عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
بين تراجع الدين وغياب القانون

بين تراجع الدين وغياب القانون

بقلم : محمود حبسة

انتشرت وبكثرة جرائم العنف الأسري داخل الأسرة المصرية خلال الفترة الأخيرة ولأسباب عديدة ومختلفة بعضها يرجع لضغوط الحياة والبعض الآخر بسبب تداول المواد المخدرة أو البحث عن المال والشهرة بأي وسيلة مثل حادث استغلال طفلة رضيعة لتحقيق مشاهدات أكثر على يوتيوب وتحقيق مكاسب مادية كبيرة، وبعضها يأتي أحيانا تحت دعاوى الشرف كالتي حدثت مؤخرا في أكثر من محافظة من محافظات مصر حيث قام أب بقتل ابنته والشاب الذي وجدها معه داحل غرفتها وقام أب آخر بذبح ابنتيه لأنه وجدهما يحادثان شابين في الهاتف.



حوادث العنف الأسري أصبحت أكثر وأصعب من أي محاولة لتجاهلها تتعدد وتتنوع أشكالها بدءا مما هو معروف وقد يكون مألوفا في الماضي إلى ما أفرزته السنوات الأخيرة من جرائم يندى لها الجبين، كانت حوادث العنف الأسري في الماضي معظمها محصورة في اعتداء زوجة الأب على ابنة أو ابن زوجها ومع استمرار هذه الجريمة بل وانتشارها واتخاذها أشكال وأبعاد متنوعة ومختلفة أكثر بشاعة وإيلاما مثل المنع من الطعام والنوم في المرحاض والحرق والكي واستخدام آلة حادة في التعذيب والضرب بعصا غليظة وفي مناطق حساسة وكل ذلك بعلم الأب ومباركته، الآن أصبح العنف يشمل كل أفراد الأسرة بدءا من تعذيب طفل على يد أبويه حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة لمجرد أنه أخذ بعضا من النقود دون علم والده انتهاء بقتل الابن والابنة صغارا كانوا أم كبارا ولأسباب جميعها أبعد ما تكون عن المنطق والعقل السليم، والمؤكد أن جريمة محمود نظمي الذي قتل طفليه وألقى بهما في النيل تحت تأثير المواد المخدرة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، فقد تبعها حوادث مأساوية لعل أكثرها بشاعة ذلك الذي قتل أبناءه الثلاثة بدم بارد بسبب تهديد شريكه في البحث عن الآثار بالانتقام منه، ومن قتل الأب للابن إلى قتل الأب أو الأم من جانب الأبن بسكب البنزين عليهما وحرقهما أو مطاردتهما في الشارع وذبحهما بالسكين لأى أسباب تتعلق بالمال أو الميراث أو سوء المعاملة ما يؤكد الإصرار على القتل دون وازع من ضمير.

حوادث العنف الأسري أخذت أيضا في الفترة الأخيرة منحى خطيرا بتزايد حالات الاعتداء الجنسي على الفتيات الصغيرات أو الشابات في مرحلة المراهقة ومن الأب ذاته أو من الأخ وهو ما يعرف بظاهرة زنى المحارم والتي كانت محصورة في الماضي في محاولات تحرش زوج الأم بابنتها كما صورت ذلك السينما المصرية، تعددت وانتشرت حالات زنى المحارم في الفترة الأخيرة والمتشكك عليه البحث على قناة يوتيوب ليجد عشرات القنوات التي تبث مثل هذه النوعية من الجرائم ومن خلال تحقيقات ومحاضر الشرطة والنيابة وأماكن حدوثها وباعتراف الأب أو الأخ إضافة إلى الضحية، ما يجعل هذه الظاهرة أحد المعاول التي تضرب وبقوة المجتمع المصري في الصميم وتهدد تماسكه وبشكل جعلها في رأيي أحد أهم وأخطر أشكال العنف الأسري وأكثرها بشاعة لآثارها التدميرية على المجتمع ومنظومة القيم الحاكمة له، ولذا يجب أن نتوقف عندها كثيرا لبحث أسبابها وتداعياتها ولا يجب أن نفعل مثل النعام ندفن رؤوسنا في الرمال بالاكتفاء بالتقليل من حجمها أو الادعاء بعدم حدوثها أو الحديث زورا وبهتانا عن تدين المجتمع وتمسكه بثوابته وقيمه الدينية والروحية.

ما أبسط التدليل على كثرة وتنوع وتزايد وانتشار حوادث العنف الأسري داخل المجتمع المصري بكل أشكالها في الحضر والريف على السواء في الدلتا والصعيد دون استثناء أو تفرقة، أصبحت بعلم الجميع وعلى مرأى ومسمع من الجميع ولأسباب عديدة لعل أبرزها في رأيي سببان الأول هو غياب الدين وتراجع دوره والثاني هو غياب القانون، نحن نعيش فترة صعبة بكل المقاييس لعلها أحد إفرازات ظاهرة الإرهاب المقيتة التي ضربت مصر والمنطقة في السنوات الأخيرة وأدت إلى تراجع دور الدين وتراجع تأثيره بسبب ما قدمه الإرهابيون من صورة سيئة ومغلوطة عن الدين دفعت البعض من الشباب إلى الإلحاد، كما يأتي العامل الاقتصادي كأحد العوامل التي ساهمت في تضخيم هذه الظاهرة خصوصا مع ارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة معدل الطلاق وانهيار العديد من الأسر المصرية ومجمل العوامل والأحداث التي ساعدت على تزايد الفجوة بين الآباء والأبناء وانعدام الحوار الذي كان يقرب المسافات ويزيل الفوارق في الماضي ويبقي على الاحترام في ذات الوقت.

مطلوب فورا خطاب ديني جديد ومتحضر يواجه هذه الظاهرة ويؤكد قيمة الأسرة في الإسلام والمسيحية على السواء ويعزز الحوار البناء ويعيد تسليط الأضواء على القيم التي اندثرت، مطلوب فورا عودة الاحترام للمدرسة والمسجد والكنيسة كمؤسسات تربوية لها دور مهم ومحوري في التصدي لمثل هذه النوعية من الجرائم ومقاومة الأفكار المغلوطة التي تزيد من انتشارها، مطلوب فورا عودة الهيبة والاحترام للقانون وتطبيقه على الجميع دون أي استثناء وبكل الحسم والقوة وعلى أن تكون للقانون وحده الكلمة العليا وليس العرف أو التقاليد والعادات، مطلوب مفهوم موحد للجريمة لا يخضع لهوى أو ثقافة الفرد ومدى تعليمه على أن تكون الدولة هي الحاكمة والضامنة لكل ذلك، مطلوب وعلى وجه السرعة أن تنشط منظمات وهيئات المجتمع المدني تواجه هذا الانحراف الفكري والسلوكي وتحذر منه من خلال الندوات التثقيفية، مطلوب دور اجتماعي وتنويري للإعلام يحذر من خطورة هذه الظاهرة والتداعيات المدمرة لمثل هذه الجرائم على المجتمع والدولة.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز