عاجل
الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
(النصف غير الآخر).. حبيب من الماضي

(النصف غير الآخر).. حبيب من الماضي

بقلم : سامية صادق

كان من بين أصدقائها على الفيس بوك.. وينشر صوره مع أبنائه وزوجته لتؤكد استقراره الأسري والعائلي.. فتراه يحتوي زوجته ويحتضن أبناءه.. يذهب معهم إلى المصايف والمشاتي.. يحتفل بنجاحهم وأعياد ميلادهم.. يتحدث كثيرا عن علاقة الصداقة بينهم وارتباطه بهم.. إن حياته تسير بشكل طبيعي.. أما هي فحياتها متوقفة تماما، فكلما رآها وسألها عن الجديد عندها.. تلمح الارتياح على وجهه حين تجيبه:



لا جديد!

وكأنه يسعده وقف حالها.. أو أن يبقى الحال كما هو عليه! وربما يكون شامتا فيها لأنها لم توافق على الزواج منه في يوم ما رغم مرور ما يقرب من عشر سنوات على هذا الأمر!

وما زالت تذكر حين التقت به مصادفة في أحد معارض الفن التشكيلي التي كانت تقام بدار الأوبرا.. حيث كان مدعوًا في حفل الافتتاح.

وتلتقي عيناه عينيها مصادفة أثناء تواجدهما بقاعة العرض.. كانت له نظرة عجيبة عميقة جعلتها تتسمر أمامها للحظات ولا تستطيع أن ترفع عيناها من على وجهه! فتلمح بعينيه ثورة وهدوءًا.. تمرد واستسلام.. جدية ورومانسية.

تنزع عيناها من بين عينيه بصعوبة.. وتنتقل لتقف أمام لوحة أخرى.. لكنه يتتبعها ويقف جوارها ويلاحقها بنظراته.. ثم يفتح حوارا معها عن الفن التشكيلي واللوحات.. فيقول لها باسما:

يبدو أنك لم تشاهدي أهم لوحة في المعرض.. ثم يشير لها على أحد أركان القاعة.. فتخطو تجاهها لتجد نفسها أمام صورته.. أن الفنان التشكيلي صاحب المعرض قد رسمه ويضع صورته بين لوحات معرضه.. تعجبها اللوحة كثيرا.. يبدو أنها لم تكن وحدها التي التفتت لنظراته.. أن اللوحة التشكيلية أيضا تبرز قوة نظراته وتناقضها وعمقها.. وقبل أن ترفع عينيها من فوق صورته يخبرها أن الفنان صاحب المعرض صديق طفولته وأنه رسم له أكثر من لوحة.

ومنذ ذلك اليوم وصارت تربطهما معرفة وصداقة.. لكنها ترفض الخروج معه ودعوته لها على العشاء أو الغداء.. وتوافق أن تراه بنقابة الفنون التشكيلية الملحق بها حديقة صغيرة هادئة.. فكم تشعر بالارتياح والسكينة تحت الأشجار المورفة الظليلة لهذه الحديقة!

ولم تمض فترة قصيرة إلا ويعترف لها بحبه وبرغبته بالزواج منها.. وحين تبدأ بالتفكير في الأمر.. تكتشف أنه متزوج ولديه ولد! 

لقد كذب عليها حين أخبرها أنه غير متزوج، فكانت صدمتها فيه كبيرة.. وتواجهه ويعترف لها بزواجه منذ عامين وأنه يحب زوجته لكنه يحبها هي أيضا.

يالها من أنانية وجرأة.. إن اعترافه بحبها وحب زوجته في نفس الوقت يجعلها تصر على رفضه أكثر! إن منطقه عجيب ولا يمكن استساغته!

لكنه يعاود محاولاته وإلحاحه من جديد ويؤكد أنه مستعد لكل طلباتها.. ويخبرها أن لديه شقة جاهزة وسيحضر لها الشبكة التي تختارها.. لكنها تؤكد له أن ذلك لن يحدث أبدا.. بل إنه من سابع المستحيلات!

فيصرخ في وجهها:

سأتزوجك غصب عنك ومن يتزوجك غيري سأقتله!

دائما كانت تحب حماسه وتهوره إلا في هذا الأمر.. لم تتقبل ثورته وانفعاله.. لقد خدعها حين أخبرها بأنه غير متزوج، وليس من حقه أن يجبرها على الزواج منه!

وتمضي سنوات ويفاجئها بزيارة غير متوقعة بمقر عملها.. كان يبدو منفعلا متوترا ينظر إليها كثيرا ويشيح عنها بوجهه كثيرا.. تشعر بأن بداخله بركانا وأنه جاءها من أجل أمر مهم.

يقول بارتباك:

أعرف أنك ستتزوجين المهندس أيمن.. إنه صديقي.. سأغني لكما وأرقص في فرحكما.

تندهش مما تسمعه.. فهي لا تعلم شيئا عن هذا الموضوع! إن المهندس أيمن الذي يتحدث عنه قد ذهبت لمكتبه ليصمم لخالتها بيتًا على قطعة أرض تمتلكها بالتجمع الخامس.. وكانت تلحظ اهتمامه به وابتهاجه بوجودها حين تأتي مع خالتها.. فيتهلل وجهه وتتسع ابتسامته ويرحب بهما بحفاوة صادقة ويحضر لهما العصائر والحلوى.. كانت تراه رقيقا حانيا.. لكنه لم يحدثها أبدا في الزواج أو حتى يلمح لها.. والآن يأتي صديقه الذي كان يحبها في الماضي ليخبرها أنه سيرقص في فرحهما! يبدو أن صديقه حدثه برغبته في الارتباط بها حين علم أنه يعرفها!

تقول له متعمدة:

إنه شخصية تستحق الاحترام كما أنه مهندس ماهر متمكن.. لقد أعجبت خالتي به كثيرا.

تشعر بوجهه يزداد احمرارا وامتقاعا..

فيقول بارتباك أكثر:

لكنني ما زلت أحبك..

وأريد أن أتحدث معك في مكان خارج المكتب

تندهش لما يقوله.. فهو متزوج ولديه زوجة وأبناء يحبهم.. وحياته تسير في استقرار وهدوء.. بينما هي لم تبدأ حياتها بعد ولم تعد صغيرة.. ولا تعتقد أنه لا يزال يحبها فمنذ سنوات لم تلتق به أو يكلمها! والآن يعود ويظهر من جديد بمجرد أن عرف أن صديقه يريد أن يتزوجها!

ترفض الجلوس معه خارج المكتب.. وينصرف وهو غاضبا مغتاظا.

وقد تلقت دعوة هي وخالتها من صديقه المهندس لحضور حفل لتكريمه وفوزه بجائزة العام لأحسن مشروع سكني.

وتذهب قبل حفل التكريم لمكتبه من دون خالتها لتحصل على بعض صور للتصميمات الخاصة بأرض التجمع.. وتلاحظ أن صديقه المهندس قد تغير في طريقة تعامله معها! فلم يعد يفرح بوجودها أو يهتم بها أو يتهلل وجهه لرؤيتها أو يحضر لها العصائر والحلوى كما كان يفعل من قبل!

وتستنتج على الفور أن الآخر قال له شيئا جعله يقلع عنها ولا يعاود التفكير في الزواج منها!

ترى ماذا قال له؟! فلم يكن بينهما شيء يقال!

إلا أنها تذهب إلى حفل تكريمه.. وهناك تلتقي الشخص الذي كان يحبها في الماضي.. فيتعمد القيام ببعض الحركات الطفولية التي تؤكد لصديقه المهندس أنه لا تكليف بينه وبينها! حيث كانت تضع حقيبة يدها بجوارها ففوجئت به يفتحها ويعبث بمحتوياتها دون إذنها.. حتى إنها أبدت انزعاجا وجذبتها منه.. لكنه يقصد ما يفعله وكأنه يرسل برسالة إلى صديقه المهندس بأنها لا تزال حبيبتي! ويبدو أن خطته قد نجحت.. فلم يعد صديقه يحاول التقرب منها أو الاتصال بها مرة أخرى!

والمدهش أنه بعد أن نجح في إفشال زواجها من صديقه المهندس لم تعد تراه ولم يعد يحاول الاتصال بها!

..ولكنها أنانية الرجل.. فلا يوجد رجل يريد أن تتزوج فتاة كان يعرفها وطلبها للزواج من قبل ولم يحدث بينهما نصيب! حتى لو أحب مرة أخرى وتزوج من غيرها وأنجب أبناء وكان سعيدا في حياته الزوجية.. وحتى لو ظلت بعيدة عنه وكان يراها على فترات متباعدة أو لا يراها أصلا! وحتى لو بقيت حبيبته في الماضي وحيدة في هذه الحياة!

إن أنانية الرجل المصري في مثل هذه الأمور تفوق إنسانيته!

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز