

محمد نجم
حكاية تمكين المرأة!
بقلم : محمد نجم
حضرت مؤخرًا «ندوة» خاصة تناقش تشجيع اندماج الإناث في سوق العمل، ولكن الطريف في الموضوع أن المتحدث الرئيسي عن تمكين المرأة كانت د. سحر نصر وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي، كما أن معدى ورقة البحث هن ثلاث سيدات فضليات وهن أساتذة اقتصاد بجامعة القاهرة، ناهيك عن الحشد الضخم من النساء الحاضرات وكلهن يتولين مناصب رفيعة.
والبحث الذي تم مناقشته في الندوة.. هو أحد التقارير غير الدورية التي يصدرها مجلس التنافسية المصري بعد أن توفر له التمويل الخارجي من هيئة المعونة الأمريكية!
وأعتقد أن المشكلة كانت في اختيار الفترة الزمنية التي ركّز عليها الباحثون لمعرفة نسب مشاركة المرأة المصرية في سوق العمل، والتي امتدت من 2011 إلى 2016، وكلنا نعرف أنها كانت «سنوات عجاف» حيث تلت مباشرة أحداث يناير 2011، حيث غاب الأمن والاستقرار السياسي وقفز على الحُكم جماعة لا تؤمن بعمل المرأة من الأساس، بل مكانها منزل الزوجية وكأنها «متاع» للرجل!
والمعنى.. أن الظرف السياسي الذي مرت به مصر في فترة الدراسة انعكست نتائجه على كل مناحي الحياة، وعلى رأسها بالطبع النشاط الاقتصادي، حيث تراجع العمل وانخفض الإنتاج، وتم تسريح العمالة بسبب توقف العديد من المصانع والشركات بسبب الظروف الأمنية غير المواتية وقتها.
ولكن الدراسة - والتي اعتمدت على الإحصاءات - أشارت إلى أن المرأة تمثل نسبة 23% من قوى العمل والتي تزيد على 28.5 مليون ولكن المشتغلين منهم 17% فقط!
ومع ذلك فقد كان عدد النساء العاملات في عام 2011 حوالى 5.9 مليون سيدة وفتاة، ومع كل الظروف التي مرت بها مصر.. فقد زاد هذا العدد بنسبة 10% عام 2016، وبلغ أكثر من 6.6 مليون، إلا أن معدي الدراسة مازالوا عند رأيهم في أنه رغم زيادة نسبة مشاركة المرأة في العمل إلا نسبة مشاركتها مقارنة بعدد السكان مازالت عند 17% مقارنة بنسبة المشتغلين من الذكور، وهي أكثر من 65% من إجمالي السكان في مصر.
مع العلم أيضا أن نسبة مشاركة النساء زادت في فترة الدراسة أي من 2011 إلى 2016 بنسبة 10% بينما كانت نسبة الزيادة بين الذكور 8% فقط!
والطريف في الموضوع أن معدي الدراسة أرجعوا انخفاض نسبة مشاركة المرأة في العمل مقارنة بإجمالي السكان لعدة أسباب.. منها مثلا: مستوى التعليم الذي تحصل عليه الفتيات، ومشكلة الزواج والإنجاب، وضعف قدرة الفتاة أو المرأة على الانتقال إلى أماكن العمل، بالإضافة إلى اختلاف معدلات النمو الإقليمي.. أي حسب طبيعة النشاط وحجمه في كل محافظة.
وقد انتهى الباحثون إلى أن هذا الوضع يمثل إخلالًا بمبدأ تكافؤ الفرص بين الإناث والذكور، وهدرًا للموارد الاقتصادية للدولة.
وفى حقيقة الأمر أن «الواقع» يختلف تمامًا عما انتهت إليه الدراسة التي تمت على فترة زمنية غير مناسبة، فالمتابع المنصف يلاحظ أن الدولة المصرية في السنوات القليلة الماضية تشجع وتحفز على زيادة مشاركة المرأة في جميع المجالات، وإذا كنا سنعتمد على «الأرقام» كما فعل الباحثون، فإنها تكشف عن زيادة عدد الوزيرات المشاركات في الحكومة، وأيضا زيادة في عدد النائبات الأعضاء بالبرلمان المصري، فضلا عن تولى المرأة منصب المحافظ لأول مرة، ورئاسة العديد من الشركات القابضة وبعض الجهات القضائية، وقد احتفلت مصر بعام المرأة مؤخرًا.
وإجمالًا.. هناك اهتمام وحرص ملحوظ من القيادة السياسية على مشاركة المرأة في جميع الأنشطة المتاحة في المجتمع باعتبارهن «عظيمات مصر».
وإذا كنا سنتحدث بلغة الاقتصاد فمن المعروف - كما أشار إلى ذلك الباحثون - هناك بعض المهن أو الأعمال يصعب على المرأة القيام بها، سواء لطبيعتها أو لصعوبة الانتقال إليها، فمن الملاحظ أن النشاط العقاري كان هو الأكثر ازدهارًا في الفترة الماضية، وهذا النشاط يتصف بصعوبة أعماله، حيث لا تتناسب متطلباتها مع طبيعة المرأة.
ولدينا أيضًا ما يسمى بالقطاع غير الرسمي، الذي يعتمد على العمل الفردي، ولا تدخل العاملات فيه في الإحصاءات الرسمية، فضلا عما يجرى في الريف المصري، حيث تقوم السيدات بأغلب الأعمال العائلية وبدون أجر!
والخلاصة.. أنه لا يمكن الاعتماد على الأرقام الإحصائية فقط، لأنه كثيرًا ما يكون الواقع المعاش مخالفًا لذلك، هذا فضلا عن طبيعة المجتمع المصري والذي يحرص على الزواج المبكر للفتاة قبل البحث لها عن فرصة عمل.
هذا إلى جانب أن الدولة أنشأت العديد من المؤسسات والمراكز لدعم وتشجيع المرأة على العمل، ومنها مثلا شركة مصر لريادة الأعمال، والتي استطاعت خلال خمس سنوات فقط توفير أكثر من 400 ألف فرصة عمل، وأيضا مركز «فكرتك شركتك»، والذي يتبنى الأفكار الجديدة للشباب والفتيات حتى تتحول إلى مشروع منتج.
ومن ثم لا يمكن الجزم - كما انتهت الدراسة - بأن الإناث يحتلون أسفل السلم الاقتصادي للوظائف ذات الأجور المنخفضة نسبيًا.