عاجل
الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الطريق إلى البيت العتيق

الطريق إلى البيت العتيق

بقلم : أيمن عبد المجيد

هناك تركت قلبي، عُدت، وكلي شوقٌ لأن يسترده جسدي لبضع ساعات، يضخ به شحنة من الصفاء، قبل أن أغادره، على أمل تكرار اللقاء.



أجمل لحظة في حياتي تلك التي رأيت فيها بيت الله العتيق، رأي العين، وأصعبها تلك التي انتهى فيها طواف الوداع، يومها دعوت الله وأمعنت في الرجاء، أن يرزقني حج بيته وزيارة رسوله الكريم، سنوات مديدة ومرات عديدة.

كان برفقتي، معشوقتي، أمي، تلك المصرية الخالصة، الريفية المُخلصة، الصوفية الطباع، المؤمنة التي يصدق عملها ما وقر في قلبها، متعة الطاعة المضاعفة، طاعة الله وبر الأم، وصحبة آباء وأمهات لأصدقاء أعزاء، شرفُت بصحبتهم.

كثيرة هي الأدعية التي رجوت من خالقي، قبولها، وكثيرة هي التي أكرمني باستجابتها، من بينها عودة زيارة البيت العتيق، معتمرًا وحاجًا.

رحلة إلى الله، أسرار الزمان والمكان، والفجر وليالٍ عشر، وقبلها رمضان الذي أنزل فيه القرآن، وليلة القدر، بينما الأماكن المقدسة مكة المكرمة والمدينة المنورة، والمسجد الأقصى، هناك أتحسس الخطى، عسى أن تطأ قدماي موضع قدم نبي، أو ولي من أولياء الله، الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون.

فضلٌ من الله ما بعده فضل، منحة روحانية، تأتيك لتزيل عنك الهموم، يوم أن تظن أنك بت غير قادر على حملها، يغسل الله قلبك، تطوف وتطوف وتطوف وتطوف وتطوف وتطوف وتطوف، فيحصل جسدك على شحنات إيمانية تغسل الروح وتذيب الهموم.

"سبعة"، هو ذلك السر الأعظم، الطواف سبعة أشواط، والسعي سبعة أشواط، ورمي سبع جمرات، وسبع سماوات، وسبع سنبلات خضرٍ وأخر يابسات، في وجه الإنسان سبع فتحات، عينان وفم وفتحتا الأنف والأذن، هي أسرار الأرقام التي يعلمها خالق الأكوان.

اليوم إلى بيت الله نشد الرحال، متعة العبادة أن نتفكر في رمزيتها، نشد الرحال ملبين: "لبيك اللهم لبيك، موحدين لبيك لا شريك لك لبيك، حامدين: إن الحمد والنعمة لك والملك.. لا شريك لك".

ملبين استجابة لأذان أبينا إبراهيم عليه السلام، الذي أمره خالقه: «وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ» صدق الله العظيم، فأذن أبونا ونحن نلبي نداء الله: "لبيك اللهم لبيك، نطوف بالبيت، نعلم أنه حجر، طوافنا، طاعة لله الواحد الأحد الفرد الصمد: "لبيك لا شريك لك لبيك، الأبدي الأبد رافع السماوات بغير عمدٍ نراه باسط الأرض على ماء جمد: "إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك".

متجردون من متاع الدنيا، ملتفون برداء أبيض «الإحرام»، بلا مخيط، متساوون، ثرينا وفقيرنا، عزيزنا وبسطاؤنا، جميعنا نطوف جنبًا إلى جنب، نتضرع بالرجاء إلى إله واحد، نتبع ذات المناسك، لا أفضلية لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، والسعيد، هو من جاء بقلب سليم، لا شيء آخر، التقوى والعمل هما المعيار، والقبول والفوز بمغفرة الخالق هي الفوز العظيم.

رسائل ورمزيات بليغة، ففي مكان السعي بين الصفا والمروة، كانت ستنا هاجر تسعى ذهابًا وإيابًا، بحثًا عن الماء لسيدنا إسماعيل عليه السلام، والحجيج يحاكي سعيها.

لاحق الشيطان سيدنا إبراهيم، محاولًا صرفه عن ذكر ربه، فزجره ورجمه، والحجيج يرجم في ذات المكان بمنى، ذلك الشيطان الذي توعد آدم وذريته بالغواية، قال تعالى: «قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ».

ربنا اجعلنا من المخلصين، الفاهمين لصحيح الدين، دين العمل والاجتهاد، دين السلام والمحبة، الصدق، دين الأمل والتفاؤل، دين البناء والتعمير، دين التكافل والتراحم، واهدِ كل من ضلّ سواء السبيل، واشف مرضانا وارحم شهداءنا، واهدِ الإنسانية للصراط المستقيم.

من جديد أعود إلى بيت الله العتيق، باحثًا عن قلبي الذي تركته هناك يطوف، ذهبت وما يؤثر في نفسي أن والدتي ليست معي هذه المرة، لكن عزائي أنها سبقتني بحملها شوقها العام قبل الماضي، بعد عام من رحلتها معي، فكانت كما هي دائمًا- حفظها الله- سباقة إلى الخيرات، ولعل الله يكتب لي في قادم الأيام فضل صحبتها من جديد في الطريق إلى البيت العتيق.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز