عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
حكاية فيلم سينمائي

حكاية فيلم سينمائي

بقلم : رشاد كامل

كانت إحدى أمنيات «طلعت باشا حرب» أن تجتمع «أم كلثوم» و«محمد عبدالوهاب» فى عمل فنى مشترك سواء كان فيلما أو أغنية، وظلت هذه الأمنية لا تبارح عقل وقلب «طلعت حرب» رغم كل مشاغله الاقتصادية فى متابعة مشروعاته الناجحة!!



وليس سرًا أن طلعت حرب «كان من عشاق أم كلثوم وعبدالوهاب» وكانا ضيفين دائمين عنده، حيث وجدا كل التقدير والاحترام والحب!

يروى موسيقار الأجيال الفنان «محمد عبدالوهاب» تفاصيل الحكاية فى ذكرياته التى رواها لشريكه وصديقه «مجدى العمروسى» قائلا:

«كان استديو مصر - الذى أنشأه طلعت حرب تقدم شوية، وطلعت حرب طلب منى أعمل أفلامى فى استديو مصر علشان الناس تطمئن.

أذكر مرة أنه بعد أن مثلت «الوردة البيضا» ونجح الفيلم وكان ذلك سنة 1934 ومثلت «أم كلثوم» أول أفلامها «وداد» من إنتاج «استديو مصر»، فكر «طلعت حرب» وكان ذا رؤية مستقبلية خطيرة، فكر فى أن ينتج استديو مصر فيلما يجمع بينى وبين أم كلثوم وقرر أن الميزانية سوف تكون مفتوحة ومن دون أية قيود!

فرتب اجتماعًا بينى وبين أم كلثوم فى استديو مصر دون أن يعلم أى منا بسبب هذا الاجتماع أو حتى بحضور الآخر!

وفوجئت عند دخولى مكتب «طلعت حرب» بوجود «أم كلثوم» وأظن أحد الصحفيين يمكن «مصطفى القشاشى» بالذات لأنه كان صاحب أكبر مجلة فنية فى ذلك الوقت «مجلة الصباح».

وفاتحنا «طلعت حرب» فى الموضوع مباشرة، معتبرًا أن ذلك عمل وطنى ويخدم اقتصاد مصر، ويدعم مركز استديو مصر الذى كان وليدًا فى ذلك الوقت!

وقد تجاوبنا معه - أم كلثوم وأنا - ولكن حدث الخلاف عند الكلام عن ألحان الفيلم، فقد تمسكت أنا بأن ألحن كل أغانى الفيلم، وتمسكت «أم كلثوم» بأن يلحن لها ملحنوها الذين يعملون معها، فطلبنا مهلة للتفكير، ولكن محصلش اتفاق ولم تتحقق فكرة طلعت حرب».

تفاصيل أكثر ترويها د.رتيبة الحفنى التى أسهمت فى إنشاء فرقة أم كلثوم للموسيقى العربية ورئاسة البيت الفنى للأوبرا وغيرهما.. التفاصيل تذكرها فى كتابها البديع «محمد عبدالوهاب حياته وفنه» فتقول:

كانت هناك محاولات عديدة تهدف إلى جمع القمتين فى عمل فنى واحد، والمعروف أن «طلعت حرب باشا» بذل جهدًا كبيرًا للجمع بينهما، بأن دعاهما والشاعر «أحمد رامى» لتناول الغداء بمنزله، وصارحهما بالغرض من هذه الدعوة وهو جمعهما معا فى فيلم واحد يتولى استديو مصر جميع نفقاته وترك لكل منهما تحديد الأجر الذى يطلبه!

وأكد الطرفان أن الأجر لا يشكل مشكلة على أن يتساوى الأجر بالنسبة للغناء والتمثيل، أما ألحان «عبدالوهاب» فيكون لها أجر خاص!

طالب «عبدالوهاب» بتلحين أغانى الفيلم كلها! واعترضت أم كلثوم على ذلك وطالبت أن يعهد إلى ملحنيها «القصبجى» و«زكريا» و«السنباطى» تلحين أغانيها، مع احترامها لألحان عبدالوهاب!!

رضخ «عبدالوهاب» لطلبها، وتصور «طلعت حرب باشا» أن مهمته كُلّلت بالنجاح، إلا أن «أحمد رامى» تنبه لوجود الديالوج الغنائى الذى يجمع بين البطل والبطلة فى الفيلم.. وتساءل من الذى سيقوم بتلحين هذا الديالوج؟!

وبروح ودودة قالت أم كلثوم:

- إن كان ديالوج واحد فبالطبع سيكون ألحان «محمد عبدالوهاب»، أما فى حال احتياج الفيلم لأكثر من ديالوج فيعهد إلى أحد الأقطاب الثلاثة «القصبجى، زكريا، السنباطى» بتلحين الديالوج الثاني!

وعاد «عبدالوهاب» يعترض من جديد وتأزمت الأمور ورأى المضيف - طلعت حرب - تأجيل الحديث فى هذا المشروع للقاء آخر!

وتنهى د.رتيبة الحفنى الحكاية بقولها:

وتوقف المشروع وخسرنا تحفة فنية ضخمة كانت ستدخل التاريخ وبقى الجمهور يحلم بلقاء فنى بين القمتين «أم كلثوم وعبدالوهاب».

>> 

لم يكن حلم طلعت حرب بإنتاج فيلم سينمائى يجمع كوكب الشرق وموسيقار الأجيال مجرد مشروع استثمارى، بل جاء لإيمانه بأهمية ودور السينما ومن هنا جاء اهتمامه بإنشاء شركة مصر للتمثيل والسينما سنة 1925، ويتضح ذلك من الخطبة التى ألقاها فى تياترو حديقة الأزبكية لمشاهدة بعض الأفلام القصيرة التى تم إنتاجها، وذلك مساء 29 مارس سنة 1927.

يقول طلعت حرب: «السينما أكبر اختراع عصرى صادق هوى فى النفوس فأصبح قوة جذابة من قوى العصر، وسيبقى كذلك مع توالى العصور، ولا سيما أن التحسينات المتوقعة له فوق ما يتصوره العقل! وقد يكون أهمها تسجيل الأصوات وأدائها فى وقت واحد».

وإذا كان اختراع السينما قد أدى حاجة نفسية من حاجات البشر فإنه ككل اختراع له محاسنه وله عيوبه!

له محاسنه فى خلق صناعات جديدة، وفى خلق ميادين للذكاء الإنسانى أو الذوق الفنى يعمل فيها بنشاط غريب، وله محاسنه فى تسلية الناس والتفريج عن صدورهم بالضحك الساذج، وفى تلقينهم معلومات مفيدة كانوا يجهلونها قبل أن يروها على اللوحة البيضاء - الشاشة - وفى وقوفهم على مناظر بديعة للطبيعة والبلدان كان من المتعذر الوقوف عليها بغير الأشرطة المتحركة، وفى إثارة الحماسة فى نفوسهم فى مواقف الحماسة، وتحبيذ الشجاعة والهمة والمروءة فى مواقف الأخلاق الفاضلة!

ومضى «طلعت حرب» يقول: ولاختراع السينما من الجانب الآخر عيوبه، فإن الفضائل لا تعرف إلا بمقابلتها بالرذائل، فالشجاعة بالجبن، والمروءة باللؤم، والبراءة بالإجرام، والإحسان بالإساءة، ومن هنا ظهرت على اللوحة البيضاء - الشاشة - المحاسن والأضداد، فظهرت صورة منحطة من الناس وأعمال منطوية على خبث نياتهم، وظهرت الجرائم كيف تدبر، والجنايات كيف ترتكب، والخيانات كيف يحيك شباكها الخائنون، فكان لعرض هذه المساوئ تأثيرها السيئ فى بعض النفوس الساذجة أو المستعدة للشر لأى سبب طبيعى أو خلقى أو اجتماعى. حتى أثارت فى بعض الأحيان عاطفة الشر منهم!

فاندفعوا بعامل التقليد إلى ارتكاب الجرائم بجرأة مأخوذة تماما مما شاهدت العيون على اللوحة البيضاء، بل قد ترتكب معايب لا تذهب إلى حد الإجرام المعاقب عليه، ولكنها تذهب فقط إلى الحط من الأخلاق دون التعرض لعقاب القانون!

ومن أجل الإغراق فى عرض هذه الأضداد التى أصبحت المبالغة فيها عيوبًا ظاهرة من عيوب السينما، تقررت الرقابة على الأشرطة - الأفلام - فى معظم البلدان، مع هذا فإن الرقابة خفيفة فى بلاد العرب، وهى خفيفة بالمثل فى بلادنا، وهى لو تشددت عندنا فى اختيار الروايات لدور السينما لوجب أن يقضى على معظم ما يرد إلينا من الغرب!!

وللمؤلف فى البلاد الغربية أن يؤلف فى أى موضوع يشاء لأن حرية التفكير مطلقة لأهل الفكر، غير أن عرض ما يؤلفه الروائى ينبغى أن يمر برقابة، وإذا أجاز الرقيب عرض ما لايجد مانعا من عرضه، فإن بعض الدول كسويسرا يتحاشى عيوب السينما بمنع دخول الصبيان والفتيات دورها ماداموا لم يبلغوا السادسة عشرة من أعمارهم وهم مع هذا غير محرومين من بعض روايات صبيانية بريئة تعرض لهم خاصة فى بعض الأعياد السنوية!».

وباقى رؤية طلعت حرب لصناعة وفن السينما مقال آخر!

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز