عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الأزمة المنسية
بقلم
محمد نجم

الأزمة المنسية

بقلم : محمد نجم

حضرت مؤخرًا «ندوة» خاصة سمعت فيها أرقامًا أزعجتني جدًا، وأقلقتني والمشاركين على مستقبل الأبناء والأحفاد.



وتتلخص تلك الأرقام المفزعة في أننا زدنا خلال العامين الماضيين فقط أكثر من 4 ملايين مولود جديد!

وطبقًا للتعداد الأخير الذي قام به الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، والذي أعلنت نتائجه في نهاية 2017، بلغ عدد سكان مصر في الداخل - وقتها - 
96 مليون نسمة، هذا بخلاف 9 ملايين مصري في الخارج طبقًا لإحصاءات وزارة الخارجية.

والآن بلغ عدد السكان داخل مصر 98.8 مليون!

وقد يرى البعض أن زيادة عدد السكان ليست «نقمة» في حد ذاتها، ويمكن أن تتحول إلى «نعمة» إذ أحسنا توظيفها، وفى رأيي أن هذا «كلام نظرى» يصطدم بالواقع.

فطبقًا للتحليل الذي قدمه د. حسين عبد العزيز لملامح الوضع السكانى في مصر، يلاحظ أن تلك المشكلة والمتمثلة في زيادة معدل النمو السكانى لأسباب عديدة، قد تحولت إلى «أزمة»، ولكنها لاتحظى بالاهتمام الكافى من المجتمع على الرغم من التحذيرات التي أطلقها الرئيس السيسى أكثر من مرة من التداعيات السلبية لهذه الزيادة والتي تحولت من متوالية «عددية» إلى متوالية «هندسية»، فطبقًا لنتائج التعداد الذي أعلنت نتائجه عام 2006، كانت الزيادة - عن التعداد السابق - حوالى 12 مليون نسمة.

ولكن تعداد 2016 والذي أعلنت نتائجه في سبتمبر 2017، كشف أن حجم الزيادة ارتفع إلى 22 مليون نسمة أي خلال عشر سنوات فقط زدنا 22 مليونًا، أي بمعدل 
2 مليون و200 ألف نسمة سنويًا.

وطبقًا لبعض الخبراء في هذا المجال فقد بلغ معدل الزيادة السكانية في مصر مقارنة بما يحدث في الصين 4 مرات، وبما يحدث في أوروبا 5 مرات.

والمشكلة ليست في ارتفاع معدل المواليد فقط، ولكن المشكلة الأساسية في الخلل بين نسب المكون والخصائص السكانية، إلى جانب الاختلال في التوزيع على المحافظات المصرية.

فالتعداد الأخير كشف ارتفاع نسبة السكان بين الأقل من 15 عامًا، وهذا معناه انخفاض في قوة العمل، ناهيك عن الاختلال بين عدد الذكور والإناث، وكذلك حجم البطالة بين الحاصلين على المؤهلات العليا، وبين الحاصلين على الشهادات المتوسطة «الدبلومات»، وكذلك الحاصلين على الشهادة الإعدادية فقط، وأيضا الأميين الذين لم يحصلوا سوى على شهادة الميلاد!

ويكفي هنا أن نعلم أن نسبة الأمية بين السكان الحاليين بلغت 18.5%.. زد على ما تقدم ارتفاع نسبة «الإعالة» في مصر، أي تحمل الأب أو الأم وحدهما «إعالة» بقية أفراد الأسرة والتي غالبًا ما تكون أكثر من خمسة أفراد.

ويكفي هنا أن نعلم أن نسبة 10% من نساء مصر.. أرامل!..

أضيف على ذلك ما أشرنا إليه من قبل وهو «الاختلال» في التوزيع فقد استحوذت المحافظات الحضارية على 17% من السكان مع أنها لاتمثل سوى 1.6% من مساحة مصر الكلية، فالمقارنة شاسعة بينها وبين المحافظات الحدودية.. ومنها مثلًا سيناء ومطروح والوادى الجديد والبحر الأحمر!

والمعنى أن هنا في القاهرة الكبرى - مثلًا - «القاهرة والجيزة والقليوبية» تكدس سكانى رهيب وما يعنيه ذلك من ضغط على الخدمات وازدحام في المواصلات، وارتفاع في أسعار السلع الغذائية.

وهناك في الوادى الجديد والبحر الأحمر - مثلًا - فراغ كبير يحتاج من يملؤه!

ولك أن تتخيل حجم معاناة محافظة القاهرة والتي يعيش فيها وحدها أكثر من 9.5 مليون مواطن، بخلاف المترددين عليها يوميًا.

أضف إلى تلك النسب والأرقام ما كشف عنه التعداد الأخير من أن 23% من الوحدات السكنية في مصر.. شاغرة!.. وهو ما يعنى «رأس مال» معطل.. بعد أن تحول العقار في مصر إلى «مدخرات» ووسيلة للاتجار!

ولو ربطنا تلك الأرقام والنسب السابقة والخاصة بالزيادة السكانية في مصر، وبين أرقام الموازنة العامة الجديدة، فسوف يتضح لنا - بما لايدع مجالًا للشك - لماذا هي «مفزعة»؟!

فالدولة تسابق الزمن في عمليات التنمية والإصلاح الاقتصادي، وما يجرى على الأرض واضح ومحل متابعة من الجميع، وكل ذلك بهدف توفير «حياة كريمة» للمواطنين.

ولكن تأتى الزيادة السكانية لتعاكس تلك الخطوات الجادة، فقد بلغت الإيرادات المقدرة في الموازنة العامة الجديدة والتي يبدأ تطبيقها من أول يوليو المقبل تريليونا و134 مليار جنيه، في حين بلغت المصروفات المقدرة أيضا بحوالى تريليون و574 مليار.

وهو ما يعنى أننا سنبدأ العام المالى بعجز مبدئى قدره 440 مليار جنيه، مع العلم أن 75% من الإيرادات المتوقعة سيأتى من الضرائب بمسمياتها المختلفة.

ومع العلم أيضا أن المصروفات المتوقعة في الموازنة تتضمن 569 مليار خدمة الدين العام «أقساط وفوائد»، و301 مليار أجور ومرتبات، و328 مليارًا للدعم سواء لصندوق المعاشات أو للمواد التموينية أو المنتجات البترولية.

وإذا كنا نريد رفع معدل النمو الحالى من 5.5 إلى 6% فهذا معناه استثمارات جديدة.. سواء كانت عامة أو خاصة، والعامة تحتاج إلى تمويل.. والتمويل من خلال الموازنة التي تعانى من العجز المبدئى.

إذن.. لا تراجع ولا استسلام أمام تلك الزيادة السكانية الرهيبة حتى تحافظ على ما تحقق، وأن تنتج عمليات التنمية الجارية أثرها الإيجابى على المواطنين بمعنى إمكانية توفير خدمات صحية مناسبة، وتعليم جيد وإسكان لائق، ومياه نظيفة وخدمات أساسية.

وأختم بالجملة الموحية التي قالها مقرر المجلس القومى للسكان «أكثر إنسان تقدر تشتريه، هو من كان عقله وجيبه وقلبه فاضى»، حيث لا عمل ولا فلوس ولا انتماء!

وبالطبع لا نرغب في الوصول إلى تلك الحالة.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز