عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
(النصف غير الآخر).. ازدواجية مصرية

(النصف غير الآخر).. ازدواجية مصرية

بقلم : سامية صادق

كانت تحدثني عنه دائما..تذكر الكثير من عيوبه وتشكو من تناقضاته في كثير من الأمور وكأنه لديه انفصام بالشخصية مثل غالبية الرجال الشرقيين.. ورغم ذلك تعترف بأنها تحبه وتنتظره إلى أن تتحسن أحواله المادية كي يتقدم لخطبتها كما وعدها.. فهو يبحث عن عقد عمل بإحدى دول الخليج.



كان مغتربا بالقاهرة حيث نزح من إحدى محافظات الوجه البحري ويسكن بشقة مشتركة مع صديق له.. وكانت تعيش بحي المنيل في إحدى البنايات القديمة العريقة التي تطل على النيل.. وتعمل بشركة استثمارية كبرى.

تلتقي به مصادفة بدار الأوبرا بمعرض فن تشكيلي يقيمه أحد أصدقائها.. وكان من بين الحضور.. ومنذ أن تحدثت معه للمرة الأولى حين سألها عن رأيها في بعض اللوحات وظل الحديث بينهما مستمرا لا ينقطع.. يخبرها بأنه يعمل بقطاع الفنون بوزارة الثقافة.. ربما جمعهما حب الفنون.. كما كانا يتكلمان في كل شيء.. في الأدب.. في الفن.. في الثقافة.. في التاريخ.. في السياسة في.. الرياضة.. في كل أمور الحياة.

يتفقان كثيرا ويختلفان أكثر.. ولكن حوارهما دائما متجددا لا ينضب.. فهو على قدر كبير من الثقافة تجعله لديه ما يقوله ويجبرها على سماعه.. وهي أيضا بهدوئها ورقيها وجمالها وقراءاتها المتعددة وإلمامها بالأحداث تستطيع أن تجعله منجذبا لها طوال الوقت.

وكثيرا ما كان يدعوها على حفلات موسيقية.. أو عروض للباليه.. أو مهرجانات فنون شعبية.. فبحكم عمله كان دائما لديه مثل تلك الدعوات المجانية للمحافل الثقافية والفنية المهمة.. ودائما ما تلبي دعوته للحضور في أيام إجازتها.. وكثيرا ما يتبادلان الكتب.. ودواوين الشعر.. وخفقات القلوب.. ونظرات الحب.. وتتذكر اليوم الذي اعترف فيه لها بحبه.. كان على أنغام لحن (الأطلال) لأم كلثوم.. حيث كانت تحضر معه حفلا موسيقيا بمسرح الهناجر.. وكان يجلس بجوارها وكل منهما يحلق مع الموسيقى البديعة والأجواء الحالمة الرومانسية.. فتجده يقترب منها ويهمس بأذنها بصوت يضع فيه كل إحساسه:

أحبك..

ويكررها مرة أخرى بنفس الإحساس:

أحبك

ومنذ أن اعترف لها بحبه عاهدت نفسها ألا تكون لغيره وأن تنتظره مهما طالت السنين.. وتعاهدا ألا يفترقا.. وأن تظل مخلصة له ولا تسمح لأي رجل غيره بالاقتراب من مشاعرها.

تساعده في الحصول على عقد عمل بالخليج بمساعدة خالها الذي لديه الكثير من المعارف هناك.. ويعدها أنه سيأتي في أول إجازة له للتقدم لخطبتها وتقديم الشبكة.. وبعدها يكون قد أعد نفسه للزواج وأسس شقة الزوجية ويرسل لها كي تأتيه.

ويسافر.. يتصل بها في الشهر الأول عدة مرات.. ثم تنقطع اتصالاته بعد ذلك.. تشعر بالقلق.. ولا تعرف كيف تطمئن عليه! فهي لم تعرف عن سكنه شيئا سوى أنه من كفر الشيخ ويستأجر شقة صغيرة مع صديق له من قريته بحي إمبابة.. لكن لم تسأله يوما عن عنوانه هناك.. ولكن يمكنها أن تتصل بجهة عمله وتسأل عنه؟ وتحاول أن تبحث عن أرقامها من خلال الإنترنت.. وتتصل ولم تسطع الوصول إليه! لم يعد أمامها غير خالها الذي ساعده في الحصول على عقد العمل.. وتسأله فيخبرها أنه لا يعرف اسم المؤسسة التي يعمل بها وهي كبيرة ولها فروع متعددة.. وأنه سيتصل بالصديق الذي وفر له هذا العمل ربما يعرف عنه شيئا.

ويأتيها خالها بأرقام تليفوناته.. وتتصل به لكنها تفشل في الوصول إليه.. وتتذكر أنه قد أخبرها من قبل أن ابن عمته يعمل بمكتب أحد المحامين الكبار وتتذكر اسمه جيدا.

فتذهب إلى المكتب الذي يقع في وسط البلد.. وتسأل عن ابن عمته.. وتقابله بالفعل وتسأله عنه..

ويقول لها:

ربما لا يرد عليك لأنه عريس جديد!

يقع عليها الخبر موقع الصدمة وتشعر بدوار

ويواصل ابن عمته:

لقد سافرت له العروس منذ أسبوعين فقط!

تردد ما يقوله:

سافرت له!

ويستطرد ابن عمته:

نعم لقد حضر من شهرين وعقد قرانه على فتاة من قريتنا.. وسافر ليجهز الشقة ويستعد لاستقبال العروس.

تبتلع ريقها وهي تسأله بصوت مختنق:

هل كان يحبها؟!

يضحك ابن عمته وكأنها ألقت عليه نكتة ويقول:

حب إيه.. هو إحنا بتوع حب تعرف عليها بشكل تقليدي.. رشحتها له أخته وشاهدها وأعجبته وكتب كتابه في نفس الأسبوع وسافر!

تقول بدهشة:

وماذا تعمل زوجته؟!

لا تعمل.. فهذا كان شرطه.. ولا أعلم لو كانت حاصلة على مؤهل عالٍ أو متوسط.. فلن يفرق معه المؤهل!

تترك ابن عمته وهي تحاول أن تتماسك ولا تنهار أمامه.. لكن المفاجأة تفوق احتمالها وتكاد أن تعصف بها.. لا تستوعب ما سمعته ولا تجد له مبررا.. لقد سمعت من قبل عن مثل هذه القصص ولم تكن تصدقها.

لماذا كل هذا الخداع؟! لماذا الندالة والخيانة والكذب؟ لماذا الزيف ونقض الوعود والتملص منها؟!

ورغم قسوة الصدمة إلا أنها استطاعت أن تجتازها بعد وقت قصير! أن الخيانة رغم ألمها في البداية لكنها دافع قوي لتسقط أي شخص من نظرك وحساباتك.. وقد سقط من نظرها إلى الأبد.

والمدهش أنها تتلقى مكالمة تليفونية منه بعد زواجه بشهرين تقريبا.. يؤكد لها أنه يشعر بالندم لأنه تركها وأنه تسرع بقرار زواج من امرأة لا تفهمه ولا توجد أي عوامل مشتركة بينهما! وظل يعدد لها في مساوئ زوجته بلا حرج أو حياء:

إن زوجتي لم تقرأ كتاب في حياتها ولا حتى جريدة! ولا هم لها سوى تنظيف البيت والطبيخ فقط! أنها لا تفهم معنى أي بيت شعر ألقيه عليها! ولا تحب أم كلثوم وتسخر من الأغاني القديمة والموسيقى الكلاسيكية! أنها شخصية سطحية تافهة لا معنى لها!

كانت تستمع إليه واحتقارها له يزداد.. حتى المرأة التي تزوجها لم يستطع أن يتحدث عنها باحترام!

تقول بلهجة حادة:

ماذا تريد؟

يقول بتوسل:

أن نعود أصدقاء! أن تسمح لي أن أتحدث معك كما كنا نتحدث.. أتوق لحواري معك في كل شيء.. الفن والموسيقى والسياسة والحب.. فأنا لا أجد من أتحدث معه وأشعر بالوحدة والضياع! أنت من كنت تستوعبيني وتفهميني.. أرجوك لا تحرميني من الكلام معك!

مع كل كلمة ينطقها كان احتقارها له يتضاعف.. وتحمد الله أنه أنقذها من خسته ووضاعته..

ثم تغلق التليفون وتقوم بعمل حظر لأرقامه.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز