عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
(النصف غير الآخر).. الأسيرة

(النصف غير الآخر).. الأسيرة

بقلم : سامية صادق

حين سمعت بخبر وفاة زوجها تمنيت لو أمتلك قوى سحرية تمكنني أن أقرأ ما يدور الآن برأس هذه المرأة؟!



فكم انشغلت بحكايتها وتعاطفت معها وحزنت من أجلها ولعنت أباها الذي ظلمها دون أن أعرفها!!!

ترى في أي شيء تفكر الآن وبماذا تحلم؟

فكم سمعت عن قصة زواجها وأنا لا زلت طفلة والتي أعتبرها حزينة مؤثرة...فكانت صبية صغيرة تركض في حقول إحدى قرى محافظة أسيوط وتلعب مع أندادها من الأطفال حين طلبها للزواج...رجل في عمر أبيها تقريبا...يتجاوز الأربعين من العمر... طويل عريض ذو ملامح خشنة ونظرات صارمة وشخصية قوية حادة... بينما كان عمرها لا يتجاوز الثلاثة عشر عاما!!!...نحيفة ضعيفة شاحبة لكنها ذات بشرة بيضاء وشعر أشقر طويل وعينين واسعتين حالمتين... فتبدو لافتة في مجتمع الصعيد الذي يغلب على بناته اللون الأسمر والذي ما زال أهله يقيمون الجمال ببياض البشرة!!!

...ورغم أنه ينتمي لعائلة غير عائلتها وربما معادية لعائلتها واشتهر بقوته ومعاركه واشتباكاته مع الغير حتى أن البندقية لا تفارق كتفه إلا أن أباها قد وافق أن يزوجها له على الفور... فهو يدرك أنه على قدر كببر من الثراء بعدما غادر قريته منذ ما يقرب من ربع قرن وسافر إلى ليبيا وكون ثروة طائلة...وصار لديه العديد من المحلات والمتاجر والشاليهات بمحافظة مطروح..... كما أنه يتاجر في البضائع المستوردة...

وقد أحضر لعروسه شبكة كبيرة ربما تزن نصف كيلو من الذهب حتى الخلخال كان من الذهب الخالص وقد تزوج منها خلال أيام قليلة...والمدهش أن العروس الصغيرة التي بدت في ملابس الفرح كعروس المولد كانت فرحة سعيدة تخبر بنات قريتها ببراءة تتناسب مع سنوات عمرها الأخضر أنها ستركب القطار وتسافر إلى مطروح!!!

وكثيرا ما حاولت أن أتصور شكل الحياة بين هذه الطفلة الشقراء البريئة وبين هذا الرجل الكبير القوي الصارم؟!...وأجدني أتخيل أنها حين وصلت بيتها البعيد معه ربما اعتقدت أن هذا الرجل قد اختطفها من أهلها!!!...وربما ظلت تبكي وتصرخ وترجوه أن يعيدها إلى أمها وأبيها!!

 واضطر أن يضربها أو يرهبها كي لا تطلب العودة لأهلها..

لا أعلم بالطبع ماذا حدث؟  فلم يحك لنا أحد...ولكنني علمت بعد ذلك أن والدها الذي باعها له قد ذهب لزيارتها ولكن زوجها طرده واتهمه أنه طامع فيه!!

والأب لم ييأس ويعاود الزيارة بعد عدة سنوات وقد أخذ معه ثلاثة من أبنائه بنتين وولدا كانوا قد ولدوا بعد أن تزوجت شقيقتهم وغادرت البلدة... قد أخبروه برغبتهَ في رؤية أختهم التي تعيش بمطروح...وبالطبع استقبلتهم كالغرباء فهي لأول مرة تلتقي بهم.. فليس بينها وبينهم حكايات أو ذكريات أو مشاعر إخوة!!!

وبعد أكثر من عشرين عاما وحين ذهب أخي لمطروح استطعت أن أعرف كيف تعيش هذه المرأة... حيث التقى هناك بزوجها الذي دعاه على الغداء في بيته...وكان يعيش بفيلا جميلة...ورغم أنه يمتلك شاليهات وعمارات على بحر مطروح الساحر إلا أنه رفض أن يبني بيته قريبا من البحر بل تعمق للداخل فصارت الفيلا في الصحراء تقريبا !!!... إنه يغار على زوجته بجنون كان يضربها لو فتحت الشباك !!!

ورغم مرور عشرين عاما من الزواج وإنجابهما لتسعة أبناء أكبرهم في الجامعة وأصغرهم رضيع.. إلا أنه لازال يغار عليها أيضا.. ويمنعها أن تخرج بره باب عتبة البيت رغم أنها أنجبت منه تسعة أبناء أكبرهم بالجامعة وأصغرهم بالابتدائي...

وقد سألت أخي الذي شاهدها :

بالتأكيد أنها أصبحت امرأة حزينة تعسة وربما كبرت وشابت قبل الأوان...أليس كذلك؟!

قال وهو يهز رأسه بالنفي ويبتسم:

بالعكس لقد رأيت امرأة راضية قنوعة جميلة لا زالت في ريعان شبابها!!

قلت ضاحكة:

يبدو أنها اعتادت على حياة السجن التي تعيش به وسط الصحراء!!

فعلق قائلا:

وربما أنها لا تعرف من الحياة غير هذا السجن!!!...وليس لديها وقت لتأمل حياتها والتفكير فيها أو التمرد عليها ولو للحظة!!.ولو خرجت من هذا الذي تعتبرينه سجنا تشعر بالضياع والتيه ولا تستطيع التأقلم مع الحياة خارجه!!!...لقد تعايشت مع عالمها المحدود الذي صنعه لها زوجها...ولم تعتبره سجنا كما اعتبره الآخرون بل تعتبره كل حياتها بحلوها ومرها...فهي مشغولة طوال اليوم بطلبات أبنائها الذين يلعبون حولها ويملأون البيت بالضجيج والحيوية... وبالاعتناء ببيتها وبأعمال المنزل التي لا تنتهي...حتى أنها تقوم بصنع الخبز بنفسها وجبة بوجبة !! فتخبز ثلاث مرات في اليوم في الإفطار والغداء والعشاء!!

بخلاف الطبيخ والغسيل ورعاية الأبناء وتهيئة أجواء المذاكرة لهم.

قلت ضاحكة:

لكنني سمعت أنها لم تر البحر ولا مرة رغم أنها تعيش بمطروح منذ عشرين عاما وزوجها يمتلك شاليهات وشققا على البحر للإيجار؟!

قال أخي ضاحكا:

هذا صحيح لقد أخبرتني أن زوجها يرفض أن تذهب للبحر سواء كانت معه أو مع أبنائها!!! ولكنها قالتها وهي تبتسم!!!...فالأمر لا يزعجها ولا يسبب لها أزمة أو مشكلة كما نعتقد نحن... فربما نكون متأزمين ومنزعجين من أجلها أكثر منها!!!

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز