عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الحنين إلى الماضي

الحنين إلى الماضي

بقلم : د. داليا مجدى عبدالغنى

من منا لم تأتِ عليه لحظة، شعر فيها بالحنين إلى الماضي، سواء إلى أشخاص معينين، أو مكان كان يعيش فيه في أي مرحلة من مراحل حياته، أو قصة حب، كانت تستغرق كل مشاعره، أو الحنين إلى مرحلة معينة بأكملها، وبكل ما فيها، سواء من إيجابيات أو سلبيات.



ولكن السؤال، هل لو عدنا إلى كل شيء شعرنا بالحنين إليه، سنشعر حينها بالسعادة؟ هذا هو السؤال الذي لابد أن نطرحه على أنفسنا أولًا، فالإنسان يعيش مع اللحظة التي يتمناها، ويحلُم بها؛ ظنًا منه أن تلك اللحظة لو عادت، سيترك كل شيء من حوله، ويستمتع بها فقط، وينسى أن حياته قد مرت بالكثير من المراحل والمشاكل، والأمور التي أثرت فيه، وفيمن كان يتعايش معهم في تلك المرحلة، فلا هو ظل كما كان في السابق، ولا هم ظلوا على حالهم، فكل شيء قد تغير وتبدل، سواء في أشكالهم وصورهم، أو في مضمونهم وتكوينهم.

لذا، عندما يلتقون من جديد، لأول وهلة يشعرون بالسعادة والحنين، وأن كل شخص وجد نصفه الآخر، ويظل الحديث يأخذهم عن الماضي، وأجمل اللحظات التي جمعتهم، ورُويدًا يتطرق الحديث إلى الحاضر، وما استجد على كل منهم، ولكن بعد عدة لقاءات وأحاديث، يكتشفون أن كل منهم أصبحت له حياته، وهُمومه، وأفكاره، وأن طبائعهم قد تغيرت، فلم يعد هناك تآلف، كما كان في السابق؛ لأن كل منهم قد التقى بأشخاص أثر فيهم، وأثروا فيه، فلم يعد الحال كما كان عليه في الماضي.

وهنا تظهر المشكلة في أن كل منهم يرى الآخر بصورة مغايرة تمامًا للصورة التي ظلت عالقة في ذهنه لسنوات، وعندما يحدث الفراق للمرة الثانية، يموت معه الحنين؛ لأن الفراق في هذه المرة قد حدث بملء إرادتهم؛ بسبب تنافر طبائعهم، وتغطي الصورة الجديدة على الطيف القديم، حتى يتوارى كلية، وهذه الأمور تنطبق كذلك على الأشياء والأماكن، فالمكان الذي كنت تعيش فيه في الماضي، وعندما تتذكره، تدمع عيناك؛ بسبب حنينك إليه، قد تفرح إذا عدت إليه في بادئ الأمر، ولكن بسبب مستجدات حياتك، يُصبح غير ملائم إليك، فتتركه بملء إرادتك.

فالحنين لابد ألا يزيد على كونه حنينا، فللأسف، إذا سعينا إلى إنزاله إلى أرض الواقع؛ بهدف جعله واقعًا حقيقيًا، نعيش فيه، ويصبح جزءًا من حياتنا، سيفقد أجمل ما فيه، وهو الذكرى الجميلة التي ظلت مطبوعة بداخلنا لسنوات، ولم يستطع الزمن أن يُزحزحها أو يُشوهها، أما إذا قررنا إنزاله من مرتبة الذكرى إلى مرتبة الواقع، قضينا عليه تمامًا، وجردناه من أجمل ما فيه.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز