عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
معارك دولة 30 يونيو المستمرة

معارك دولة 30 يونيو المستمرة

بقلم : هاني عبدالله

 



أسرار فلسفة الثورة.. بعد 6 سنوات من الفضاء على إرهاب الإخوان

 

عندما خرج الشعب المصرى فى 30 يونيو من العام 2013م ثائرًا، وهاتفًا: «يسقط.. يسقط حكم المرشد»، كان «الوعى الجمعى» للشعب، حينئذ، يحدد- بكل دقة- حقيقة خصومته وأسباب رفضه؛ إذ كانت الجماهير [الغاضبة] تدرك يقينًا أنَّ من بات يحكم مصر هو «مكتب الإرشاد»، لا مندوب مكتب الإرشاد ذاته بقصر الاتحادية.. وأنه لا يُمكننا- بأى حال من الأحوال- أن نعتبر أننا كنا أمام «نظام حُكم» يُعبر عن واقع «الدولة المصرية».. بل كُنّا أمام جماعة تقتات على العنصرية.. بلا جنسية.. جماعة غير وطنية.. كما أدرك الشعب أنَّ نسيج تلك الجماعة مُختلف عن «نسيج الهوية».. لذلك.. عندما زُرع هذا «الكيان» داخل جسد «الدولة»؛ كان أن لفظه جسد الوطن، ومن دون تردد.

بامتداد الست سنوات الماضية (سنوات الثورة على التطرف واستعادة الهوية) كان أن بدأ الجسد، الذى أنهكته الخطوب المتتابعة (منذ العام 2011م) فى التعافى تدريجيًّا.. وعادت الدولة (بمفهومها الواسع)؛ لكى تصبح هى «الفاعل» الرئيس.. إلا أنَّ هناك من لا يريد لنا- جزمًا- أن نصل لتلك النقطة.

فقبل 6 سنوات (هى عمر ثورة 30 يونيو)؛ كان أن تحقق [نسبيًا] السيناريو الذى صاغته بعض الدوائر فى «واشنطن» لتصعيد قوى الإسلام السياسى، على رأس السلطة بمنطقة الشرق الأوسط، بعد أن تقاطع عددٌ من أذرع «تنظيم الإخوان الدولى» بامتداد قارات العالم القديم ومخططات «أبناء العم سام» (وهى قصة كثيرًا ما كشفنا ونبهنا إلى تفاصيلها).. إذ فى الواقع، كان وصول تنظيم الإخوان (الإرهابى) إلى السُلطة، هو أول مراحل استهداف [العمود الفقارى] للدولة المصرية ذاتها، وأجهزتها الأمنية(!)

فوفقًا لمخططات «الإخوان» التنظيمية؛ فإنّ استهداف «المؤسسة العسكرية» المصرية (على سبيل المثال) كان أن تم تضمينه فى وثيقة تنظيمية جامعة، عُرفت باسم: «وثيقة الرؤية الشاملة» (راجع فى هذا كتابنا: كعبة الجواسيس: الوثائق السرية لتنظيم الإخوان الدولى).. وكان من بين ما تضمنته الوثيقة: «إن الجماعة ترى أنّ السياسات الدفاعية والأمنية يجب أن تقوم على عدة مرتكزات»، منها: اعتماد فكرة الجيش الشعبى «الرديف»، وتعبئة القادرين فى وحدات جيش احتياطى توازى أعمالهم المدنية؛ ليكونوا احتياطًا فعليًا للجيش، ورديفًا منظمًا له، من خلال دورات استدعاء دورية لتحديث المعلومات والانضباط العسكرى.

(أى أنّ الجماعة كانت تريد جيشًا موازيًّا للجيش النظامى.. لا فى مصر فحسب؛ بل فى كل دولة تصل فيها الجماعة للحكم).. وكان من بين «السياسات» التى اعتمدتها الجماعة؛ للتعامل مع المؤسسات العسكرية «القائمة» ذاتها: (تمهيد التربة العسكرية لاستقبال عقيدة التنظيم).

وفى الحقيقة.. فإن هذه الفكرة، كانت تستهدف- فى المقام الأول- أن يكون التنظيم حال وصوله للسلطة، قادرًا على تقنين وضع أى ميليشيات مسلحة؛ حتى يمكن استخدامها، بعيدًا عن الاحتكاك بالمؤسسة العسكرية (الرسمية)، حال فشل سيناريو الأخونة(!)

كما كانت سياسات الجماعة فى المجال الشرطى، أيضَا، هى أن يتم تمهيد الأرض أمام «جهاز الشرطة»؛ لاستقبال عقيدة التنظيم.. واستصدار التشريعات الّتِى تضبط مهام «الأمن السياسى» وتنظيم عملية الرقابة عليه.. وإنشاء أجهزة [شرطة حماية الآداب والأخلاق العامة].. أى أنّ الجماعة (كانت تخطط- بالفعل- لتأسيس نموذج شبيه بـ«هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»!).

وما لم يدركه قيادات التنظيم- خلال وضع تلك التصورات كافة- هو أن طبيعة «تكوين»، و«عقيدة» القوات المسلحة المصرية، لا يُمكن أن تسمح بـ«سيناريو الأخونة»، الذى أرادته الجماعة.. وكثيرًا ما أتت إليها إشارات متعددة فى هذا السياق من قبل «قيادات الجيش» أنفسهم.. وخلال أكثر من مناسبة.

.. ففى اجتماع السيد الرئيس «عبد الفتاح السيسى» (وقت أن كان وزيرًا للدفاع) مع عدد من قيادات، وضباط، و«ضباط صف» القوات المسلحة بنادى الجلاء فى 14 فبراير من العام 2013م؛ كان أن شدد «السيسى» على تكذيب «أخونة الجيش».. وهو ما أكد عليه، كذلك «رئيس الأركان» حينئذ (الفريق صدقى صبحى)، إذ أرسل رسالة واضحة خلال زيارته لمعرض الدفاع الدولى بـ«أبو ظبى» مفادها: «إنّ الجيش بعيد عن السياسة.. لكنه مُستعد للتواجد على الساحة [فى ثوانٍ]؛ لحماية أمن مصر، إذا ساءت الأوضاع».

ولم يُدرك «الإخوان» مضمون الرسائل الحاسمة، التى أرسلها قيادات الجيش المصرى، حول أن عودة الفوضى للبلاد «خط أحمر» لن يُسمح بتجاوزه.. خصوصًا مع تزايد حالات الغضب الشعبى، ضد أوهام الجماعة حول إمكانية أخونة مؤسسات الدولة كافة.

لكن.. قبل شهور قليلة من تصاعد حدة الغضب الشعبى، ضد «حكم الجماعة»؛ كانت نذر انتفاض القاهرة [من جديد]، تلوح فى الأفق أمام عددٍ من متابعى الشأن المصرى (محليًا، ودوليًا).. ووفقًا لتقارير دولية (تتابعت بانتظام ابتداءً من مارس حتى بداية يوليو من العام 2013م)؛ كان المشهد فى مصر يبدو شديد التعقيد.. إذ استقرت قراءة عدد محدود من المحللين (فى البداية) على أن «الجيش المصرى» فى ظل الإخفاقات المتكررة للإخوان [وعدم صلاحيتهم للاستمرار فى الحكم] سيضطر للتدخل؛ لإعادة ضبط «الإيقاع» بالقاهرة.. فالجيش (إذا تصاعدت موجة الاحتجاجات الداخلية) سيكون «مضطرًا» إلى أن يتصدر المشهد من جديد؛ لتمهيد الطريق أمام التحول الديمقراطى.

ومع ذلك.. كانت الجماعة الإرهابية (التى لا تُجيد- يقينًا- قراءة الواقع)، تسعى بكل جهدها نحو محاولات [عابثة] لأخونة مؤسسات الدولة(!).. إذ سبق أن اتّخذ «البيت الأبيض»، فور إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية بالقاهرة (بالعام 2012م)، عددًا من الخطوات «الجادة»؛ لترسيخ نفوذ شركاء واشنطن الجُدد، عبر تدعيم «أركان حكومة الإخوان»، بشكلٍ متداخل، مع مؤسسات «الدولة المصرية» المركزية.. خصوصًا أن بعض تلك «المؤسسات» كان يُعانى- وقتئذ- من بعض الاهتزازات «الداخلية»، فى أعقاب ما شهده الشارع العربى (بشكل عام) من اضطرابات، واحتجاجات، أدت إلى «تخلى»، أو «تنحى» عدد من رءوس أنظمته «السابقة» عن السلطة.

وكان من جراء تلك «الاستجابات السريعة»؛ مجىء وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة «هيلارى كلينتون» إلى القاهرة فى منتصف يوليو من العام 2012م (زيارة لمدة يومين).. حاملة معها «حزمة» من العروض، و«المطالب» للرئيس الإخوانى الجديد، تتعلق بعدد من الأبعاد، منها: (السياسى، و«الأمنى»، والاقتصادى)؛ لدعم «سيطرة» نظامه على مقاليد «الدولة المصرية» بصورة أكبر (!).. وهو لقاء؛ تمخض عن وثيقة أمريكية «رسمية» (راجع فى هذا كتابنا: صُنع فى واشنطن: وثائق تفكيك الشرق الأوسط)- فى نحو 9 صفحات كاملة- تتعرض بسرد و«حصر» أغلب ما تم طرحه خلال اللقاء وقتئذ.. إذ تم توصيف «الوثيقة»- فى حينه- بأنها من الوثائق «السرية» لوزارة الخارجية الأمريكية.

ورغم ما تم الإعلان عنه، آنئذ، من أن اللقاء يأتى فى سياق ما وصف بـ«دعم العملية الانتقالية الناجحة إلى الديمقراطية فى مصر».. وأنه من أولويات «الولايات المتحدة»، تقديم «مجموعة واسعة» من المبادرات الجديدة للعملية الانتقالية، تستهدف: «الأولويات المصرية»، كالتنمية الاقتصادية الشاملة، وخلق فرص العمل، والحقوق والمشاركة، وقيام حكومة فعالة تخضع للمساءلة، (بالإضافة إلى: مساعدات «واشنطن» الاقتصادية، و«الأمنية»، وتعزيز السلام والاستقرار الإقليمى)؛ فإن تفاصيل ما تضمنته «الوثيقة»؛ اقترب بشدة من جدران «الدولة المصرية» نفسها، لصالح «الشريك الإسلامى» القادم حديثًا إلى السلطة (!)

ففيما، كانت تسعى «جماعة الإخوان»، منذ بداية وصولها للحكم، إلى خلق قطاعات تابعة لها، داخل مؤسسات الدولة المختلفة (ومنها: «وزارة الداخلية»، باعتبارها أحد خصوم «الجماعة» فى الداخل).. كان أن قدمت «واشنطن» عرضها الأول لمندوبى الجماعة بـ«قصر الاتحادية»؛ للاقتراب- بصورة أكبر- من هذا الهدف.. إذ تطرق النقاش (فى شقه الأمنى) بين «هيلارى»، و«مرسى» (خلال لقاء يوليو) إلى ما يُمكن أن يقدمه «البيت الأبيض» لشركائه الإسلاميين، فى هذا السياق.

.. وتحت عنوان: «هيكلة قطاع الأمن»؛ ذكرت «الوثيقة» (المُفرج عنها أخيرًا): إن «الولايات المتحدة الأمريكية» تتفهم جيدًا حاجة الحكومة المصرية الجديدة إلى «إعادة توجيه» (reorient) قوات الشرطة المصرية، و«هيكلة» قطاع الأمن المدنى (وزارة الداخلية).. وإن كانت «الحكومة الجديدة» تهتم بهذا الأمر؛ فيُمكن لـ«واشنطن» أن ترسل فريقًا حكوميًّا إلى «القاهرة»؛ لمناقشة «الاتفاق الإطارى» الخاص بالتعاون، حول هذا الأمر، فى «وقت مناسب».. وهو ما يُمكن أن يحدث فى «سرية»، و«تكتم» شديدين(!).. إلى جانب عرض آخر، يتضمن استعداد «واشنطن» لإرسال «فريق أمريكى»؛ للعمل مع الخبراء المصريين، والأوروبيين، على تعريف «السلطات المصرية» الجديدة بقواعد «الأمم المتحدة» (!)

وبحسب الوثيقة، أيضًا؛ فإن الموقف «الإخوانى» من «القضية السورية»، كان من النقاط المشتركة، التى لاقت استحسانًا من قبل «الإدارة الأمريكية»، إذ كان موقفًا مناهضًا لنظام «بشار الأسد»، وداعمًا لاستقبال «معارضيه» بالقاهرة.. ومن ثمَّ؛ أبدت «هيلارى» ارتياحًا شديدًا لوجود وفد من «المعارضة السورية» بين أروقة «جامعة الدول العربية».. متابعة: أعتقد أنه حان الوقت، لأن يضغط «المجتمع الدولى» على جميع الأطراف فى سوريا؛ للقبول بخطة «كوفى عنان» السداسية.

ولأن جماعة «الإخوان» الإرهابية تقتات فى خطابها السياسى، على الدين.. لذلك كان أن تعاملت مع المؤسسة الدينية الأبرز فى العالم العربى (الأزهر) بالطريقة ذاتها التى حاولت أن تتعامل بها مع مؤسسات الدولة الأخرى.. إذ كان الهدف هو احتكار الخطاب الدينى، وتوجيهه- فى المقام الأول- لحساب التنظيم.. وبالتالى كان لا بد من إخراج المشهد بشكل مختلف(!)

ففى 29 يونيو من العام 2012م.. كان المشهد، وقتئذ، «مُثيرًا» إلى حدٍّ بعيد داخل صحن [الجامع الأزهر].. وقتها؛ كانت «الكاميرات» تقترب من وجه المعزول «محمد مرسى».. وكانت بعض العبرات تنهمر من عينيه(!).. كان الوقت «صلاة جمعة».. وكان موضوع «خطبة الجمعة» التى ألقاها- فى حينه- وزير الأوقاف الأسبق «د. عبدالفضيل القوصى» يدور، فى أحد جوانبه، حول مشهد اقتحام خيول «بونابرت» للجامع(!)

حينها.. أبدى «مرسى» تأثره الشديد.. وقال- بحسب وسائل الإعلام، آنئذ- إنه يتعهد بالاقتداء بـ«عمر بن الخطاب» فى حكمه(!).. لكن.. لم يأت عمر.. ومن أتت هى «خيول الجماعة»، التى أرادت أن تُدنس صحن الجامع، من جديد(!)

.. ولأن «جماعة الإخوان»، كانت ترى- دائمًا- فى قيادات الأزهر منافسين لها؛ فقد صبت جام غضبها على المؤسسة [وشيخها]، منذ اليوم الأول الذى وصل خلاله مرسى إلى السُلطة.

وبدأت خطة الأخونة، واحتكار الخطاب الدينى، من وزارة الأوقاف المصرية؛ إذ قرر التنظيم أن يضع على رأسها وزيرًا من أعضائها، هو (طلعت عفيفى).. ثم المجلس الأعلى للشئون الإسلامية؛ إذ أسند التنظيم مهمته إلى عضو تنظيم الجماعة الدولى «صلاح سلطان».. ثم دفعوا بصديق الجماعة «محمد عمارة» لتولى رئاسة تحرير مجلة الأزهر (كتفًا بكتف) مع كبار شيوخ المجلس (!)

وكانت الخطوة الأخيرة، هى الإطاحة بالإمام الأكبر (شيخ الجامع الأزهر).. ورغم أنّ عديدًا من جوانب تلك الخطة تم تنفيذه بالفعل؛ فإن إخراج مشهد الإطاحة بـ«الإمام الطيب» كان مُختلفًا .. فإلى جانب الدعاية المناهضة لـ«الإمام»، ووصفه بما لا يليق ومكانته؛ كانت خطة «مكتب الإرشاد» أن يتم تدبير واقعة [مُفتعلة]، تُمثل- فى مجملها- فضيحة وإهانة للإمام (!)

واستقر الأمر على تدبير واقعة «تسمم طلاب المدينة الجامعية».. وهى مسرحية [هزلية] تم تكرارها أكثر من مرة.. وما حسم الموقف- حينئذ- هو تولى القوات المسلحة المصرية أمر «التغذية» الخاصة بطلاب مدينة الأزهر الجامعية، حتى نهاية العام الدراسى.. مما أدى إلى إجهاض مخطط «الإطاحة بالإمام».

لكن.. على صعيد الممارسات «غير المسئولة»، كان عديدٌ من أسرار الدولة نفسها، يجد طريقه- بسهولة ويسر- نحو عديدٍ من الأطراف الخارجية (!).. وبالتزامن مع قيام أجهزة الدولة المصرية؛ برصد ما أحدثته «جماعة الإخوان» من عمليات اختراق للأمن القومى المصرى، خلال العام الذى قضاه «مرسى» بمؤسسة الرئاسة؛ كانت الجماعة الإرهابية تتوهم أن «أحلام التمكين» باتت حقيقة(!).. إذ وقّع، حينئذ «خلاد سويد» أمين عام منظمة إيفسو (إحدى أذرع تنظيم الإخوان الدولى) فى 30 مايو من العام 2013م بروتوكول تعاون مع وزير الشباب الإخوانى «أسامة ياسين».. وتم توقيع «البروتوكول» بمركز التعليم المدنى بالجزيرة؛ إذ شارك إلى جانب «سويد».. «حسن بيتمز»، رئيس مجلس شورى الإيفسو، فضلاً عن عدد من أمناء الاتحاد، وأعضاء هيئته التنفيذية.

وكان البروتوكول»، يستهدف- فى المقابل- توسعة سيطرة «وزير الشباب الإخوانى» على القطاعات الشبابية والطلابية فى مصر؛ إذ كان من المعد أن يعقب توقيع هذا البروتوكول.. توقيع «عقد شراكة» بين الوزارة و«اتحاد طلاب الجامعات الحكومية»، خلال الفترة التالية؛ لوضعها على خط تماس مباشر مع الاتحاد الإسلامى العالمى للمنظمات الطلابية (إيفسو)، التابع للتنظيم الدولى.

لكن.. كان لأهل مصر، ممن ثاروا على التطرف الدينى- قطعًا- رأىٌ آخر.. إذ قرروا أن تطوى صُحف التنظيم من السلطة فى مصر، إلى غير رجعة. 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز