عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
عقل الدولة

عقل الدولة

بقلم : هاني عبدالله

على إيقاع استنزافات «خانقة»، و«ممتدة الجذور»، كانت الأحداث «الشرق الأوسطية» خلال الأشهر المنقضية أقرب لـ«برميل من البارود» مُرشح – بشكلٍ مزمن – للانفجار.. تتصارع التوجهات.. تتقارب الأجندات الدولية حينًا، وتتنافر فى أحايين أخرى.. يتقاطع الاقتصادى مع ما هو سياسى، حدَّ التماهى.. تُصبح الضبابية (فى كثيرٍ من الأوقات)، هى العنوان الأبرز لوصف المشهد (أى مشهد).. لذلك.. يُمكننا – بثقة كاملة – أن نعتبر حفاظَ «الدولة المصرية»، وسط كل تلك الأجواء، على كونها [نقطة التلاقى والرقم الصحيح فى عالم مضطرب] هو الاختبار الأصعب الذى نجحت الدولة ذاتها فى اجتيازه خلال السنوات القليلة الماضية.

.. والوصف بين الأقواس (أى أنَّ: مصر ستظل هى نقطة التلاقى والرقم الصحيح فى عالم مضطرب)، هو للرئيس «عبدالفتاح السيسى» خلال المؤتمر الوطنى السابع للشباب.
العبارة – قطعًا – لها دلالة يقينية.. كما أنَّ لها عديدًا من الشواهد، التى تضيف- بدورها- مزيدًا من التفاصيل للمشهد.. إذ عندما نقترب (تحليلاً) من القضايا الخارجية (والداخلية، أيضًا) التى تديرها الدولة المصرية فى الوقت الراهن، سنصل حتمًا إلى النتيجة ذاتها.




1 القضية الفلسطينية


فى مقابلة أخيرة مع شبكة «سى إن إن» الأمريكية، قال «ديفيد فريدمان» سفير الولايات المتحدة لدى دولة الكيان الصهيونى (إسرائيل): «نحن نؤمن بسلطة ذاتية مدنية للفلسطينيين. ونعتقد أن هذا الحكم الذاتى يجب أن يمتد إلى حدّ لا يمكنه أن يعرض أمن دولة إسرائيل للخطر».


تصريحات «فريدمان» تُزيد- بالتبعية- الأمر تعقيدًا.. تكشف جانبًا مهمًا من جوانب الإصرار الأمريكى (الموجه إسرائيليًّا) نحو عدم طرح حل الدولتين(!).. التصريحات – بدورها – تزامنت مع الزيارة الأخيرة لصهر الرئيس الأمريكى ومستشاره «جاريد كوشنر» للمنطقة.


أمس الأول (الخميس).. كان أن التقى الرئيس «عبدالفتاح السيسى» الضيف الأمريكى.. تبذل مصر جهودًا ملموسة؛ لتعزيز أسس الاستقرار والسلام بالمنطقة (فضلاً عن مكافحة الإرهاب والتطرف).. تتعامل «الدولة المصرية» مع كل تلك الملفات بالدرجة ذاتها من الحزم، رغم الوضع الإقليمى المتأزم.


أكد الرئيس (مرة أخرى) على الثوابت المصرية فى التعامل مع قضية السلام..وقال: إنَّ مصر تدعم الجهود الرامية؛ للتوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، والدفع قدمًا بمساعى إحياء عملية السلام بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى (وفقًا للمرجعيات الدولية، وعلى أساس «حل الدولتين»).


تؤكد «الدولة المصرية» باستمرار على أن مفتاح الاستقرار بالمنطقة، هو [إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس].. إذ من شأن هذا الأمر أن يفتح آفاقًا جديدة لكل شعوب منطقة الشرق الأوسط.



2 الأزمة الأمريكية/ الإيرانية

قبل انعقاد المؤتمر الوطنى (الأخير) للشباب.. كانت حالة الشد والجذب بين الطرفين: «الأمريكي»، و«الإيراني» (فضلاً عن أطراف إقليمية أخرى) تدق من دون هوادة طبول الصراع.. لذلك، كان التعامل المصرى (بمشرط جراح)، خلال المؤتمر، نقطة اتزان جديدة فى مشهد يبدو معقدًا (حدَّ الاضطراب).. إذ شدد «الرئيس السيسى» على أهمية الحفاظ على الاستقرار داخل المنطقة، داعيًا إلى إيجاد الحلول المناسبة، والابتعاد عن آليات «تأجيج الصراع».. وأشار الرئيس (خلال جلسة: اسأل الرئيس) إلى أن منطقة الشرق الأوسط تُعانى الاضطراب منذ أكثر من 9 سنوات.. وأن هناك الكثير من الأزمات والمشاكل فى دول الجوار.. ومن ثمَّ، فإنَّ المنطقة لا تتحمل مزيدًا من النيران.


هنا.. يؤكد الرئيس (مُجددًا) على أن مصر (الدولة) تسعى – بشكل دائم – نحو إيجاد حلول لأزمات المنطقة بعيدًا عن العمل العسكرى.. إلى جانب الحفاظ على ثوابت «الأمن القومى والعربى»، و«أمن دول الخليج» (كجزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى).


وللحفاظ على تلك الثوابت، أيضًا، سبلٌ شتى.. إذ كان ثمة توجهات دولية عديدة تسعى للاستثمار فى الصراع الإقليمى المُحتمل (سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا) على نطاق واسع.. إذ فى هذا السياق، يُمكننا (تحليلاً) استدعاء جانب من الاستراتيجيات التى تم طرحها (فيما قبل وصول الأزمة إلى وضعها الراهن).


فقد كان من بين تلك الاستراتيجيات: «استراتيجية المواجهة» (ويتبناها مستشار الأمن القومى الأمريكى «جون بولتون»)، وبالتوازى معها كان هناك «استراتيجية الانكماش».. وفى الواقع، فإنَّ «الاستراتيجيتين» وإن اختلفتا ظاهريًّا، إلا أنَّ نتائجهما، كانت ستعود بالضرر – فى المقام الأول – على شعوب المنطقة.


ففى تلك الأخيرة (أى: استراتيجية الانكماش)، تم طرح تقليص «الولايات المتحدة» لتدخلها المباشر، فى مقابل إدارة الصراع المُحتمل.. وفى هذا السيناريو، ستواصل الولايات المتحدة تقديم و[بيع] الأسلحة إلى الأطراف الإقليمية؛ لكى تتمكن تلك الأطراف من مواجهة إيران ووكلائها.. مع احتفاظ واشنطن بعقيدة الردع الجديدة التى تنص على أنه: مع ظهور أى دليل على قيام إيران بتخصيب المواد الانشطارية إلى درجة تتخطى مستوى معيّن من شأنه أن يؤدى إلى قيام الولايات المتحدة بـ«عملية عسكرية» [ضخمة] تهدف إلى إنهاء النظام.


يُولد الصراع «صراعًا ممتدًا».. والفاتورة الاقتصادية، لا ريب، باهظة، فى أوضاعها كافة.. لذلك.. كان أن شدد الرئيس مرة أخرى (خلال الجلسة ذاتها) على أنه لو حدثت «أزمة صراعية» بالمنطقة، فإن هذا الأمر سيكون له تداعيات كبيرة من الناحية الإقليمية.. إذ سيكون هناك رد فعل من الجانبين (المتصارعين).. إذ لو استخدمت (على سبيل المثال) الميليشيات الموجودة لدى حزب الله فى لبنان إمكانياتها فى مواجهة إسرائيل (عبر إطلاق عشرات الآلاف من الصواريخ)، فإنَّ إسرائيل سترد، هى الأخرى، بشكل عنيف وضخم.. وينبه الرئيس إلى تلك الحالة الصراعية [المُمتدة] قائلاً: «وهذا ما أتحدث عنه بكل وضوح مع المسئولين الدوليين ممن ألتقى بهم، فهناك قدرات موجودة لدى دول الصراع الحالى بصورة هائلة.. سواء الولايات المتحدة أو غيرها.. ويمكن أن تدخل المنطقة فى صراع كبير، مما ستكون له تداعيات لسنوات مقبلة».



3 الأوضاع الداخلية



(أ)- الإصلاح الاقتصادى:


فيما يُمثل الاندماج مع الاقتصاد العالمى (على أسس متكافئة) قمة السياسات الاقتصادية لأى دولة.. كان أن سعت الدولة المصرية خلال الأعوام الماضية لجذب العديد من رءوس الأموال الأجنبية للاستثمار فى مصر.. فضلاً عن توفير «البنية الأساسية» لعمل تلك الاستثمارات، من حيث الأصل (الخدمات اللوجستية وشبكات الطرق نموذجًا)، وتوفير «البيئة التشريعية» الجاذبة لتلك الاستثمارات.


وعلى هذا المنوال، تبنت الدولة برنامجًا للإصلاح الاقتصادى (اعتمد الطريق الأصعب لمواجهة الأزمات المتراكمة منذ سنوات).. يقول «الرئيس»: إنَّ نجاح الإجراءات الاقتصادية يعود للشعب المصرى الذى تحمّل الإجراءات.. وأن نهاية خطة الإصلاح الاقتصادى ستنتهى بنهاية العام الحالى (أى العام 2019م)، وفقًا للالتزام الذى قطعته مصر على نفسها.. لكن.. هذا لا يعنى أن عمليات الإصلاح ستتوقف، إذ إن هناك مشاكل كبيرة فى قطاعات عدة، والإصلاح واجب، بما فى ذلك قطاع الإعلام.


(ب)- المنظومة الإعلامية:


تُمثل «المنظومة الإعلامية» (فى جوهرها) ركنًا محوريًا فى بناء أى دولة.. لذلك لم يكن الحديث عن «إصلاح المنظومة الإعلامية» فى سياق الحديث عن «الإصلاح الاقتصادى» بوجه عام مستبعدًا.. إذ تستند منظومة الإصلاح على أساسين: «تطوير المحتوى»، و«الإصلاح الاقتصادى».. وفى تقديرنا الخاص، فإنَّ أولى خطوات «إصلاح المحتوى» و[تطويره] تتطلب فى الواقع التحرك عبر مسارات عدة، ربما يأتى على رأسها التخلص من «البيروقراطية» [التى ورثها عديد من المؤسسات الإعلامية].. إذ كبلتها تلك «البيروقراطية» (والحسابات والمصالح الشخصية) لسنوات.. وأورثتها أعباءً (بشرية واقتصادية وفنية)، لا تزال تداعياتها بادية إلى اللحظة.


يقول الرئيس: أثبت الإصلاح الاقتصادى [للإعلام] حجم التفاوت بين المصروفات والإيرادات؛ إذ بلغت المصروفات أكثر من 6 مليارات جنيه أمام إيرادات أقل من 3 مليارات جنيه.. وأضاف: الدولة تتحرك فى إطار «الإصلاح الاقتصادى»، و«إصلاح المحتوى».. إذ سيكون المحتوى أفضل كثيرا خلال العامين المقبلين.. فالدولة مهتمة بمواكبة العصر، ومصر ستكون خلال عامين أو ثلاثة فى مكان أفضل مما هى عليه الآن بالنسبة لقطاع الإعلام.


(ج)- الثقافة:


تمتلك مصر من الناحية التاريخية مقومات «الريادة الثقافية» داخل المنطقة العربية (أدبيًا/ وفنيًا/ وعلميًا).. ورغم عديد من المتغيرات التى شهدتها المنطقة بفعل كثير من التدخلات الخارجية والأزمات الإقليمية، فإن «الدولة المصرية» لاتزال قادرة على استعادة بريق قوتها الناعمة (إذ لم ينطفئ هذا البريق بعد، رُغم ما شهدته المنطقة).. وهو أمر- بحكم تكوينه- يجب أن يتوازى مع تعميق الشعور بـ«الهوية الوطنية المصرية»، والاعتزاز بما ترتكن إليه تلك الهوية من ميراث حضارى يضرب بجذوره فى عمق التاريخ.. فكلما تعمق الإحساس بالهوية الوطنية، كان استعادة زمام القوى الناعمة أسهل وأيسر.


وفى هذا السياق، قال «الرئيس» خلال المؤتمر: إنه يتم تنفيذ أكبر مدينة للثقافة والفنون فى العالم (تشهد مسارح وأوبرا ومتاحف ومعارض) لكل ما يخص الثقافة والتراث المصرى، إذ إن الدولة تأخرت فى الماضى كثيرًا، إلا أننا نبذل مجهودًا كبيرًا، فى الوقت الحالى، لمواكبة التطور. مؤكدا أن الدولة المصرية تعمل على إحداث نهضة فنية وثقافية معاصرة.. وأنها (أى الدولة) تقوم بتحديث أدواتها حيث ستقوم بالانتهاء من أكبر مدينة للثقافة والفنون فى العالم منتصف 2020م فى العاصمة الجديدة.. بالإضافة لمدينة فنون وثقافة أخرى فى العلمين الجديدة؛ لإطلاق سبل إتاحة الإبداع الفنى للجميع.


(د)- دولة القانون: 


تعكس «الدولة المصرية» فى مناسبات عدة اهتمامها بالجوانب التشريعية والدستورية.. إذ عندما يطمئن الجميع إلى أنَّ المجتمع تحكمه «قواعد تشريعية عامة»، فإنَّ «مُعامل الاطمئنان»، يصل إلى أعلى مُعدلاته.. وتُصبح البيئة [التشريعية] هى الملاذ الطبيعى للكافة.. وهو ما تستتبعه – يقينًا – زيادة معدلات الثقة بين الحكومة والشعب.


هذا الأمر يُمكننا أن نلحظه بوضوح خلال جلسة «اسأل الرئيس»، أيضًا.. إذ قال الرئيس: هناك التزامات وتشريعات يجب أن تتم، كى تتوافق مع الدستور الجديد.. وفيما يتعلق بمجلس الشيوخ أوضح الرئيس أن مجلس الشيوخ يتطلب تواجد الخبرات، ومن ثم البرلمان والمحليات فرصة كبيرة للشباب.. كما أوضح «السيسي» حرص الدولة على عقد انتخابات المحليات فى أسرع وقت ممكن؛ كى تقوم بمهامها.مشيرًا إلى أن الحكومة ستتقدم بمشروع قانون المحليات فى دورة مجلس النواب المقبلة؛ تمهيدا لإقراره، وعقد الانتخابات بعد ذلك.. كما سيكون للشباب دور كبير فى المحليات.. إذ إنَّ اختيار المجالس بشكل جيد سيساعد فى عملية الإصلاح الإدارى، ونسعى لإجراء انتخابات المحليات آخر العام عقب إقرار القانون لو أمكن ذلك.


(هـ)- التعليم:


قطعًا.. لا يُمكن أن تعمل منظومة التوجه نحو المستقبل بـ«كفاءة مطلقة» من دون إصلاح حقيقى للمنظومة التعليمية، وسد ثغرات بنائها المعرفى.. فالتعليم هو أساس كل شيء.. كما أنه عملية تراكمية، تقتضى – فى المقابل - متابعة سلبيات وإيجابيات أى نظام يتم تطبيقه، ومدى توافقه والبيئة الاجتماعية.. فضلاً عن موارد التطوير فى حد ذاتها.


يقول الرئيس: إن مشكلة التعليم أساسية فى توفر الموارد.. فتطوير الجامعات يحتاج أكثر من 800 مليون جنيه.. لذلك.. لا يتم منح تصريح لإقامة الجامعات إلا إذا توافر لديها توأمة مع جامعة مماثله أجنبية، مثل: (جامعة زويل وجامعة الجلالة وجامعة الملك سلمان).. إذ نتحدث هنا عن استثمارات بعشرات المليارات؛ حتى نستطيع بناء البنية التحتية لها بعيدا عن آليات تشغيلها.. وأكد الرئيس أن تغيير منظومة التعليم يحتاج إلى تحديث 250 ألف فصل دراسى، وتأهيل المدرسين مما سيكلف الدولة المليارات.. والدولة تعمل فى إطار قدراتها، وإمكانياتها.


.. وتبقى كلمة:


فى عالم تتنازعه «الأجندات السياسية» والأطماع الدولية؛ فإنَّ الدولة (أى دولة) عندما تنجح فى تأمين نفسها من عناصر الاختراق؛ فإنها تُصبح - فى تلك الحالة- أكثر تماسكًا (من الناحية الداخلية)، وأكثر استقلالية (من الناحية الخارجية).. إذ تُصبح عصية على الضغط، وقوية أمام أى محاولات (غير الوطنية) للتوظيف السياسى. 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز