عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
"النصف غير الآخر".. اختطاف توأم

"النصف غير الآخر".. اختطاف توأم

بقلم : سامية صادق

كلما كبرت اقتنعت أكثر أن إرادتنا وهمية وأن كل خطوة في حياتنا مكتوبة قبل أن نولد وأننا مسيرون في الأمور الأساسية في حياتنا وربما نكون مخيرون ولكن في الأمور الفرعية فقط !!.. وأن الأقدار هي من ترسم يومنا وغدنا ومستقبلنا!!



 

وتلك المرأة التي سمعت حكايتها من إحدى قريباتها قد رسمت حياتها أقدارها أيضا!!

 

لقد كانت تبكي ليل نهار غياب طفليها التوأم.. الولد والبنت التي أنجبتهما بعد عام من زواجها.. لقد خطفهما الزوج وهرب.. ..

 

ولا تعرف أين ذهب بهما؟.. كما أنها لم تستطع أن تبحث عنهما.. فهي لا حول لها ولا قوة.. فليست بالشخصية القوية التي يمكنها الإصرار على الوصول لهما.. وليست بالأم الواعية التي تطرق أبواب مراكز الطفولة والأمومة وجمعيات حقوق الإنسان وترسل الشكاوى والإستغاثات للمجلس القومي للمرأة بحثا عن طفليها.. فهي لا تعرف شيئا خارج نطاق الحي الصغير الذي تسكنه.. ولا تسطيع التحرك إلا داخله.. وربما تتوه لو ركبت وسيلة مواصلات بمفردها!!

 

أنها غير متعلمة ولا تعمل ولا تملك مصدر دخل يخصها!!.. وتعيش مع والدها المسن بعد أن توفت والدتها وتزوجوا إخواتها الأربعة!!

 

لم تجف دموعها على إبنيها التوأم التي لم ترهما أوتضمهما لصدرها أو ترضعهما غير أسبوع واحد فقط!!

 

بالتأكيد تغيرت ملامحهما.. وربما لو إلتقت بهما مصادفة لن تسطع التعرف عليهما!!

 

حتى زواجها جاء بالمصادفة وبدون ترتيب أو رغبة حقيقية منه.. لقد كان مغتربا بالقاهرة ويعيش مع والدته حين تقدم للزواج من أختها الأصغر فيرفض الأب أن يزوج الصغيرة قبل الكبيرة ويعرض عليه أن يتزوج من إبنته الكبيرة.. فيتزوجها!!!

 

وتعيش مع والدته في نفس الشقة حياة صعبة جافة.. فكانت حماتها تعاملها معاملة الخادمات حيث تجبرها على القيام بكل أعباء المنزل من تنظيف وغسيل ومسح وكنس ورعاية الطيور ووضع الطعام لهم وتزغيط البط والأوز .. بينما الأم هي ست البيت التي تتحكم في كل شئ فلم تشعرها يوما بأنها زوجة ولها بيت!!.. كما كانت شديدة البخل.. حتى الطعام تتدخل فيه.. فتعطيها ما يكفي فردين فقط!! قطعتين من اللحم أو الدجاج بالكاد كل أسبوع !!

 

وكان زوجها يرث البخل عن أمه.. وتتذكر أنها بعد الحمل كانت تجوع اكثر فأحيانا كانت تستيقظ من النوم ليلا لتأكل وحين كان يضبطها زوجها يجذب من أمامها الطعام وينهرها قائلا:

 

كفاية.. ما بتشبعيش أبدا!!!

 

حتى أن شقيقاتها قبل زيارتها كن يحرصن أن يأكلن ويشبعن ويطعمن أبنائهن الصغار في بيوتهن قبل أن يذهبن إليها.. فلو جاعوا الأبناء عندها لن تجرؤ على تقديم الطعام لهم!!!

 

فتمرض.. ليؤكد الطبيب أنها تعاني من سوء التغذية وذلك يمثل خطر عليها وعلى صحة الجنين.. ورغم ذلك ظلت لا تشبع طوال الوقت إلى أن أنجبت إبنيها التوأم ولد وبنت.. ولم يكن توامها قد أكملا من العمر ستة أشهر حين إستيقظت من النوم لتجد أن زوجها وطفليها قد إختفوا.. صرخت لطمت خدودها بحثت في كل مكان سألت كل من تعرفهم من أقارب زوجها بلا فائدة فلم تستطع أن تصل إليهم..

 

ويمضي العمر ويتوفى والدها.. ولم تتزوج والشعور بالوحدة والفقد يتسع بداخلها وحولها ويؤلمها ويمتص شبابها وطاقتها.. وصورة طفليها التوأم لا تفارقها.. وتشعر أنها بحاجة شديدة إليهما ليملآن حياتها ويؤنسان وحدتها!!!.. ولم تنم ليلة منذ غيابهما دون أن تذرف دموع الألم والحسرة عليهما..

 

وعلى الرغم مرور عشرين عاما على غياب إبنيها التوأم..  إلا أنها كان بداخلها يقينا بأنهما سيعودان إلى أحضانها يوما!!..

 

وتتساءل:

 

ترى هل تعلما؟.. هل دخلا المدارس و الجامعات؟

 

كما أن البنت كبرت وصار عمرها عشرين.. هل تدرس؟.. هل تزوجت أو خطبت؟.. هل صارت فتاة جميلة.. لقد كانت بيضاء وذات عينين خضراوين حين ولدت .

 

والولد.. هل أصبح يشبهني أم يشبه أبيه؟.. لقد كنت آراه يشبه خاله.. هل صار طويلا مثل خاله أم قصيرا مثل أبيه؟!

 

تظل تتساءل وتتخيل ثم تجهش بالبكاء وتدفن رأسها في وسادتها وتحاول النوم هاربة من نفسها ومن أفكارها..

 

إلى أن إستيقظت في يوم على صوت طرقات قوية ومتتالية على بابها.. وتفتح الباب منزعجة.. لتجد أمامها جارتها وزوجها يقولان لها بفرحة:

 

لقد وجدنا أبنائك

 

لم تصدق ما تسمعه.. فتظل صامتة للحظات وكأنها لا تستوعب ما تسمعه.

 

فتكرر جارتها الكلام:

 

لقد قابلنا أمس رجلا بلديات زوجك.. وحين سألناه عن إسم زوجك عرفه وأخبرنا أن لديه توأم عمرهما عشرين عاما!!

 

وأن إبنته مخطوبة وتستعد للزواج بعد أيام.. وأن الولد في الجيش!!

 

لم تنبث بكلمة.. فلا زالت لا تستوعب ما تسمعه حتى أن دموعها تنهمر بلا توقف للحظات طويلة.. فتخشى عليها جارتها من فرط الفرحة.. . فتضمها وتظل تربت عليها بحنان وهي تهدئها..

 

ينصرف جيرانها.. وتذهب على الفور إلى شقيقاتها وأشقائها تزف إليهم الخبر المفاجأة.. وتطلب مساعدتهم لأول مرة.. وتخبرهم أنه آن الآوان ليقفوا بجوارها ويذهبوا معها لبلدة زوجها بالصعيد لترى إبنيها التي حرمت منهما العمر كله وعجزت عن البحث عنهما والوصول لهما رغم وجودهما بمصر.

 

يتعاطف إخواتها معها ويساندونها في اللحظات الفارقة في حياتها.. ستلتقي مع إبنيها بعد عشرين عاما!!.. بعد خطفهما زوجها وهما لازالا رضيعان.. وسيعودان إليها شابا وفتاة.. يا له من موقف عجيب لا تعرف كيف ستواجهه!!!

 

تذهب إليهما بصحبة شقيقاتها وأشقائها الأربعة.. كان قلبها يخفق طوال ساعات السفر من القاهرة للصعيد.. أن دموعها لم تتوقف طوال الطريق وإخواتها يرمقونها بشفقة ويقدرون صعوبة ما تعيشه وحساسيته..

 

يصلون إلى بيت زوجها.. لم تكن تتوقع أن يستقبلهم هو وعائلته بكل هذا الترحاب.. ولكنها لا تريد ترحابه أنها تريد إبنها وإبنتها.. لم يكن الولد موجود حيث يؤدي فترة تجنيده بالجيش.. أما البنت فكانت لدى بيت عمها.. يرسل والدها إليها يخبرها أن لديهم ضيوف.. وتأتي الفتاة.. كانت تشبه والدتها لحد كبير لم تصدق الأم عينيها حين تراها.. فتنهض من مكانها وجسدها يرتجف.. وتضمها لصدرها بأيدي مرتعشة وهي تبكي منهارة.. والأب يخبرها أنها أمها وقد جاءت لتحضر زفافها.. لم تصدق الفتاة حتى أنها تسمرت للحظات في مكانها في ذهول قبل أن تلقي بنفسها في حضن أمها الذي لم تعرفه من قبل والذي لم تدرك حلاوته ودفئه إلا في هذه اللحظات.. ولا تدري كم من الوقت مضى وهي بين أحضانها تعانقها وتضمها لصدرها المشتاق إليها من سنين طويلة لتختلط دموعهما وتمتزج مشاعرهما .. ولا تغادر الأم البلدة إلا بعد أن تحضر عرس ابنتها وتلبسها بيدها فستان زفافها..

 

أما الولد فقد جاءها على بيتها في القاهرة في أول أجازة له من الجيش.. وبعد العناق والدموع يصر الإبن ألا يغادرها لحظة.. وأن يبيت بين أحضانها طوال الليل!!!

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز