

سامية صادق
(النصف غير الآخر) .. الزوجة الملكة
بقلم : سامية صادق
لا أعلم لماذا كلما رأيت جارتي كاميليا بثقتها الزائدة في نفسها واختيالها بجمال لم أره! وتباهيها بأنوثة ليس لها وجود.. وحديثها عن جاذبية تدعيها! أتذكر صديقتي الجميلة الرقيقة الأنيقة أماني التي لا تثق في نفسها ولا تقتنع بجمالها.. فأراها شخصية ضعيفة مهزوزة! وكنت كثيرا ما أتساءل ترى ما سر تلك الثقة الكبيرة التي تثقها كاميليا في شكلها حتى إنها دائما ما تحدثنا عن جمالها وتحاول إيهامنا به وكأننا بلا أعين!
بينما يجمع الآخرون على أنها متواضعة الجمال حادة الملامح.. وأبعد ما تكون عن الرقة والأنوثة! فهي ذات جسد ضخم ممتلئ وعينين جاحظتين تستطيع أن تلمحهما من خلف نظارتها الطبية السميكة وأسنان عالية بارزة! ولم تستمر حيرتي طويلا.. لقد عرفت السبب.
ووجدت إجابة لتساؤلاتي.. وذلك حين رأيت زوج جارتي كاميليا.. رجل وسيم محترم يتقلد منصبا مهما بإحدى الجهات المهمة.. وكيف أنه يحترم زوجته ويقدرها ويرفع من شأنها أمام الجميع.. ويدفعها دائما للأمام ويشجعها على النجاح في عملها.. كما أنه لا يخطو خطوة من دونها ولا يتخذ قرارا إلا بعد أن يأخذ رأيها ويتأكد من رضائها عنه.. فينفذ طلباتها ويلبي رغباتها ويحرص أن يخرج معها ويدعوها على العشاء والغداء خارج البيت.. ولم ينس يوما عيد ميلادها أو عيد زواجهما أو أي مناسبة تخصها أو تخص عائلتها! ودائما ما يراها جميلة الجميلات.. حتى إنه لا يزال يغار عليها رغم مرور ٢٥ عاما على زواجهما وبعد أن تسلل الشيب إلى رأسها!
وقد أخبرتني أن زوجها حين رآها تصبغ شعرها طلب منها ألا تصبغه مرة أخرى حتى لا تضر بها الصبغة! وأنها ليست بحاجة لذلك فهو يراها جميلة في كل الحالات! كما أنه غنى لها:
ما تداريش الشعر الأبيض ما تداريش
من ألاعيب الزمان ميهمكيش
شعر أبيض طب وما له
كل سن وله جماله
ده أنت حبك نبع صافي ما ينتهيش
كانت كاميليا تردد الأغنية التي غناها لها زوجها وهي تضحك بفرحة.. بينما أسألها:
هل هو من كتب الأغنية؟
تهز رأسها قائلة:
لا.. لقد أخبرني أن الشاعر صلاح فايز كتبها من أجل زوجته.. وغناها الفنان سمير صبري
أقول بامتنان:
كم أنه إنسان مخلص.. كما أن زوجته امرأة محظوظة.
فتقول بفخر:
وأنا أيضا مثلها محظوظة بزوجي.. ثم ترفع أناملها أمام عيني قائلة:
انظري إلى هذا الخاتم.. لقد اشتراه لي بالأمس.
أقول وأنا أتأمله:
كم هو جميل وذوقه راق.. هل أحضره لك بمناسبة عيد ميلادك أم عيد زواجكما؟
تقول وعيناها على الخاتم:
لا هذا ولا ذاك.. إن زوجي الحبيب من حين لآخر يخصني ببعض الهدايا من دون مناسبة!
ثم تتسع ابتسامتها وتضيف:
بل يفعل أكثر من ذلك.. فأحيانا أستيقظ من النوم لأجد على تسريحتي رسالة غرامية منه قد كتبها وتركها لي قبل أن يذهب إلى عمله مبكرا! فتكون مفاجأة سعيدة حين أقرأ كلمات الحب والغزل التي كنت أسمعها منه أيام خطوبتنا منذ ربع قرن تقريبا؟!
إن ما تقوله يدهشني.. لكنه فسر لي لماذا تثق هذه المرأة في نفسها كل هذه الثقة وترى نفسها جميلة الجميلات!
كما أنني عرفت أيضا لماذا تستهين صديقتي الجميلة أماني بنفسها وبجمالها؟! فكانت على النقيض من كاميليا!
لقد فتحت لي قلبها من قبل وحكت لي حكايتها الحزينة.. وكيف أنها تزوجت وهي ما زالت فتاة صغيرة عمرها ثمانية عشر عاما من رجل يكبرها بخمسة عشر عاما.. أقنعتها به والدتها وأكدت لها أن فرق السن بينهما لن يمثل مشكلة بل على العكس فسيجعله يحتويها ويهتم بها ويدللها كالطفلة الصغيرة.. وتسمع كلام أمها وتتزوجه.. لتجد نفسها مع رجل قاس جاف.. فلم يشعرها بحبه وحنانه يوما! بل كان يسيء معاملتها ويهينها ويضربها، حتى إن الجيران يخرجون على صراخها.. فيجذبها من شعرها الطويل أمامهم ويجرجرها على الأرض.. ما دفعها لأن تتخلص من شعرها الكستنائي الحرير الذي كان يصل لنصف ظهرها والذي كانت تتباهى به.. فتضطر أن تقصه قصيرا جدا (آل جرسون) حتى لا يتمكن من أن يشدها منه ويمسح بها الأرض!
كما أنه كان يتعمد أن يفقدها ثقتها في نفسها وجمالها فيسخر من شكلها وملامحها ويعيب على قوامها وملابسها أمام الناس.. حتى الطعام الذي كانت تطهوه له دائما لا يعجبه، حتى إنه كان يقذفه في وجهها أحيانا ويتهمها أنها فاشلة في كل شيء حتى في الطبخ!
ولم يكتف بذلك.. بل يتمادى في جرحها وخدش كبريائها حين تزوج عليها بعد أن أنجبت منه ثلاثة أبناء.. ورغم ذلك لم تفكر في الطلاق بل تتقبل الوضع وتبتلع إهانتها وتصمت! فهي مضطرة أن تعيش معه من أجل أبنائها.. فليس لديها مصدر رزق كي تنفق عليهم لو تركته.. وليس لديها بيت تعيش فيه بعد أن توفي والداها وآلت شقتهما الإيجار إلى صاحب البيت.
وتنتهي صديقتي من حكايتها وأجدني أتذكر الأميرة ديانا التي نصبها العالم أميرة للقلوب.. وكيف وقع الرجال في غرامها وصارت فتاة أحلام شباب عصرها بينما لم يحبها زوجها أو يقتنع بها! وأحب امرأة أخرى تكبره بعدة سنوات.. فأفقدها ثقتها بنفسها وبجمالها!
هكذا يستطيع الرجل أن يصنع من زوجته ملكة أو يحولها إلى جارية!