عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الحج.. شحنة العمر

الحج.. شحنة العمر

بقلم : محسن عبدالستار

يجتمع ملايين المسلمين من أجناس مختلفة، في خير بقاع الأرض "بيت الله الحرام"، لتطمئن قلوبهم، وتنشرح صدورهم، وتُمحى ذنوبهم، وتقوى علاقاتهم، وذلك بتأدية مناسك الحج، هذه العبادة الرفيعة، فمنهم من قطع المسافات الطويلة برًا أو بحرًا أو جوًا، ومنهم من قدم التضحيات والغالي والنفيس، مالًا وجهدًا دون تردد في سبيل تأدية هذه العبادة التي فرضها الله على من استطاع إليه سبيلًا.. أمنيًا وصحيًا وماليًا.. فهو منحة إلهية وزيارة طيبة يمنحها الله لمن يشاء من عباده المخلصين.



في هذه البقعة المباركة يحتشد التاريخ بكل تفاصيله، منذ أن أمر اللهُ خليله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام ببناء هذا البيت العتيق المبارك.

بقعة صغيرة تقع في وادٍ غير ذي زرع، وتحيط بها الجبال من كل جانب، بيئة جبلية، شديدة الحرارة، ثم بدأ الناس في التوافد عليها والاستقرار بها في عصر الخليل وابنه، وذلك بعدما ترك سيدنا إبراهيم زوجته هاجر وابنه إسماعيل في هذا الوادي الصحراوي الجاف، وذلك امتثالًا لأمر الله سبحانه وتعالى: "رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ".

فبقيا في الوادي- إسماعيل وأمه- حتى تفجّر بئر زمزم، ودبت في هذه البقعة المباركة الحياة، وبدأت خلال تلك الفترة رفع قواعد الكعبة على يد النبي إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما وعلى نبينا الكريم السلام.

إن الحج رحلة في الدنيا، لكنها في الآخرة تحجز للمخلصين مكانًا في الجنة، كيف ذلك؟!

يقول المصطفى، صلى الله عليه وسلم: "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".

إن الحاج وافد على الله، ومن وفد على الله أكرمه الله.. وعن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الغازي في سبيل الله، والحاج، والمعتمر، وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم".

نسيم لطيف، يتسلل بين هذه المواكب والحشود، ليلامس الطائفين والركّع السجود، ينساب بسلاسة من تلك الشرفات، وينهمر من أعالي المنارات، ليشارك الساجد في دعائه، والراكع في تعظيمه، والطائف في ابتهاله، والقائم في تلاوته، يمر هذا النسيم ليشارك الجميع في إقامة هذه الشعائر المقدسة، وكأنه يربت على الأكتاف، ويقبل الجبهات.

حقًا إنها رحلة تذكر باليوم الآخر، فهناك يتوارى الجاه والمكانة والمنصب، ويتذكر الناس إن نسوا، وينتبهون إن غفلوا، يلبون حفاة عراة، لا فرق لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود، إلا بالتقوى والعمل الصالح.

الحج عبادة من أرقى العبادات، فإذا صح أن الصلاة عبادة يومية، أي شحنة يومية، وإذا صح أيضًا أن صلاة الجمعة، عبادة أسبوعية، أي شحنة أسبوعية، وإذا صح أن رمضان عبادة سنوية، أي شحنة سنوية، فإنه يصح أيضًا أن يكون الحج عبادة العمر، أي شحنة العمر كله.

وهنا يأتي السؤال الأهم: ما الحكمة من الحج؟!

أحيانًا تكون الدنيا حجابًا بين العبد وربه، فتشغلك الخيرات الوفيرة عن لقاء الله، وحج بيته الحرام، الذي كتبه الله على من استطاع إليه سبيلًا، فنجد أن كل العبادات تؤديها في مكانك وبلدك إلا الحج، لا يؤدى إلا في مكان محدد، مكة المكرمة، وزمان محدد أيضًا، ذو الحجة، فإنها إذن عبادة متميزة عن غيرها من العبادات، فهي عبادة بدنية ومالية، فيها يتحمل الإنسان المشقة في سبيل الله سبحانه وتعالى.

لقد اتخذ الله عز وجل لنفسه بيتًا، وهو البيت الحرام، مع أن الله موجود في كل مكان، ولكن لِمَ اتخذ الله لنفسه بيتًا؟!

من أجل أن تكون زيارته مكلفة، لأن فيها سفرًا، وإنفاق مال، وشدة حرارة، وازدحامًا، أي مشقة كبيرة، وتدفع ثمن هذا اللقاء.. فبدون دفع الثمن يكون اللقاء ليس حارًا، تجده لقاء فاترًا.

وهنا نأتي لسؤال آخر لِمَ لا يكون الحج في أرض خضراء وبحيرات، لماذا يكون في وادٍ غير ذي زرع؟!

وذلك لأن الله أراد أن يلغي المتعة الحسية، وذلك لحكمة عظيمة، وهي أن تنعقد لك مع الله صلة متينة قوية، وحينما يتفرغ الإنسان لعبادة الله يكافئه عز وجل بتفريغ النفس من هموم الدنيا وأحزانها، فحين تؤدي مناسك الحج تشعر بسعادة غامرة، لا توصف، ولا تفكر في هموم الدنيا مطلقًا.. اللهم زيارة قريبة مع من نحب.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز