عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
(النصف غير الآخر) نذالة

(النصف غير الآخر) نذالة

بقلم : سامية صادق

تؤلمنى نذالة الآخرين ألم من نوع خاص.. ذلك الألم الذي يصاحبه الاحتقار ونظرات الازدراء والشعور العميق بالمرارة.



والنذالة من الصفات التي تتنافى مع الأخلاق والرجولة والإنسانية والاحترام...

وأصعب نذالة هي تلك التي يمارسها الحبيب تجاه حبيبه!!...فيتنكر لقلب قد خفق بحبه في يوم من الأيام!!!

وقد شهدت وسمعت وقرأت الكثير من الحكايات الواقعية التي يستندل فيها الحبيب مع حبيبه.. ولكن تحضرني قصتان تأثرت بهما كثيرا...وقد بدأت أحداثهما من مواقع التواصل الاجتماعي. 

وما زلت أتذكر تلك الواقعة التي نشرتها الصحف... حين لاحظ أحد رجال الأمن بمطار القاهرة فتاة يابانية صغيرة ربما تكون في العشرين من عمرها أو أكبر قليلا تقف وحيدة حائرة وشعرها الأسود القصير  يحيط بوجهها الأبيض الحزين... بينما عيناها الضيقتان تتحركان يمينا ويسارا وكأنها تبحث عن شئ لا تجده وتبكي...يقترب منها رجل الأمن ويسألها عما بها...وتخبره من خلال دموعها أنها تنتظر شخص اسمه فلان الفلاني...فيصطحبها الرجل لشرطة المطار...وتوجه الشرطة نداء من خلال الميكرفون إلى الاسم التي ذكرته آملين أن يكون موجودا ولم يستطع الوصول إليها!!

ولكن يبدو أن هذا الشخص لم يأت للمطار أصلا!!! 

وتحكي الفتاة قصتها لهم من خلال دموعها التي لم تتوقف..

وتخبرهم أنها أحبت شابا مصريا التقت به من خلال أحد المواقع على شبكة الإنترنت...وارتبطت به لأكثر من عام...وكانا يتحدثان كل يوم بالساعات الطويلة وبالصوت والصورة في معظم الأحيان...ويخبرها بأنه يعمل مهندس إلكترونيات ويعيش بالقاهرة... ويعمل بشركة كبيرة وأنه حدثها كثيرا عن مصر ووعدها أنها حين تأتي لزيارتها سيعد لها برنامجا سياحيا مميزا لمشاهدة المعالم والآثار.... وأنه سيصطحبها للأهرامات وأبو الهول والأقصر وأسوان...كما كان يرسل لها صوره في الأماكن التي حدثها عنها... ويطلب منها أن تأتي إلى مصر كي يتزوجا....ويؤكد لها أنه سيكون في انتظارها بمطار القاهرة وأنه سيقيم لها حفلا كبيرا يدعو فيه كل عائلته وأصدقائه كي يعرفهم عليها !!

وتؤكد الفتاة أنه حتى اللحظة الأخيرة وأثناء وجودها في مطار طوكيو وقبل صعودها للطائرة بدقائق كان يحدثها ويخبرها أنه سيكون أول وجه تراه حين تصل مطار القاهرة!!

وتظل الفتاة العاشقة تحلم طوال المسافة التي تقطعها الطائرة من طوكيو للقاهرة بلقاء حبيبها (الفرعون المصري)....وتتخيل أنه سيتلقفها بعينيه وقلبه وإحساسه حين يلمحها وأنه سيضمها ويعانقها في مشهد رومانسي طالما حلمت به وشاهدته في الأفلام الرومانسية!!! وانه سيحقق لها ما حلما به معا خلال أيام وليال طويلة أمضياها على الشات وأمام كاميرات(إسكايب) وصفحات (الفيس بوك).

وتهبط الطائرة مطار القاهرة... فيخفق قلبها وهي تتجه لصالة الخروج وتتلهف على رؤيته وعيناها الضيقتان تمسحان المكان وتتفقد الوجوه ويعلوها الإحباط وخيبة الأمل!!...فلا تجده في استقبالها!!! أنها تحفظ ملامحه جيدا وتستطيع أن تميزه من بين مليون شخص...وبين كل المتواجدين بالمطار لا تجد من يشبهه!!!...تحاول الاتصال به على تليفونه فتجده غير متاحا!!!...تقرر أن ترسل له رسالة على الفيس بوك فتجده قد أغلق حسابه!!!...ترسل له على(الواتس آب) تجده قد ألغاه!!...لقد سد في وجهها كل المنافذ التي يمكنها الوصول إليه من خلالها!!!

يسمع المسؤولون بمطار القاهرة قصة الفتاة بتأثر شديد ويعيدونها إلى بلدها على أول طائرة مسافرة لليابان!!!

القصة الثانية التي تأثرت بها كثيرا...حدثت أيضا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي....حيث ارتبط طبيبا مصريا شابا بامرأة أمريكية تكبره بأكثر من عشرين عاما...كانت شقراء طويلة رشيقة... تنتمي لأصول هولندية وتعيش في نيويورك... ولديها بنت من زواج سابق تدرس بولاية شيكاغو...وقد عاشت السيدة مع الطبيب الشاب قصة طويلة جميلة من خلال الشات والموبايل وبرامج الاتصال والتواصل...وقد وعدها بالزواج ووعدته بأن تصطحبه معها لأمريكا وتمنحه الجنسية الأمريكية وتساعده بأن يبدأ خطواته العملية كطبيب...وتجئ السيدة إلى القاهرة كي تلتقي بحبيبها وتتزوجه كما اتفقا...ويستقبلها استقبالا فاترا لا يليق بقصة حبهما الطويلة ولا بوعوده السابقة لها... ويحجز لها إقامة بأحد الفنادق المتواضعة لثلاثة أيام... وقد عرفها على أصدقاء له خلال تلك الأيام...وأخبرها أنها لو أرادت أن تبقى بمصر أكثر فعليها أن تدفع تكاليف الإقامة بالفندق...لكنها أخبرته أنها جاءت لمصر كي تتزوجه وتعيش معه لا أن تقيم بالفنادق!!.. ويتهرب منها ويغلق تليفوناته ويغلق صفحته على الفيس بوك!!!...فتتصل بأحد أصدقائه من الذين عرفهم عليها...فيحدثها بحفاوة ويرحب بمكالمتها وخاصة أنه تعاطف معها بعد أن علم بنذالة صديقه وتخليه عنها بعد أن حضرت إليه خصيصا من الولايات المتحدة...وشعر أن صديقه باستنداله معها قد أساء إلى كل المصريين !!...ويذهب إلى الفندق التي تقيم به ويدفع لها تكاليف الإقامة....ويخبرها أنه لديه شقة صغيرة خالية بأحد الأحياء الشعبية ينتوي أن يفتحها عيادة فيما بعد....وأنها ستكون تحت تصرفها ويمكنها أن تبقى بها طوال فترة إقامتها بالقاهرة.. ويصطحبها إليها بعد أن أعدها وجهزها ببعض الأثاث البسيط والأدوات الكهربائية الأساسية...وظل يرعاها ويطمئن عليها ويسأل عليها باستمرار ويحضر لها ما تحتاجه من مأكل ومشرب ويقوم بتوصيلها إلى ماتريد من أماكن...وكان يتردد عليها بشكل يومي بعد انتهائه من العمل...حتى اعتاد على وجودها بحياته وارتبط معها بقصة حب وتزوجا...وسافر معها إلى نيويورك بعد ذلك... وكانت دائما تشجعه على تحقيق أهدافه وإنجاز (المعادلة) في الطب حتى يتمكن من ممارسة عمله كطبيب بأمريكا وظلت تؤازره وتسانده بمالها وجهدها وحنانها ودعمها النفسي والمعنوي له...فكانت بجواره في كل خطواته وتشجعه على المذاكرة حتى اجتاز (المعادلة) وصار طبيبا ناجحا بمستشفيات نيويورك....وهي سعيدة به فخورة بنجاحه وصعوده تقيم من أجله الاحتفالات وتدعو له الأصدقاء وتصنع له المفاجآت التي تسعده... وكان ممتنا لها يصطحبها معه إلى كل مكان يذهب إليه ويغدق عليها من حبه وحنانه واهتمامه... ويقدمها دائما بفخر وإعتزاز لأصدقائه ومعارفه قائلا:

كم أنا رجل محظوظ لأن هذه المرأة الجميلة العظيمة زوجتي 

وكما كان يحرص أن تسافر معه أثناء زيارته لعائلته بمصر...غير مبال أو منزعج من كلام والدته وإخوته وانتقاده له بأنه يتزوج من سيدة في عمر أمه.

وتكبر الزوجة ويتسلل الشيب إلى شعرها والوهن إلى جسدها وهو لا يزال شابا...فابنتها من زوجها الأول تزوجت وأنجبت وهي قد صارت جدة ولديها حفيدان...بينما لم تنجب منه...وتطلب منه أن يتزوج من أخرى كي يصير أبا...لكنه يرفض...ويصارح المقربين منه:

أبدا لن أجرح مشاعرها أو أقهرها...فأنا أحبها كثيرا وأحترمها كثيرا ولن تعوضني أي امرأة عنها !!!فهي من وقفت بجواري وساندتني وصنعتني.

وتظل قصة وفاء ذلك الطبيب الشاب لزوجته التي تكبره بأكثر من عشرين عاما  قصة فريدة ونادرة بين قصص النذالة ونكران الجميل !!

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز