عاجل
الأحد 6 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
الاختلاف.. رحمة

الاختلاف.. رحمة

بقلم : محسن عبدالستار

الاختلاف سنة كونية من سنن الله سبحانه وتعالى، بداية من اختلاف الليل والنهار والفصول الأربعة، واختلاف ألوان البشر، واختلاف الطبيعة من بلد إلى آخر، فالاختلاف حالة صحية، وكما يقال، "لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع".



إن وجود أكثر من وجهة نظر أو رأي حول موضوع واحد لا يمكن تفسيره على أنه حالة سلبية، على العكس، فإنها حالة إيجابية لا بد منها في أي نقاش يجري بين مجموعة من الأفراد، لما لها من فوائد.. فأعقل الناس من جمع إلى عقله عقول الناس.

لا شك أن درجة الثقافة والوعي في البيئة المحيطة بنا إلى جانب الذكاء الشخصي للإنسان، تعد من العوامل المهمة في حسن اتخاذ القرارات المناسبة في مختلف المواقف التي يتعرض لها الإنسان.. من هنا تظهر أهمية الحوار الذي له دوائر متعددة، تبدأ من دائرة حوار الإنسان مع نفسه، وهو الحوار الذي لا يتوقف أبدًا.. وهو يتجلى بصورة واضحة قبل اتخاذ القرارات المهمة، وبعدها أيضًا.. وهذا هو المستوى الواقعي الذي تترتب عليه نتائج عملية في حياتنا اليومية.

ينبغي علينا الانتباه إلى أن حوار الإنسان مع نفسه، قد ينتقل إلى مستوى خيالي خالص، وهو ما يطلق عليه عادة أحلام اليقظة، أي الحوار مع النفس حول أمور غير قابلة للتحقيق.

لا بد من التوقف قليلًا عند كلمة مأثورة في ثقافتنا العربية، تقرر أن "اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية"، وهي عبارة جميلة جدًا تتضمن قاعدة ذهبية من قواعد الحوار، لكننا نلاحظ عدم تطبيقها في حياتنا اليومية، ولا في معاملاتنا مع الآخرين.. فنحن نغضب ممن يختلف معنا في الرأي، ويسرع المنافقون فيصورونه لنا على أنه عدو يسعى لتدميرنا، وهكذا يتحول صاحب الرأي المخالف إلى "جبهة أخرى" تستحق التدمير، بدلاً من أن نواصل الحوار معه بهدف الوصول إلى أرضية مشتركة، أو نقطة وسط.

أما الدائرة الثانية فتتمثل في حوار الإنسان مع أفراد أسرته، وأصدقائه.. وأهم ما يميز هذا النوع هو الحرص على مصلحة الإنسان، وشيوع روح المودة، وتناول مختلف الموضوعات دون حرج، لكن أهم ما يفسده هو الاقتصار على سماع الرأي الذي يتماشى مع ميول الإنسان وأهوائه، ونفوره من الرأي الذي يتعارض معها.

أما الدائرة الثالثة، فتتمثل في حوار الإنسان مع زملائه في العمل.. وهنا ينحصر الحوار في مجال أو مجالات محددة، ويحركه في الغالب حب الغلبة والمنافسة، لكنه عندما يخلو من المطامع والأغراض الشخصية، ينصب على مصلحة العمل، وتحسين وسائل الأداء، أو زيادة الإنتاج، يكون مثمرًا للغاية.

هناك نوعان أساسيان للحوار هما: الشفهي، والمكتوب.. ومن الواضح أن الأول منهما هو المستخدم في سائر شؤون الحياة اليومية، وهو يتميز بالحيوية والسرعة، ويهدف إلى تحقيق المصالح العاجلة، مستخدمًا الحجج الخطابية والعاطفية إلى جانب القليل من الحجج العقلية.

أما الحوار المكتوب فيمكن وصفه، بأنه حوار العقل والمنطق، وهو يمتلئ بالحجج البرهانية والجدلية، ولأنه لا يسعى لتحقيق مصالح عاجلة أو قريبة فإنه يتصف بالطول، وبقدر من البرود، لأنه يناقش أفكارًا، واللجوء فيه إلى العاطفة أو الانفعال يعد أمرًا معيبًا.. كذلك فإن التجريح الشخصي يهبط بقيمته، ويخرجه عن المستوى اللائق به.

إن النتائج لا تأتي من فراغ، فإذا كنا نطمح إلى أن تكون حواراتنا منتجة، وتضعنا على الطريق الصحيح، لا بد من أن نتتبع نماذجها الجيدة، ونفحص أسباب نجاحها، ونرصد بكل دقة الشروط التي تساعدنا على هذا النجاح.

وكان اختلاف الفقهاء رحمة للناس، ليجدوا أنفسهم أمام أكثر من رأي، ولكلٍّ حجة، فإذا أخذوا بأي رأي منهم كانوا على صواب.

وختامًا.. إن الالتزام بهذه الأسس والقواعد في الحوار، كفيل بارتقاء الفرد في حواراته مع الآخرين، وبما يعود بالخير والنفع على الفرد وعلى المجتمع بصورة عامة.. وقدوتنا في ذلك الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- الذي قال عنه الله عز وجل: "لو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك".

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز