عاجل
الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
(النصف غير الآخر).. روتين

(النصف غير الآخر).. روتين

بقلم : سامية صادق

كلما حدثت خلافات بين صديقتي وزوجها تصارحني بأنها لن تترك له البيت أبدا وأنها مضطرة لأن تتحمله رغم مضايقاته المستمرة لها.. خاصة أنها ليس لديها أب كي يكون سندًا لها تلجأ لبيته وتغضب عنده بالأيام والشهور كما تفعل كثير من السيدات.. فيحميها ويعزز موقفها ويرد إليها اعتبارها.. فبيت والدها الذي يقع في حي المعادي الراقي قد آل إلى أخيها بعد وفاة والدتها خاصة أن الشقة كانت إيجار قديم.



وأعلنت صديقتي ندمها على المرة الوحيدة التي تركت بيت (زوجها غضبانة) وذهبت إلى بيت أخيها الذي يعمل بمركز مرموق وأقامت لديه عدة أيام إلى أن أتى زوجها وصالحها.

وتتسع ابتسامتها وهي تقول: رغم أن أخي يعيش في فيلا كبيرة مفروشة بأغلى أنواع الأثاث في إحدى المدن الجديدة الجميلة إلا أن بيته بارد جامد ينقصه الروح والإحساس.. وربما هربت الروح منه بسبب النظام الصارم الذي تفرضه زوجته على البيت.. الذي لا يستطيع أخي أو أحد من أبنائه أن يكسره أو يخالفه أو يخرج عن نطاقه وإلا هاجت زوجة أخي وماجت وربما عاقبت ابنها الطالب بالصف الثاني الإعدادي وابنتها التي تصغره بعام.

ولقد اضطررت أثناء تواجدي في بيتهم أن أذعن لنظام البيت وللحياة المملة الرتيبة التي يغرق فيها سكانه!

قلت لصديقتي ضاحكة:

أتوق أن أتعرف على نظام زوجة أخيك الذي أجبر شخصية فوضوية مثلك أن تذعن للنظام!

تقول صديقتي وابتسامتها تتسع:

إن زوجة أخي التي تحمل الدكتوراه وتعمل بأحد مراكز البحوث العلمية تأتي من عملها قبل وصول أخي بنصف ساعة.

وفي الساعة الثانية بعد الظهر تمامًا يدق أخي جرس الباب عائدا من عمله.. ويكون الأبناء قد عادوا قبله من المدرسة.. وفي الساعة الثالثة يتناول الجميع طعام الغداء في حوالي نصف ساعة.. وبعد الغداء يبدأ الأبناء إعداد أنفسهم للمذاكرة.. الساعة الرابعة تماما يستعدان الأب والأم للمذاكرة لأبنائهما.. فيذاكر أخي للبنت بينما تذاكر زوجته للولد.. وبعد مرور ساعة يتبادل أخي وزوجته الأبناء والمواد فيذاكر أخي للولد بينما تذاكر زوجته للبنت.

وبالطبع كنت أحرص على أن أجلس في غرفتي أنا وابناي الاثنان حتى لا يحدثا إزعاجا لأهل البيت الروتينيين أثناء المذاكرة أو يخدشا نظامهم.. وبعد الانتهاء من المذاكرة وفي حوالي الساعة الثامنة نتناول جميعا طعام العشاء في هدوء قاتل وأجواء رتيبة.. وفي الساعة التاسعة يكون موعد النوم قد حان.. حيث يدخل الجميع إلى غرفهم ويطفئون الأنوار!

أقول وقد شعرت بالشفقة على صديقتي:

وماذا تفعلين أنت وابناك.. وقد اعتدت ألا تنامي قبل أذان الفجر؟!

تقول وهي تزفر تنهداتها:

أضطر أن أدخل حجرتي وأحاول أن أسيطر على أبنائي منعا لإزعاج النائمين.. وأظل مستيقظة طوال الوقت.. فلا أجرؤ على فتح التليفزيون أو الاستماع إلى الأغاني أو التحدث في التليفون على راحتي.. وحين تأتيني مكالمة أحرص أن أرد عليها همسا.. فأعيش ليلا طويلا كئيبا.

وظل هذا النظام الممل هو السائد يتكرر طوال الأيام العشرة العجاف التي أمضيتها في بيت أخي! فالوقت يسير ببطء والسكون يسيطر على كل شيء.. والأطفال هادئون مستكينون.. فلم أشاهد زوجة أخي تبتسم أو تضاحك زوجها وأبناءها ولا مرة! ولم ترحب بي وتتحدث معي بود! ونفس الشيء بالنسبة لأخي، فلم أره يمزح مع أبنائه أو يحاول أن يضفي على أجواء البيت الكئيبة أي بهجة أو سعادة! باستثناء بعض كلمات الترحيب التي يخصني بها من حين لآخر.

فكنت أشعر أنني أعيش في سجن وليس في بيت! وربما تمنيت لو عدت لزوجي خفيف الظل الذي يملأ البيت بحيويته وابتسامته ونكاته وأعتذر له لأنني تركت بيته الدافئ المبهج إلى السجن الذي يعيش فيه أخي!

وقد التمست العذر لأخي الذي حاول الزواج على زوجته أكثر من مرة.. شاكيا من حدة طباعها وعدم لطفها وإصرارها على تطبيق النظام القاتل في البيت! لكننا كنا دائما أنا وإخوتي نثنيه عن قراره وننصحه بأن يتحمل من أجل أبنائه.

والمدهش أنني طوال تواجدي في بيتهم لم أر أبناء أخي يلعبون كسائر الأطفال.. فهم ممنوعون من الحركة، من الجري، ومن القفز، من اللعب، بأوامر من أمهم الصارمة.. حتى إن اللعب الخاصة بهم ما زالت كما هي جديدة في صناديقها! فممنوع أن يلعبوا بها إلا دقائق قليلة محدودة، ويحافظون عليها ولا يكسرونها ويضعونها مرة أخرى داخل أغلفتها! باستثناء عربة حديد قديمة سمحت لهم أن يلعبوا بها، وقد عرفت منها أنها عربتها وهي طفلة صغيرة.. وكانت والدتها تحتفظ بها ليلعب بها أبناء بنتها في المستقبل! وها هي أمنيتها تتحقق ويلعبون بلعبة أمهم القديمة بالفعل!

وتضيف صديقتي ضاحكة:

حين جاء زوجي ليصالحني ويعيدني إلى بيتنا.. شعرت بشعور السجين الذي حصل على حكم إفراج.. وعلى الفور عدت معه دون أي شروط.. وحمدت الله على فوضويته وضجيجه وضحكاته العالية التي تملأ البيت بالبهجة والحياة.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز