عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
«طلعت حرب» وسنة أولى سينما!

«طلعت حرب» وسنة أولى سينما!

بقلم : رشاد كامل

كان شعار «طلعت حرب» الذى يؤمن به دائما هو «من حسب كسب»!



وحتى عندما قرر اقتحام صناعة السينما لم يغب هذا الشعار عن باله منذ تأسيسه لشركة مصر للتمثيل والسينما سنة 1925.

وبعد عامين من تأسيس الشركة وإنتاجها لبعض الأفلام التسجيلية القصيرة، قرر «طلعت حرب» دعوة كبار رجال السياسة والأحزاب والفكر لمشاهدة بعض هذه الأفلام فى تياترو حديقة الأزبكية مساء 29 مارس 1927.
وفى هذا الاحتفال ألقى «طلعت حرب» خطابًا طويلاً كان بمثابة رؤيته لصناعة ودور وأهداف السينما! وقبل عدة شهور من عرض أول فيلم مصرى وهو فيلم «ليلى»...

تحدث «طلعت حرب» قائلا فى تلك الليلة:

«كنا نود فى هذه الليلة من ليالى رمضان المبارك التى يحلو فيها السمر أن تكون الصور التى نستعرضها أمام حضراتكم عبارة عن رواية من الروايات: مصرية فى موضوعها، مصرية فى أشخاصها، مصرية فى مناظرها، مصرية فى صناعتها، لولا أننا - أيها السادة - فكرنا منذ الساعة الأولى من تأسيس هذه الشركة فى سنة 1925، أن صناعة السينما واسعة الأطراف، متعددة النواحى، وأن الحكمة تقضى علينا بالتدرج فيها، فنأخذ بالبسيط من عناصرها أولا، حتى إذا أتقنا صنعه انتقلنا إلى تركيب مزيج وسط من هذه العناصر ثم ارتقينا فى النهاية إلى وضع الروايات بالصور المتحركة وعرضها على اللوحة البيضاء - الشاشة - أمام الناظرين»!

ثم يتحدث «طلعت حرب» عن قوة السينما ورواية السينما فيقول:

«من يوم أن اخترعت السينما فى سنة 1895 والرواية مظهرها الأعظم، لما يترتب على عرضها أمام الأنظار من اجتذاب الجمهور إليها، ولا سيما إذا كان أشخاص الرواية ممن يمتازون بالجمال أو بحسن الإيماء! وكان موضوعها مما تهتز له حواس الناظرين!

ومن أجل الرواية وإقبال الجمهور عليها، اتسعت صناعة السينما فوجدت مصانع لصنع الأشرطة الخام، ووجدت مصانع لصنع آلات لأخذ المناظر ولتحميض الأفلام وتلوينها وتنشيفها وطبعها وترتيب سياقها واختيار ما يشاء اختياره منها، وتقديم ما يراد تقديمه وتأخير ما يراد تأخيره، وآلات لقياسها ولفها، وماكينات لعرضها، فضلا عن ماكينات أخرى يستحيل حصرها، حيث الصناعات ناشئة والتقدم فيها سائر بخطى واسعة عاما بعد عام.

ومن أجل الرواية، ومن أجل إقبال الجمهور عليها، تكونت طبقات جديدة من الفنانين: تكون الممثلون وظهر أن الممثل فوق المسرح قد يبرع فى التمثيل الناطق لرنة فى صوته، أو حرارة فى إلقائه، أما فى التمثيل الصامت، فى التمثيل بالسينما، فالممثل ينبغى قبل كل شىء أن يكون حسن الإشارة والإيماء، فبالإشارة وحدها، الإشارة باليد وخصوصا الإشارة بالعين يتفاضل الممثلون الماهرون بعضهم عن بعض، ويكون بجوارهم مديرون فنيون بلغت درجات التخصص فى أعمالهم حدًا يعرفه الإخصائيون.

ومن أجل الرواية ومن أجل إقبال الجمهور عليها، تكونت أحياء كاملة فى جميع بلدان العالم الراقية، بل تكونت فى أمريكا مدن قائمة بذاتها: بجبالها ووهادها، وأنهارها وبحيراتها، وأشجارها وغاباتها، وبيوتها وقصورها لتجرى فيها حوادث الروايات المراد أخذها بآلة التصوير الخاطفة، وعملت قوة الخيال على التصرف بموجودات الطبيعة فى المكان، مقرونة بقوة الابتكار فى اختراع وسائط مصطنعة، سرها عند أهل الفن من رجال السينما، ترينا إنسانًا طائرًا، أو ساقطًا من شاهق! أو خارجًا من انفجار - وهو فى كل الحالات سليم لا يمس بأذى!

وكم فى هذه الابتكارات من نكات لطيفة وأساليب طريفة أثارت الاهتمام من أضعف الناس خيالاً، أو الضحك من أشد الناظرين عبوسًا وأقلهم فى الحياة ضحكًا!

ومن أجل الرواية، ومن أجل إقبال الجمهور عليها تكونت الشركات لاستغلال عرض الصور المتحركة فى دور خاصة بالسينما تحاكى «دور التمثيل» ولو أنها تختلف عنها فى عدم الاحتياج إلى المناظر، وفى أن أحسن مقاعدها ما كان منها بعيدا عن اللوحة البيضاء - الشاشة.

وبفضل هذا النظام الدقيق فى الغرب، المبنى على التخصص وإتقان كل عامل ما يخصه من عمل، وبفضل الذوق الذى هو الحجر الأساسى فى كل عمل فنى استطاع القائمون بأمر الروايات أن ينفقوا على الرواية الواحدة عشرين أو أربعين ألف جنيه أو أكثر من ذلك! لكنهم استطاعوا أن يطبعوا منها بدل النسخة الواحدة عشرات النسخ، تطوف داخل بلادهم ثم توزع بترتيب محكم من قطر إلى آخر حتى لا ينقضى العام الواحد إلا كان أكبر عدد من دور السينما الراقية قد استعرضها على لوحته البيضاء».

ويمضى طلعت حرب فى شرح رؤيته السينمائية فيقول:

«إن الوارد من روايات الغرب كثيرا ما يحوى أشياء لا يصح عرضها على الكبار سواء بسواء، لهذا فإننا فكرنا منذ تأسيس شركتنا ومازلنا نعتقد فى أن الخطة المثلى لمقاومة الفاسد من روايات السينما التى تصل إلينا من الغرب هو أن تنجح شركتنا فى أعمالها المتواضعة التى تزاولها الآن، ثم تكبر وتقوى حتى تكون قادرة على إخراج روايات مصرية ذات موضوعات مصرية وآداب مصرية وجمال مصرى، تكون فى منزلة عالية من الفن تسمح بعرضها فى بلادنا وفى البلاد الشرقية المجاورة، وتكون أقرب لعاداتنا وطقوسنا وأحوالنا الاجتماعية من الروايات الأجنبية التى تكتظ بها دور السينما فى الشرق والتى كثيرا ما تحوى حوادثها ومناظرها ما لا يتفق مع عاداتنا وآدابنا الشرقية!

ومع أن هذه أمنية من أمنياتنا، فإننا نسرع فنقول: إنه لتعذر إخراج الرواية فى الوقت الحاضر فقد أدركنا عند تأسيس شركتنا أن الرواية التى لا ننكر أهميتها وسلطانها على النفوس غاية من الغايات البعيدة، تأتى بعد مراحل أخرى ينبغى أن تسبقها ويتحتم علينا قطعها إذا شئنا أن نسير بعملنا فى طريق النجاح!

ثم يتحدث «طلعت حرب» عن خطته لعرض الأفلام القصيرة فى الخارج قائلا:

«إننا نسعى لربط روابط مع الشركات المشتغلة بالسينما لعرض أقصى ما يستطاع عرضه فى دور السينما الأجنبية من صورنا المتحركة التى نصنعها فى مصر!

وغرضنا من هذه المساعى فى الخارج هو أن نظهر مصر على حالتها الحقيقية، فإنه من العيب الفاضح أن تأتى شركة أجنبية كبيرة من شركات صنع الأشرطة ولا تجد فى تصوير القاهرة فى مجموعة مدن العالم إلا رسم «رجل حاو» يلعب بثعبان أمام السياح عند مدخل فندق الكونتننتال، كأن القاهرة ليس فيها غير هذا المنظر لتصويرنا نحن المصريين فى عاصمة بلادنا.

ومن العيب الفاضح أن تستمر الدعاية الفاسدة فى الخارج تصورنا فى شكل أمة قريبة من حالة الهمجية، حتى إن بعض السياح الذين اجتمعنا بهم فى مؤتمرى الملاحة والقطن أعربوا لنا صراحة أنهم كانوا لا يتصورون مصر كما رأوها، بل كانوا يتصورونها قطعة من شعوب أفريقيا الوسطى!

ومن العيب الفاضح أن يصورنا المغرضون من الأجانب فى صورة أمة تفتك بها الأمراض ويتعرض السائحون فيها للأوبئة حتى يمنعوا السياح من زيارة بلادنا، وشريط الصور المتحركة وحده هو الذى ينبغى استخدامه فى الغرب للقضاء على هذه الدعاية الفاسدة!

ومن العيب الفاضح أن يصورنا الأجانب المغرضون فى الخارج من طينة منحطة عن طينة البشرية المتمدينة وأن نبقى مكتوفى الأيدى لا نعمل شيئًا لإظهار أن المصرى متمدين كبقية الشعوب المتمدينة، وشريط الصور المتحركة وحده هو الذى يتحتم استخدام قوته لإظهار الأمة المصرية فى صورتها الواقعية الصحيحة»!

فى سطر واحد لخص «طلعت حرب» الحكاية كلها بقوله: «السينما أقوى سلاح عصرى».
وللحكاية بقية

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز