عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
..وماذا عن الاقتصاد السوداني؟!
بقلم
محمد نجم

..وماذا عن الاقتصاد السوداني؟!

بقلم : محمد نجم

الثورات عادة هي «محطات مؤقتة» في حياة الشعوب والدول، وتستهدف غالبًا تغيير الأوضاع القائمة إلى الأفضل.



 

ومن المتفق عليه أن الشعوب لا تأكل من «الشعارات الثورية»، وإنما هي عنوان لمرحلة جديدة تتوافر فيها المتطلبات الضرورية لحياة كريمة، منها المآكل والملبس والمسكن، ثم التعليم الجيد والرعاية الصحية اللائقة.. إلخ.

 

وإذا كان السودان الشقيق مازال في «مراوغة سياسية» بين شباب الثورة والمجلس العسكرى الحاكم للاتفاق على شكل الحكم وأركانه ومؤسساته في المرحلة الانتقالية الممتدة لثلاث سنوات مقبلة، فلا شك أن الفقر والبطالة وعدم المساواة والفساد بكافة أشكاله، هي المحرك والدافع الأساسى لثورة الشباب السودانى في ديسمبر الماضى.

 

وأعتقد أن تلك المفاوضات السياسية - طالت أو قصرت - سوف تنتهى وتستقر الأوضاع، ثم يبدأ الأشقاء في السودان في بحث تطبيق الشعارات الثورية على أرض الواقع، خاصة فيما يسمى بالعدالة الاجتماعية والتي تستوجب إعادة النظر في الوضع الحالى للاقتصاد السودانى.

 

أى لا بد أن يكون لثورة الشباب السودانى برنامج اقتصادي واضح المعالم ومحدد الأهداف، ويتم تنفيذه على مراحل زمنية مختلفة اعتمادًا على ما يملكه السودان الشقيق من خبرات أو ميزات نسبية، وبمساعدة من الأشقاء أو المؤسسات الدولية المعنية بذلك.

 

ونظرًا لأن الاقتصاديات العربية تكاد تتشابه في مكوناتها ومشاكلها وأساليب الإصلاح، فسوف أعرض هنا ما اقترحه الصديق والخبير الاقتصادي د. إبراهيم البدوى - سودانى الجنسية - مدير منتدى البحوث الاقتصادية، من ملامح رئيسية للبرنامج الاقتصادي للثورة السودانية، والذي يمكن أن يطبق أيضا - بعد استقرار الأوضاع في البلدين الشقيقين سوريا وليبيا!

 

والدكتور البدوى يقترح أولًا برنامجا إسعافيا لمدة شهور قليلة بهدف تثبيت الاقتصاد وإعادة هيكلة الموازنة، أي عملية «إنعاش» سريعة للاقتصاد السودانى.

 

وهذا البرنامج الإسعافى يقوم على كبح جماح التضخم ووضع حد لانهيار العملة الوطنية، ففى رأيه أن أسوأ أنواع الضرائب وأشدها إيلامًا للفقراء هي التضخم، حيث هو ضريبة مكتملة الأركان يدفعها المواطن لتمويل عجز الموازنات المنفلتة لفائدة الطبقة الطفيلية المتنفذة، ومن ثم يطالب بملاحقة الفساد وتصفية مكاسب طبقة الإنقاذ التي حكمت السودان طوال الأعوام الماضية، وإعادة النظر في أولويات الموازنة العامة، وترشيد الدعم السلعى وحصره في الدعم النقدى المباشر، مع السعى لإعفاء أو تخفيض الدين الخارجى، والحصول على قروض ميسرة من البنك الدولي.

 

هذا مع ضرورة تبنى سعر صرف مرن، وإعادة تأهيل القطاع المصرفى ليتمكن من القيام بدوره في الوساطة المالية اللازمة لتمويل الاقتصاد.

 

كما يطالب بضرورة إعادة النظر - وهو ما ينفرد به السودان - في الحيازات لمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية قدرت بملايين الأفدنة لشركات أجنبية خاصة بموجب اتفاقيات سرية.

 

وبالطبع هذا البرنامج الإسعافى يحتاج لتمويل، هنا د. إبراهيم يرى أن (الإحسان يبدأ من أهل البيت)، حيث يقترح ما يسمى بـ «الديسابورا السودانية» أي صندوق الإعمار وبناء القدرات، والذي يمول من مساهمات السودانيين بالخارج والذين يقدر عددهم بأكثر من خمسة ملايين، فهؤلاء يمكنهم الاكتتاب في السندات أو الصكوك المكونة لرأس مال الصندوق، الذي يمكن أن يصل إلى خمسة مليارات دولار، بواقع ألفي دولار لكل مكتتب في المتوسط.

 

هذا بالإضافة إلى إمكانية الاستفادة من الكفاءات السودانية في الخارج سواء من خلال العودة النهائية أو الجزئية.

 

ويعتقد أن هذا الصندوق، مع ترشيد أوجه الصرف في الموازنة العامة، بالإضافة إلى الحصول على قروض خارجية ميسرة، سوف يتوفر التمويل المطلوب لبرنامج إنقاذ الاقتصاد السودانى بشكل سريع.

 

ولا يكتفى د. إبراهيم بذلك، وإنما يقترح أيضا خطة اقتصادية عشرية للنمو المستدام في الاقتصاد السودانى تمتد من 2020 إلى 2030.

 

ولكنه يشترط أن يكون هذا البرنامج مشروعًا وطنيًا يحظى بالإجماع، مع استهداء الفكر الاقتصادي الحديث، والاستفادة من التجارب السابقة للدول الناجحة والفاشلة أيضا.

 

ويعتقد أن الاقتصاد السودانى يتميز بعاملين أساسيين، هما الشباب والقطاع الزراعى، والأول يعانى من البطالة الشديدة والتي تصل نسبتها لأكثر من 40%، والثانى يعانى من الإهمال الشديد بخلاف توزيع مساحات شاسعة لشركات خاصة تستنزف خيراتها.

 

وملامح تلك الخطة العشرية التي يقترحها د.البدوى تتلخص في دور رائد للدولة لتوفير البنية التحتية، والهياكل التنظيمية والقواعد التشريعية، باعتبارها مدخلات مكملة لعملية التنمية الاقتصادية، مع توفير التعليم والتدريب وتشجيع الأبحاث والتطوير.

 

وأيضا تحفيز وتشجيع القطاع الخاص، وإعداد برامج تشغيل الشباب على الصعيدين، المرحلى والبعيد، ثم إطلاق برنامج للنمو المستدام المتنوع والمتعدد الأقطاب، والذي يعمل على إحياء مشروع حزام الصمغ العربي والزراعة المطرية، وكذلك مشروع الجزيرة الزراعى، ثم مشروع الساحل السودانى من النيل إلى البحر الأحمر، وأخيرًا مشروع المدن المنتجة.

 

كل ذلك بالتزامن مع تحقيق السلام من خلال إنهاء النزاعات الداخلية المسلحة، وإقامة ما يسمى بالتوأمة مع دولة الجنوب في إطار إستراتيجية للتكامل الاقتصادي.

 

وأعتقد أن ما قدمه د. إبراهيم البدوى.. هو برنامج وطنى للإنقاذ قابل للتنفيذ، سواء في شقه العاجل أو المستديم، لأنه يستهدف التشغيل ومكافحة الفقر في المجتمع السودانى ويعتمد على جهود وإمكانات السودانيين أنفسهم، ولا مانع من مساعدة الأصدقاء.

 

ولكنه يختلف تمامًا في أهدافه ومكوناته عن برامج «التكييف الهيكلى» التي يفرضها صندوق النقد على الدول التي تطلب مساعدته.

 

ونحمد الله أننا خرجنا من عباءة الصندوق، وحققنا نجاحا ملحوظًا انعكس في المؤشرات الاقتصادية الجيدة.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز