عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الثوابت المصرية في القضية الليبية

الثوابت المصرية في القضية الليبية

بقلم : هاني عبدالله

خلال لقائه، أمس الأول، مع رئيس مجلس النواب الليبى «عقيلة صالح»، أكد الرئيس «عبدالفتاح السيسى»، على موقف مصر الثابت، الذى لم ولن يتغير، تجاه دعم [الجيش الوطنى الليبى] فى حملته للقضاء على العناصر والتنظيمات الإرهابية.



كلام الرئيس، هنا، واضحٌ فى دلالته ومضمونه.. فاستقرار ليبيا، والحفاظ على وحدة أراضيها، وتعزيز تماسك مؤسساتها الوطنية، هدفٌ رئيسى بالنسبة للقاهرة.

داخل أروقة مراكز الأبحاث الأمريكية (كارنيجى على وجه الخصوص)، كان هناك من يحاول أن يُصدّر صورةً مغايرة.. كان هذا قبل أشهر قليلة (!).. كانت الصورة المغلوطة (المُستهدفة بالترويج) تقول إنَّ جهود السيسى للوساطة فى إعادة توحيد الجيش الليبى، لا تدور حول تحقيق الاستقرار فى جارته الغربية، أكثر من تمكين «خليفة حفتر» من السيطرة على أعدائه الإسلاميين (!).. الخلط، هنا، مُتعمد.. لكنه يفتقر – يقينًا – للمنطق؛ إذ إنَّ استقرار ليبيا (أو الجارة الغربية لمصر) ينعكس لا ريب على استقرار الأوضاع على حدود مصر الغربية (نحو 1200 كيلومتر).

كثيرٌ من تلك الآراء، المُغلفة بغطاءٍ بحثى (مُفترى)، يستهدف – فى المقام الأول – تقويض الدور المصرى الرامى لاستعادة الاستقرار فى ليبيا.. البعض لا يريد – قطعًا – هذا الاستقرار.. يريد حدودًا مُلتهبة بامتداد الشرق الليبى (الغرب المصرى).. تأثير تدفق الأموال القطرية على مثل هذه الآراء لا يحتاج لجهدٍ كبير فى إثباته؛ إذ لا تزال الأجندة (القطرية/ التركية) الداعمة للإرهاب تواصل السعى لأن تجد لنفسها موطئ قدم داخل هذا الامتداد المترامى (!)، رُغم النجاح المصرى فى تقليص تأثير تلك الأجندة إلى حدٍّ بعيد.

أثر تلك الأجندة نفسها (وغيرها) كان باديًّا بدوره فى التأكيد «المصرى» (خلال اللقاء ذاته) برفض أشكال التدخلات الخارجية فى الشأن الداخلى الليبى، كافة.. تماسك المؤسسات الليبية [واستقرارها] كان باديًّا – أيضًا – فى تشديد الرئيس على تقدير مصر ودعمها لدور مجلس النواب الليبى [ورئيسه]، باعتباره المصدر الرئيسى للشرعية الفعلية فى ليبيا، وأن «إرادة الشعب» الليبى هى الإرادة المقدرة، التى يجب أن تكون مُفَعَّلة ونافذة.


تنحرف كثيرٌ من التحليلات (المُوجّهة) حول الشأن الليبى نحو ترسيخ مصطلح «الإسلاميين» كبديلٍ عن «الجماعة الإرهابية» (بالنسبة للإخوان)، و«الميليشيات المُسلحة» (بالنسبة لعناصر تنظيم القاعدة وداعش).. يُمثل هذا الأمر – فى جوهره – امتدادًا لتأثير أجندة «تفكيك الدولة الليبية» خلال ما اصطلح على تسميته بثورات الربيع العربى.. فقد كانت «طرابلس» (ليبيا) على وجه التحديد إحدى نقاط الارتكاز فى رسم سياسات «إدارة أوباما» الجديدة، وشركائها: (قطر وتركيا/ بعض الشركاء الأوروبيين) بالمنطقة؛ إذ كانت الإيرادات الليبية - فى حينه - من النفط والغاز تُشكّل نحو 60 % من «الناتج المحلى الإجمالى» هناك.

وفى ظل «المرتكزات النفطية» تلك؛ لم يكن لـ«واشنطن» أن تُغامر (فى سياق مستهدفاتها الرامية لخلق موطئ قدم داخل «السوق البترولية الليبية» إلى جوار شركائها الأوروبيين) بالارتباط والنظام الليبى (السابق).. ومن ثمَّ.. كان عديدٌ من دوائر المعلومات الأمريكية، فى نهاية العام 2010م، يدرس بجدية شديدة (بالتزامن مع احتمالات تغيير معادلات الأنظمة فى منطقة الشرق الأوسط)، كيف يُمكن لـ«واشنطن» أن تستفيد من الأوضاع الإقليمية الجديدة.

وفيما عبرّت أهداف «إسقاط النظام الليبى» عن نفسها، بقوة، أثناء ما عُرف بـ«بثورات الربيع العربى».. كان أن غضت «إدارة أوباما» الطرف عن إعادة انتشار مقاتلى «القاعدة» داخل «ليبيا»، فى إطار توظيفى للجماعات الإرهابية هناك؛ لخلق حالة من السيولة داخل «الدولة الليبية»؛ بما يسمح بتدخلات أكثر تأثيرًا فى رسم خريطة المنطقة من جديد (فضلًا عن تمدد الأجندات الإقليمية الحليفة لإدارة أوباما بالمنطقة).

وفى السياق نفسه، تم السماح بتمدد العناصر المتطرفة (أو قوات التمرد الليبية، وفقًا للمسمى الذى روجت له مراكز الأبحاث الأمريكية، وقتئذ)، خصوصًا فى «شرق ليبيا».. وما كاد أن ينتهى شهر فبراير من العام 2011م، إلا وفقد «النظام الليبى» (السابق) سيطرته على الشرق فعليًا، إذ سقطت مدن مثل: بنغازى، والبيضاء، وأجدابيا، ودرنة، وطبرق، فى أيدى «العناصر المتطرفة».. وهو ما أدى إلى استحواذ تلك «القوات» (ومنها العناصر التابعة لتنظيم القاعدة) على مخازن الأسلحة بتلك المناطق.. فضلًا عن إسقاط عديدٍ من الأسلحة (عمدًا) لقوات التمرد (بما فى ذلك التابعة منها لتنظيم القاعدة)، عبر القوات الجوية للتحالف، الذى قادته واشنطن (!)

وفى إبريل من العام 2011م، كانت «بنغازى» على موعد مع زيارة «غريبة فى مضمونها».. إذ استقبلت «بنغازى» وقتئذ السيناتور الجمهورى الراحل «جون ماكين».. وكان من بين الأهداف «المتعددة» للزيارة أن يلتقى بما عُرف آنئذ بـ«جماعة أنصار الشريعة».. وحينها.. وصف ماكين (وكان أحد أهم مناصرى التدخل العسكرى فى ليبيا) القوات التابعة للقاعدة بأنهم أبطاله (!)
ورُغم أن «المشهد الليبى»، الذى أسهمت «الولايات المتحدة الأمريكية» فى تعقيده، عبر دعمها «اللوجيستى» لعناصر القاعدة، فى حاجة إلى تدخلات من نوع مختلف؛ فإن عديدًا من الدوائر «النشطة»، التى دعمت إسقاط النظام الليبى (عبر دعم جماعات العنف المسلحة)، اعتبرت ما حدث فى مجمله انتصارًا لـ«سياسة أوباما» فى تغيير أنظمة الشرق الأوسط، وامتدادًا استراتيجيًّا جديدًا للنفوذ الأمريكى بمنطقة «الشمال الإفريقى» (!)


بامتداد السنوات التالية، ومع استمرار أجندة الدوحة (المتحالفة مع نظام الإخوان «الإرهابى» الذى أسقطه المصريون) فى تنفيذ سياساتها الداعمة للإرهاب فى ليبيا.. لم يكن لـ«دولة 30 يونيو» فى مصر إلا أن تتحرك بقوة لكى تُعيد الأمور إلى نصابها، عبر دعم استقرار الدولة الليبية (ومؤسساتها الرئيسية).

.. وهو ما بدا تأثيره واضحًا منذ بدايات العام 2014م (على وجه التحديد).. إذ لا يزال هذا الأثر مُمتدًا إلى اللحظة. بل أصبح أكثر قوة وفاعلية (من أى وقت مضى).

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز