا يحتكروا فقه الإسلام وهو ديننا جميعا!

وتضيف: وبالمنطق نفسه، توفر تكاليف أعباء كليات اللغة العربية، والشريعة، والدراسات الإسلامية، من حيث لا حاجة لنا إلى من يحتكرون التخصص في هذه العلوم أو يحترفون الفقه بها والفتي فيها، فالعربية لغتنا جميعا، والإسلام دين الأمة كلها، والقرآن نزل للعالمين!

لقد استمتعت بهذا السجال القديم.. ولا تزال القضية مفتوحة تحت عنوان براق «تجديد الخطاب الديني»، وبالطبع هناك فرق بين سجال العلماء والمفكرين، وما يدعيه البعض الآن وما يعرضه على شاشات التليفزيون وفي إلحاح غريب مع أن الفارق بين ما لديه وعلم د. مصطفى محمود كالفارق بين الشرق والغرب!

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز