عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الحرام في السياسة "التركية / القطرية"!

الحرام في السياسة "التركية / القطرية"!

بقلم : هاني عبدالله

ليست «العلاقة الحميمة» بين قطر و«نظام إردوغان» فى تركيا، فى حاجة إلى «فض اشتباك» من أى نوع.. بل إلى إثبات عديدٍ من «حالات التلبس» ممتدة الجذور (!).. إذ كما كان للأسرة الحاكمة فى «الدويلة القطرية» وشائجها التنظيمية بجماعة «الإخوان الإرهابية»، فإن «نظام إردوغان» نفسه، كان ابنًا أصيلاً لتنظيم الجماعة (بما يحمله من معتقدات خرافية) حول طبيعة «نُظم الحكم» المُتحلقة حول أوهام «الخلافة» (المُندثرة).

وفوق مذابح الأوهام (المُتدثرة بالدين)، كان أن قدم تحالف [تركيا/ قطر/ الإخوان] قرابين التبعية، منذ بدايات الألفية الثانية، لعديدٍ من أجندات تفكيك الشرق الأوسط؛ إذ أصبحت الأطراف الثلاثة نقاط ارتكاز أساسية فى تمهيد صعود «تيار الإسلام السياسى» ودعمه (إعلاميًا وماليًّا وحركيًّا).
.. أى أننا- فى خلاصة الأمر- أمام رابط «أيديولوجى» مشترك يجمع الأطراف الثلاثة.. وأنَّ جذور هذا الرابط تمتد فى مضمونها إلى أفكار مرشد جماعة الإخوان الإرهابية (حسن البنَّا).





حلم الخلافة!:

داخل أحد أحياء إسطنبول «الشعبية»، كان ثمة عبارة يتداولها أهالى المنطقة تقول: «إذا استطعت الهروب من الحى، يُمكنك أن تصادف النجاح!».. وفى الواقع، كان لها نصيبٌ كبير من الصحة.. إذ ظل يُقاس «النجاح الاجتماعى» لفترة طويلة بين أبناء الحى،بعدد الخيارات التى يمتلكها الفرد للهروب منه (!).. وعلى أطراف تلك المنطقة (حى قاسم باشا) مارس الرئيس التركى «رجب طيب إردوغان» مهنة بيع «عصير الليمون».. قبل أن يُمارس السياسة.. إذ كانت البداية، عبر انضمامه لـ«الاتحاد القومى للطلاب الأتراك».. وبعد هذا انضم إلى «حزب الرفاه»، الذى أسسه نجم الدين أربكان (أقوى حلفاء تنظيم الإخوان الدولى) بالعام 1983م.. ثم أصبح رئيسًا لبلدية إسطنبول بالعام 1994م.

وكان لكل عوامل النشأة تلك تأثيرها السيكولوجى (النفسى) المباشر على تكوين شخصية إردوغان.. إذ حملت نشأته بـ«حى قاسم باشا» بُعدًا مُهمًا فى تكوين نظراته الاقتصادية، التى تُعادى (نوعًا ما) التعامل مع قواعد علم الاقتصاد الحديثة.. كما أجج «حرمانه الشخصى» (فى بعض المراحل) من رغباته فى الاستحواذ على كل شىء عندما وصل إلى السُلطة.. إذ كانت الهواية الرئيسية لبائع العصير الصغير، هى لعب «كرة القدم».. إلا أنه حُرم من هذه الهواية، عندما أخفى والده حذاءه، وأجبره على استكمال الدراسة.

وعلى عادة أغلب الفئات المُجتمعية البسيطة، يُمثل «المكون الدينى» (حتى لو من الناحية الاسمية) جانبًا محوريًا فى تكوين الرؤى والقناعات الشخصية.. لذلك كان اختيار «إردوغان» للانضمام المُبكر إلى «حزب الرفاه»، متوافقًا وقناعاته [المتأثرة بظروف النشأة].. لكن كان لتلك النشأة، أيضًا (ونقصد النشأة فى رحاب تيار الإسلام السياسى) انعكاساتها [هى الأخرى] على أحد جوانب الجدل التى شهدتها أروقة التيار داخل تركيا (حتى وقتٍ أخير)، وهى: أسلمة المُجتمع بشكل جذرى (توجه نجم الدين أربكان) أم  أسلمة المجتمع التركى تدريجيًا فى ظل غلبة «النزعة العلمانية»؟!

وعلى خلاف أستاذه، اختار «رجب طيب إردوغان» توجه العمل- بشكل تدريجى- ضد قيم «علمانية الدولة».. خصوصًا أنّ الوصول إلى حالة من التوافق بين [الإسلامى والعلمانى] داخل تركيا، كانت تجربة تحظى باهتمام عديد من دوائر اتخاذ القرار الغربية (خصوصًا الأمريكية منها).. لذلك أسس إردوغان» حزب «العدالة والتنمية»؛ إذ سعى الحزب لإبعاد [شُبهات البُعد الدينى] عن ممارساته.. على خلاف الحقيقة.

 ومع تقارب «إردوغان» والسياسات الأمريكية بالمنطقة (بعد فوز حزبه بالانتخابات فى العام 2002م)، لدرجة جعلته يوصف بعرّاب مشروع «الشرق الأوسط الكبير».. كان أن وصف حزبه بأنه حزب «يمينى محافظ».. وهو ما لم يكن دقيقًا هو الآخر؛ إذ انتهج إردوغان- بشكل متدرج- سياسات مُعادية لعديد من مؤسسات الدولة التركية، بما يكرس- فى المقام الأول- سيطرته على السلطات (التنفيذية والقضائية والتشريعية) كافة.



ثلاثى الإرهاب:

مع بداية الألفية الثانية، أيضًا.. ومع وصول حزب «العدالة والتنمية» لسدة الحكم فى تركيا، ودوره فى تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير (فضلاً عن الدعم الإعلامى « القطرى» عبر قناة الجزيرة)؛ كان أن احتضنت «تركيا»، بشكل شبه كامل، اجتماعات وتحركات تنظيم الإخوان (الإرهابى)؛ إذ بلغت هذه التحركات ذروتها مع بدايات العام 2003م، والعام 2004م، حيث شهدت «إسطنبول» (العاصمة التاريخية لتركيا) عديدًا من اجتماعات قيادات التنظيم الدولى خصوصًا اجتماعات [جهاز التخطيط]، الّذِى كان مسئولاً عن رسم تحركات التنظيم داخل الأقطار المختلفة، عبر خطة يتم تحديثها كل 4 سنوات.

وفى العام 2005م، استضافت «إسطنبول» أيضًا مؤتمرًا جديدًا لجهاز تخطيط التنظيم؛ لتقييم الأداء خلال العامين الماضيين.. انتهت خلاله إلى 15 توصية حول خطة التمكين المدعومة (تركيّا وقطريّا وأمريكيّا!).. وكان من بين تلك التوصيات ضرورة: «إنشاء «واجهة علنية» للعمل التخطيطى، من خلال تأسيس مراكز للدراسات الفنية والاستشارات بالأقطار، تُكَوِّن إطارًا لعمل التنظيم التخطيطى، وغطاءً للقاءاته.. وكان أن استُخدِمت هذه المراكز - بالفعل - فى اجتماعات التنظيم، عقب الإطاحة - مباشرة - بمرسى فى «30 يونيو 2013م».

ومع بدايات العام 2007م، كان أن ازداد التقارب «الإخواني/ الإردوغانى».. وفى حين أدّى العديد من قيادات «مكتب الإرشاد العالمى» دورًا محوريًّا فى التقارب مع مستشارى إردوغان، كان أن قدمت «الجماعة الأم» فى مصر فروض الولاء والطاعة، بإرسالها وفدًا- قاده حينئذ «عصام العريان»- لتهنئة إردوغان، بمناسبة فوز حزب «العدالة والتنمية» فى الانتخابات التشريعية للمرة الثانية.

.. ولم تجد الجماعة عناءً يذكر، فى تبرير الاتهامات الّتِى رددها بعض أفراد (الصف) للنموذج التركى، بأنه خرج عن الخطوط الإسلامية العريضة بعد قبوله مبدأ علمانية الدولة- بأنهم يجب أن يتعاملوا مع المتغيرات السياسية.. لا الدينية فقط.. داخل مجتمعاتهم المختلفة عبر (فقه المضطر)، أو الإكراه على قاعدة ما، حتى تأتى لحظة التمكين (!)..  وتبع هذا التقارب، تنسيق ملحوظ بين تحالف [تركيا/ قطر/ الإخوان].

واتخذ التنظيم، فى أعقاب هذا التقارب عددًا من الخطوات «الجادة» لإعادة توجيه القناعات السابقة لـ«صف الجماعة»، نحو إردوغان (الحالم بالخلافة!).. ومن ثمَّ، كان أن أفردت الجماعة العدد الثانى عشر من «مجلة الأمة»- لسان حال التنظيم إذ ذاك- الصادر فى يوليو من العام 2010م، لتجميل وجه «الخليفة المنتظر».. وحمل العدد عنوان: (الطموح التركى.. إلى أين؟!).. وأسفله «اقتباس» يقول: (يقول «جورج فريدمان» مؤلف كتاب «الـ 100 عام القادمة»: «تركيا فى الأساس دولة زعيمة رائدة، بحكم طبيعتها، هى قوة اقتصادية الآن، لكن دورها المستقبلى يتمحور حول نموذجها الثقافى؛ حيث ستتمكن من قيادة العالم الإسلامى فى الشرق الأوسط سنة 2040م، كما فعلت الإمبراطورية العثمانية سابقًا.. كما أن تركيا ستتحول إلى إمبراطورية فى المستقبل.. وفى العام 2060 م، ستكون ضمن أقوى أربع دول فى العالم»).

 وفى محاولة جديدة لإبراء ذمة الرجل، أمام أفراد صف الجماعة، من قبول مبدأ «علمانية الدولة»، كان أن ذكرت المجلة، تحت عنوان: (الجيش.. معركة إردوغان المستمرة!)، ما نصه: [العسكر فى تركيا يحمل لون علمانية الحكم، لذلك فتطبيق العلمانية فى تركيا يستمر من نافذة العسكر، ويختلف الجيش فى تركيا عن جيوش الاتحاد الأوروبى، فالجيوش فى دول الاتحاد الأوروبى يبقون فى خارج دائرة الحكم السياسى والتشريع.. ولكن الجيش فى تركيا يرى نفسه حاميًّا لمبادئ النظام الحاكم وعلى رأسها العلمانية، إذا رأى أى خطر محدقً بها فهو يتدخل].



عرائس أوباما:

عبر تلاقى أهداف الثلاثى (تركيا/ قطر/ الإخوان) مع مشاريع الإدارة الأمريكية السابقة (إدارة أوباما)، كان أن استحدث «البيت الأبيض» إدارة الارتباط العالمى (Global Engagement Directorate)؛ لدعم «سياسات الارتباط» على المستويات: الدبلوماسية، و«التنمية الدولية».. إلى جانب الارتباطات المتعلقة بـ«الأمن الأمريكى».

وكان من أُولى المهام الملقاة على عاتق «الإدارة الجديدة» وضع الخطوط الرئيسية لخطاب «أوباما» بجامعة القاهرة، فى 4 يونيو من العام 2009م؛ إذ مثّل «الخطاب» أُولى خطوات الإدارة المُستحدثة فى الدفع بـ«سياسات الأمن القومى الأمريكى»، نحو الاعتماد على «شركاء إسلاميين» بمنطقة الشرق الأوسط، نيابة عن الأنظمة القائمة بها.

لكن.. كان ثمة دورٌ «تكميلى» آخر لتلك المهمة، يتعلق بالترويج للخطاب (من حيث الأصل) على نطاق واسع بين ربوع العالم الإسلامى.. وهو دور لم تدخر «الإدارة الجديدة» وسعًا فى تنفيذه، عبر الشركاء «المُستقبليين» للولايات المتحدة بالمنطقة.. إذ تم ذلك الأمر تأسيسًا على ثلاثة محاور رئيسية، هى:
(أ)- فتح حوار موسع حول الشراكة بين «الولايات المتحدة الأمريكية»، و«العالم الإسلامى»؛ اعتمادًا على مراكز التفكير المختلفة.

(ب)- دعم الدورين: «القطرى»، و«التركى»؛ من أجل تعميق الاتصالات مع «قوى الإسلام السياسى» بالمنطقة.

(ج)- ترسيخ عمليات الاتصال بين «البيت الأبيض» و«إخوان أمريكا» تحت لافتة: «الأمن الداخلى».. والتواصل (بشكل عام) مع المنظمات الإسلامية «العاملة» بالولايات المتحدة؛ من أجل الاستقرار على صيغة من «المفاهيم المشتركة»، حول الإرهاب، وعلاقته بالدين الإسلامى.

ومن ثمَّ.. كان أن تداخلت «المحاور الثلاثة» على مدار الأشهر التالية لـ«خطاب جامعة القاهرة»، إلى حدٍّ بعيد.. إذ مثل ذروة هذا التداخل «منتدى أمريكا والعالم الإسلامى» الذى استضافته «الدوحة»، خلال الفترة من: 13 إلى 15 فبراير من العام 2010م، فى تعاون (مباشر) بين «الحكومة القطرية»، ومعهد «بروكينجز».. وهو «منتدى» تم افتتاحه بكلمة «مسجلة» جديدة للرئيس الأمريكى «باراك أوباما»، تحدث خلالها عن «البدايات الجديدة» مع العالم الإسلامى(!)

وعلى مدار الأيام الثلاثة، التى امتدت خلالها فعاليات المنتدى؛ كان على رأس المتحدثين من ممثلى «الجانب الشرق الأوسطى»، كلٌ من: الرئيس التركى «رجب طيب إردوغان» (كان رئيسًا للوزراء، وقتها)، ورئيس الوزراء ووزير الخارجية القطرى،الشيخ «حمد بن جاسم آل ثان».

وفى حين شارك بعض ممثلى «الأنظمة العربية» بعدد من تلك الفعاليات؛ كان أن مثلّ الجانب الأمريكى (خلال أيام المنتدى الثلاثة)، كل من: وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة «هيلارى كلينتون»، والسناتور «جون كيرى» (وزير الخارجية فى ولاية أوباما الثانية)، والسفير «ريتشارد هولبروك»  (Richard Holbrooke)، ومبعوثة الخارجية الأمريكية الخاصة للجالية الإسلامية «فرح بانديث»  (Farah Pandith)، والمبعوث الأمريكى لمنظمة التعاون الإسلامى «رشاد حسين» (Rashad Hussain)، ومدير إدارة الارتباط العالمى «براديب رامامورثى» ((Pradeep Ramamurthy إلى جانب كل من: نائب رئيس معهد بروكينجز» للسياسة الخارجية «مارتن إنديك»  (Martin Indyk)، ومدير الاستخبارات السابق بمكتب «الاستخبارات والأبحاث» التابع لوزارة الخارجية الأمريكية «ألين كايسويتر».


وبامتداد أيام ما اصطلح على تسميته بـ«ثورات الربيع العربى»، كان أن امتد التفاعل بين كل من (إدارة أوباما/ تركيا/ قطر/ الإخوان) إلى الدعم والتحالف مع عناصر الميليشيات المسلحة (التابعة لتنظيم القاعدة) بأرجاء الشرق الأوسط كافة..  إذ امتد هذا التعاون إلى كل من سوريا وليبيا وبعض الأماكن الأخرى بالوطن العربى.. كما احتضنت كل من: أنقرة والدوحة عناصر الإخوان الهاربة بعد سقوط «حكم المرشد» فى  مصر بالعام 2013م.


.. إلا أن كل تلك الجرائم (وهى لا تسقط، بالمناسبة، بالتقادم) لا تزال ممتدة إلى اللحظة.. بل تفرض نفسها على أجندة كل «لقاء حميم» بين رجب وتميم (!)
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز