عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
جرائــم الإخوان "4"

جرائــم الإخوان "4"

بقلم : طارق رضوان

فى التسعينيات،  وهى الحقبة الأهم والأخطر فى تاريخ العالم الحديث. انهار الإمبراطور السوفيتى وتحطم سور برلين وتشرذمت أوروبا الشرقية وتفتّت. اختفت دول من الوجود ونشط التيار الإخوانى ليحل سريعًا مكان اليسار فى الشرق الأوسط ودخلت كل المنطقة فى طريق الأسلمة، وهنا وجدت الجماعة الإخوانية طريقًا مفتوحًا للسيطرة على مصر.




كان الصدام ما بين الدولة والجماعة حتميًّا. كان لا بد منه. كان نظام مبارك قويًّا لكنه يعانى من مشكلات ضخمة سياسية واقتصادية واجتماعية ويعانى من الفساد. سيطرت الجماعة على مفاصل الدولة الاقتصادية تحت مظلة بنك فيصل الإسلامى الذى بدأ فى الانهيار نتيجة صدام الدولة الشرس بالجماعة. فلم تكن علاقات بنك فيصل الإسلامى بالمتشددين الإسلاميين هى الشىء الوحيد الذى أدى إلى انهياره فى الثمانينيات.

كان للبنك أيضًا علاقات وثيقة مع بنك الاعتماد والتجارة الدولى سيئ السمعة، الذى كان يشتهر باسم بنك النصابين والمجرمين الدولى. كان البنك مملوكًا لمستثمرين من باكستان والخليج ويشارك فى تمويل الإرهاب وتجارة السلاح وتهريب المخدرات وعمليات تمويل مشبوهة، وحتى سقوطه فى عام 1988 كانت المخابرات الأمريكية من عملاء البنك وتستغله فى إيداع أموال أمريكية وسعودية لتمويل الحرب فى أفغانستان. كانت تلك الأموال توجه إلى المتشددين الإسلاميين المحاربين المرتبطين بالجهاد هناك. ورغم أن بنك الاعتماد والتجارة لم يكن إسلاميًّا فقد كان يعمل على هذا الأساس. وعندما انهار بنك فيصل وجد المؤسسون 589 مليون دولار غير مسجلة منها 245 مليون دولار تخص البنك فى مصر كانت مخصصة للأعمال الإرهابية.

وبعد صدام الدولة العنيف تم طرد العديد من الذين كانوا يشغلون مناصب عليا فى بنك فيصل، ومنهم يوسف ندا ويوسف القرضاوى وعبداللطيف الشريف وعمر عبدالرحمن. طلبت الأجهزة السيادية المصرية من الأمير محمد بن فيصل رفع هذه الأسماء من ضمن القائمين على شئون البنك. لكن الضرر كان قد وقع بالفعل. فقد ساعد البنك على إحياء المؤسسة الإسلامية فى مصر التى أفرزت إرهابيين وأدت إلى انتشار العمليات السرية القذرة وكذلك الأعمال الإرهابية المؤثرة اقتصاديًَا واجتماعيًا.

وقد قامت تلك الشبكة السرية الإرهابية بمقاومة جميع جهود نظام مبارك لحلها. فلم يبن رجال الدين وأعضاء الإخوان الإرهابية الذين يفكرون بعقلية العصور الوسطى البنوك الإسلامية بمجهودهم الشخصى؛ بل ساعدهم فى ذلك المصرفيون الغربيون الذين كانوا يتوقون إلى استغلال دولارات النفط التى تراكمت على دول الأوبك بعد ارتفاع الأسعار فى 1973. كانت البنوك الكبرى من كبار اللاعبين مع المصرفيين التقليديين  فى السعودية والخليج.

وعندما ظهرت حركة البنوك الإسلامية بدا أنها فرصة لا تُعوّض ولا يمكن التغاضى عنها. وتقدمت البنوك والمؤسسات المالية الغربية لتوفير الخبرة والتدريب  وأحدث التقنيات المصرفية لتسهيل الانتشار السرطانى  للبنوك الإسلامية ونفوذها وأقبلت المراكز المصرفية الكبرى على العملية بعد تطمينات من المستشرقين والأكاديميين الذين أكدوا أن الأسس الرأسمالية فى الإسلام تعود إلى مواقف وأقوال الرسول ، وشمل كبار المشاركين فى تلك العملية سيتى بنك والبنك البريطانى إتش إس بى سى وبنكرز ترست وتشيس مانهاتن وبرايس واتر هاوس وغيرها من البنوك الكبرى علاوة على صندوق النقد الدولى إلى جانب متخصصين من الولايات المتحدة وبريطانيا وسويسرا. فلم يكن هناك أى خدعة وراء إنشاء مصرفى لا يقرض فوائد ويستطيع العمل بكفاءة فى سوق التمويل العالمية. كان الهجوم على مصر شرسًا ومتشعبًا. لقد بدأت بانتظام عملية سَعْوَدة مصر.

ضخت المملكة أموالًا ضخمة للسيطرة على القوى الناعمة. عندما انهار الاتحاد السوفيتى كان هناك بقايا اليسار من مفكرين وكتاب وصحفيين وكان لا بد من احتوائهم ودخولهم الحظيرة السعودية. فدخل التمويل السعودى لينشئ كيانات إعلامية «صحفية وتليفزيونية» هدفها الأول والأهم والأخطر هو استقطاب كُتّاب ومفكرى اليسار للعمل بها وتقاضى أموال ضخمة لتبقى هادئة مطمئنة تحت مظلة الجناح السعودى. كان هناك جيل جديد قد صُنِع على أيدى المخابرات السعودية حتى إنه قد أطلق على إحدى دفعات كلية الإعلام جامعة القاهرة دفعة ( كمال أدهم ) مدير المخابرات السعودية الأشهر.

ظهر هذا الجيل ليترأس معظم المنابر الإعلامية الجديدة بتمويلات ضخمة. وتم إصدار مجلات وجرائد جديدة كانت صفحاتها مفتوحة لكل كتاب اليسار تحت قيادة إعلامى من أهم وأخطر رجال المملكة فى مصر – من دفعة كمال أدهم -. وفى نهاية النصف الثانى من الثمانينيات ظهر صالح كامل صاحب مجموعة البركة ٫ الذى كان قد اشترى شركات الشريف لتوظيف الأموال بـ170 مليون دولار. أنشأ كامل فى بداية النصف الأول من التسعينيات كيانًا إعلاميًا ضخمًا ضم محطات تليفزيونية ومجلات وجرائد ليكمل مشروع السعودة. احتكر السوق الإعلامية. وهو أول من أدخل نظام التشفير على القنوات الفضائية وكان جل تركيزه على القنوات الرياضية التى تُبث مسابقات كرة القدم الكبرى.

وتم إنشاء قناة دينية متخصصة «اقرأ» لبث الفكر المتأسلم عن طريق شيوخ، معروف انتماؤهم للجماعة الإخوانية

. يوسف القرضاوى وزغلول النجار وعمر عبدالكافى. كانت الجماعة قد استولت على بعض الأندية الرياضية والاجتماعية الكبرى وأصبحت مساجد تلك الأندية مساحات واسعة للدعاة الشباب من الإخوان ليعملوا فى حرية تامة. فظهر عمرو خالد ليكمل مسيرة عمر عبدالكافى للسيطرة على الشباب من مسجد نادى الصيد.

وانهارت السينما. حتى إنها فى تلك الفترة كان كل إنتاجها خمسة أفلام فقط فى العام. وتم بانتظام حجاب الممثلات والمطربات والراقصات. كما استشيخ بعض الفنانين الرجال وراحوا يقدمون برامج دينية. وراحوا يذكرون للمشاهدين كيف جاءتهم الهداية وكيف كانوا فى ضلال. كان هدم القوى الناعمة المصرية يتم بانتظام وبشراسة. بدأها الإخوان عن طريق شرائط الكاسيت تقليدًا لما فعله آية الله روح الله الخومينى فى ثورة إيران عام 1979.

ظهرت شرائط للشيخ كشك الذى راح فى كل خطبة يهاجم أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وعادل إمام. وفى إحدى خطبه مهاجمًا الرئيس السادات. قال: السادات يقول عن نفسه أنه إمام عادل وأنا أقول له إنه عادل إمام فيضج من حوله بالضحك.

بدأت قضايا الحسبة فى الظهور وتم رفع قضايا على الفنانين بتهمة الفجور وخدش الحياء العام لتخويف المجتمع الفنى كله. فقد كانت الجماعة جاهزة بمحاميها لرفع القضايا وكانت الأبواق الإعلامية جاهزة للدعم.

لم يكتف الإخوان بالمجتمع الفنى بل التفتوا إلى المفكرين والكتاب لتكفيرهم وإصدار فتوى لقتلهم فتمت محاولة اغتيال نجيب محفوظ ودخل الدكتور نصر حامد أبو زيد المحكمة متهمًا وفرقوه عن زوجته وكان وراء القضية الدكتور عبدالصبور شاهين الذى كان ضمن اللجنة لمناقشة رسالة الدكتور نصر لنيل درجة الأستاذية وكتب شاهين تقريرًا يرفض البحث لما يحتويه من مغالطات دينية لا تؤهل صاحبه لدرجة الأستاذية وتقدم ببلاغ ضده. وأصبح المجتمع الإبداعى فى مصر مهددًا بالتكفير والقتل والطرد من البلاد.

وتمزقت الدولة ما بين تيار دينى يتزعمه الإخوان يطلق على نفسه التيار المحافظ وتيار المفكرين والمبدعين متهمين بالعلمانية والإلحاد. أصبحت القوة الناعمة تقف وحدها فى غياب تام من الدولة الغارقة تمامًا فى مشاكلها الاقتصادية أمام تيار منظم دخل مع الدولة فى حرب عصابات اختاروا الصعيد أرضًا للمعركة ليدخل التار جنبًا إلى جنب للانتقام من الحكومة الكافرة. كان ضرب السياحة هو أهم أهداف الجماعات الإرهابية لتمنع عن الدولة أهم دخل بالعملة الأجنبية لتغرق فى مشاكل اقتصادية وتنفرد التيارات الدينية بالقوى الناعمة لتقضى عليها تمامًا. كان الصراع محتدمًا  بين نفوذ الدولة ونفوذ الإخوان. استطاعت فيه الدولة أن تحقق انتصارات حققت الاستقرار النسبى للنظام. حتى ظهر جمال مبارك .•

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز